الكاتب: ثامر بدوي محلل سياسي مختص بالسياسة الخارجية الإيرانية تجاه العراق و الدول العربية المجاورة
الناشر: المجلس الاطلسيAtlantic Council / واشنطن
٧/٢/٢٠٢٠
ترجمة: هبــه عباس محمد علي
مراجعة وتحليل: د. حسين احمد السرحان
قسم الدراسات السياسية
في شهر تشرين الأول ٢٠١٩، اجتاحت الاحتجاجات العاصمة العراقية بغداد، فضلا على المحافظات الجنوبية ذات الاغلبية الشيعية، وقد أدى استمرار الاحتجاجات منذ ذلك الوقت الى استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، لكن من المثير للاهتمام هو غياب احد العناصر الرئيسة في المجتمع الا وهم المكون العربي السُني.
ففي بغداد شارك بعض السُنة في هذه الاحتجاجات مع الشيعة فضلا عن مشاركة البعض من الانبار وديالى ذات الأغلبية السُنية، ومنذ البداية تم قمع من يساند التظاهرات من خلال التهديد او الاعتقال. اما في محافظة نينوى والانبار وصلاح الدين فقد حدثت احتجاجات رمزية لإحياء ذكرى المتظاهرين الذين قتلوا في بغداد والجنوب دون رد فعل كبير من الأجهزة الأمنية.
السبب الرئيس الذي يكمن وراء ضعف مشاركة المكون السُني هو خشية اتهامهم بدعم “داعش” او تعزيز هدف التنظيم الرامي الى استعادة محافظاتهم المحررة، فإذا قام داعش بالعودة الجزئية أو الكاملة من خلال الانهيار ألامني الناتج عن المظاهرات – أو المندسين – يخشى العرب السُنة أن يتم إلقاء اللوم عليهم، اذ توجد سابقة لهذا الخوف. ففي عام ٢٠١٣ تمكن تنظيم القاعدة من اختراق اعتصامات الانبار وبعد قمع الحكومة لهذه الاعتصامات ازداد استياء العشائر العربية السنية من رئيس الوزراء آنذاك “نوري المالكي” و جعل هذا من السهل على داعش السيطرة على المدن الرئيسة في المحافظة مثل الرمادي والفلوجة.
والسبب الاخر يقول السُنة ان المظاهرات الجارية في بغداد والمحافظات الجنوبية هي جزء من الصراع الشيعي-الشيعي ولا ينبغي على السنة المشاركة فيه لأنه لا يتعلق بهم.
ومما ينبغي الإشارة اليه ان العرب السنة بشكل عام غير راضين عن وضعهم في مرحلة ما بعد داعش. ووفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجراها المعهد الوطني الديمقراطي (NDI) في المدة ما بين شباط – آذار 2019 في المحافظات الخمس ذات الاغلبية السُنية ولعدد كبير من سكانها، فإن استياء المشاركين في الاستطلاع عما إذا كانوا يحصلون على حصتهم العادلة من الخدمات بالمقارنة مع الطوائف الأخرى ارتفعت بفارق ، مقارنةً مع استطلاعات الرأي التي أجريت في تشرين الأول 2018. كما ارتفعت نسبة العرب السنة الذين يعتقدون أن بلادهم تسير في الاتجاه الخاطئ في الفترة بين آب – وتشرين الأول 2018 مقارنة مع استطلاع سابق في نيسان 2018.
كان النازحون داخلياً في العراق والأشخاص الذين عادوا – ومعظمهم من العرب السنة – قد استنفذوا وصدموا من جراء صعود داعش والقتال الذي تلا ذلك والذي اسهم في تدمير البنية التحتية والتفكك الاجتماعي. وعلى الرغم من احتمالية تعاطف العديد من السنة العرب مع الاحتجاجات في بغداد والجنوب، إلا أنهم يريدون الحفاظ على المكاسب النسبية التي حققوها بعد هزيمة داعش، لا سيما فيما يتعلق بالأمن.
ووفقا لتقرير صادر عام ٢٠١٩ من قبل منظمة الهجرة الدولية، فأن غالبية الأسر النازحة تعتقد ان الوضع الأمني الجيد هو اهم شروط العودة. وأظهر استطلاع للرأي نشره المعهد الديمقراطي الوطني في آب 2019 ، أن سكان نينوى والأنبار أبدوا امتنانهم الكبير لأجهزة الأمن الحكومية لتحسُن الوضع الأمني.
ومن الناحية المالية، من المهم ان نتذكر قيام الحكومة العراقية عام ٢٠١٥ بتقليل الحصة المالية للمحافظات التي كانت الخاضعة لسيطرة داعش، ولا يرغب السنة بتكرار هذا السيناريو سواء كعقاب على تنظيم تظاهرات وتقوية داعش اذا تمكن من العودة، لان هذه الخطوة ستوجه ضربة مؤلمة للعرب السنة الذين يعانون من الضائقة الاقتصادية وبالتالي ستؤدي إلى إبطاء جهود إعادة الإعمار.
إذا اختار السنة الاحتجاج وتحدي الوجود الأمني المكثف في مناطقهم، فمن غير المرجح أن يدعمهم زعماء مناطقهم وشيوخ العشائر، بعكس حالة اعتصام الأنبار في 2012 – 2013 الذي شارك فيه العرب في المناطق ذات الأغلبية السنية والمحافظات المختلطة مثل صلاح الدين ونينوى وكركوك وديالى.
وفي عام ٢٠١٠ قام المالكي بحل قوات الصحوة السنية خوفا من القوة التي اكتسبوها، لكن لم يكرر رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وعبد المهدي هذه السياسة مع قوات العشائر السنية التي أصبحت جزءا من فصائل الحشد الشعبي، وبعبارة أخرى تمكن خلفاء المالكي الموالين لإيران من كسب ولاء العديد من النخب السنية القوية.
واذا دعم السياسيون السنة وزعماء العشائر القوية الثورة في المناطق العربية السنية، فإنهم سيخاطرون بفقدان المكاسب السياسية والاقتصادية التي تحققت من خلال تحالفهم مع القوى السياسية المدعومة من إيران وقد يواجهون القمع والتهميش. هناك شريحة أخرى من زعماء العشائر العربية السنية ما زالت مشردة أو منفية في المنطقة الكردية في العراق.
وقد لعبت الشخصيات الدينية مثل عبد الملك السعدي ورافع الرفاعي وكبار رجال الدين في ديوان الوقف السني دورا مهما في تحشيد العرب السنة في اعتصامات محافظة الانبار، لكن تغير المشهد المؤسسي بعد ذلك الحين ، اذ عيّنت الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي رئيسًا جديدا للأوقاف السنية وأضعفت مالياً المجموعة الفقهية العراقية المدعومة من الإخوان.
ومن ناحية أخرى حصلت الشخصيات العربية السنية التي تربطها صلات بطهران والتي ساعدت على تحشيد مجتمعاتها ضد داعش على دعم الحكومة العراقية. عبد المهدي الصميدعي وهو مفتي كبير لديه فصائل تعمل كجزء من وحدات الحشد الشعبي، كما يرتبط مجلس علماء الرباط المحمدي بعلاقات قوية مع وحدات الحشد الشعبي، وتمكن كلاهما من توسيع انشطته الدينية في فترة ما بعد داعش. وبالمقارنةً بفترة ما قبل داعش، اصبح يخضع المجال المؤسسي الديني السني اليوم لمزيد من النفوذ الحكومي، وبالتالي فهو أقل قدرة على المساهمة في التحشيد ضد السلطات أو حماية المتظاهرين من القمع.
ولجميع الأسباب الانفة الذكر، من غير المرجح ان يشارك السنة في التظاهرات بسبب خوفهم من عودة داعش، فضلا على رغبتهم في المحافظة على مكاسبهم الاقتصادية المحدودة، ومع ذلك ، فإن مشاركة بعض شباب المكون العربي السُني من خارج بغداد في احتجاجات ساحة التحرير تؤثر على حساباتهم وقد تؤثر في الوقت المناسب على رغبتهم للتغيير داخل مجتمعاتهم المحلية ومحافظاتهم.
التحليل:
بداية لابد من الاشارة الى سوء ادارة الحكم وما نتج عنه من تداعيات سياسية وامنية واقتصادية وخدماتية كارثية، انعكس على كل اقليم الدولة العراقية وبات كل افراد المجتمع بغض النظر عن توزيعهم الجغرافي والعرقي والديني يعانون بشكل متساوٍ من تبعات سوء ادارة الحكم وآلياته وانعكاساته. وبعبارة اخرى ، فان عدم الرضا تجاه ” القوى السياسية” والنظام السياسي وحالته الازموية المركبة هو شعور عام لدى الشعب العراقي.
الاسباب التي ذكرها الكاتب في اعلاه صحيحة، ومنعت اناساً كثر من الخروج في محافظاتهم، ولكن لابد من الاشارة الى ان ما يميز هذه التظاهرات الاحتجاجية انها تعالت على الطائفية والمكوناتية وشارك فيها مختلف المكونات حتى وان انحصرت في المحافظات الجنوبية والتي تضم افراد من المكون السني فضلا عن ديانات اخرى.
التعالي على الطائفية والمكوناتية سمة اساسية انهت حقبة كبيرة من الطائفية التي وظفتها قوى الاسلام السياسي السني والشيعي، وبات اللعب على وتر الطائفية امرا مرفوضا مطلقا. وبالتالي اضحت القوى والتيارات السياسية المشاركة في الحكم فاقدة لآلية مهمة اعتمدتها في تغييب الوعي وخداع الرأي العام لسنوات مقيتة. وهذا النتاج اشتمل على جميع قوى الاسلام السياسي حتى في المحافظات ذات الغالبية من المكون السُني.
يبقى المعول على تنمية الوعي السياسي والاجتماعي لدى عامة الشعب العراقي – الي نجح في توسيع مساحة الحرية – في تحقيق الاهداف الاخرى الانية والمستقبلية. وهي اهداف سياسية واهداف ترتبط بالتغيير الاجتماعي والذي يشكل الارضية الصلبة لأي تغيير ايجابي.