الكاتب: علي معموري محرر و باحث و كاتب مختص بالشأن الديني
الناشر: Al- Monitor
24-1-2020
ترجمة: هبــه عباس محمد علي
عرض وتحليل: سعد محمد حسن الكندي
يستهل الكاتب مقاله بأن الوضع في العراق أصبح يشبه كرة غزل متشابكة، فهناك تعقيدات جديدة يوميًا، و في الوقت الذي يثور به المحتجون عليها نرى ان الأحزاب السياسية غير قادرة على تهدئة التوتر وإعادة المحتجين إلى منازلهم، وهناك تصاعد لحدة التوترات بين إيران والولايات المتحدة.
ديناميات الصراع
يرى الباحث ان العراق قد تحول إلى ساحة للحرب المباشرة بين طهران وواشنطن ، رغم محاولة الأطراف الداخلية إخراجه من مسار التوتر بين الدولتين. تتمثل هذه القوى الداخلية بالأكراد و السنة و الفصائل المؤيدة لإيران والشيعة المستقلين و المتظاهرين وسلطة النجف الدينية التي لها دور مهم على مستوى البلد بشكل عام وليس الشيعة فقط، و ترغب جميع القوى المذكورة أعلاه – باستثناء الشيعة المؤيدين لإيران– في الحفاظ على توازن القوى بين الولايات المتحدة وإيران، وتشكيل تدريجي لموقف وطني موحد.
الصورة أوضح مما كانت عليه سابقاً
ويؤكد الكاتب بأن لدى ايران الحليف الاقوى في العراق، الا وهو الفصائل المسلحة التي تتمتع معها بعلاقات استراتيجية وقد حذرت هذه الفصائل الرئيس العراقي برهم صالح من لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكنه التقى به في مؤتمر دافوس الذي عُقد في ٢٢/ كانون الثاني وناقشوا العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة و العراق.
ويقول صالح”لدينا الكثير من المصالح المشتركة: كالحرب ضد التطرف وتحقيق الاستقرار في الدول المجاورة و بناء عراق مستقر ذو سيادة وصديق لجيرانه وللولايات المتحدة”.
وكان رد ترامب: «نحن نتحدث عن الكثير من الأشياء المختلفة… فهم يُعجبون بما نقوم به ونحن نحبهم، ولدينا علاقة جيدة جدا”
وقد حاولت الادارة الامريكية تخفيف حدة الوضع مع الايرانيين فى العراق فى اعقاب اغتيال قاسم سليمانى لكي لا يصبح العراق ساحة حرب، فبعث ترامب في دافوس رسالة إيجابية في هذا الصدد. وقال “لقد انخفض عدد الجنود الى 5 الاف وهذا عدد قليل جدا وسنرى ما سيحدث بعدها” ، مشيرا الى عدم استعداده لزيادة عدد القوات فى العراق، واحتمالية اتخاذ تدابير مختلفة لتهدئة الوضع مع ايران.
كان خطاب الرئيس صالح في دافوس متقنا جداً ،اذ حافظ على التوازن بين إيران والولايات المتحدة من جهة والقوات العراقية المختلفة من جهة أخرى، اذ قال “نحن نسعى الى اقامة علاقات جيدة مع جميع الاطراف ولا تكمن مصلحتنا فى الدخول في صراعات ليست من صنعنا ولا ينبغي لأي بلد أن يحدد لنا الطرف الذي يجب ان نطور العلاقة معه, لأنه ليس من مصلحتنا اختيار أي بلد كحليف على حساب بلد آخر”.
وقبيل لقاء صالح مع ترامب، قال أبو علي العسكري، وهو مسؤول أمني رفيع المستوى في حزب الله، “نشدد على ضرورة عدم مقابلة برهم صالح مع ترامب وعصابه الأشرار، واذا اجتمع معهم فسيتخذ العراقيون موقفا ضده، وسنخبره بأن الشعب لن يرحب به مرة اخرى وسيخرجه من البلاد”.
واتخذت شخصيات عراقية اخرى ذات علاقة مع ايران، اجراءات قوية ضد الرئيس. وبعد الاجتماع مباشرة، استقال أحد كبار مستشاري صالح، أحمد الياسري المقرب من الحشد الشعبي احتجاجا على اجتماع صالح مع ترامب.
لكن بالمقابل تلقى صالح دعما من عراقيين آخرين، فضلا على الأكراد الذين يدعمون سياسة صالح المتمثلة في إقامة علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة، وقد رافق رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني صالح إلى دافوس، بل التقى مع ترامب بنفسه.
فضلا على ذلك، اعرب بارزانى عن تأييده لمطالب المتظاهرين العراقيين قائلا” انه بعد الاحتجاجات لا يمكن للعراق ان يعود لما كان عليه من قبل، ومن المهم جدا ان يفهم السياسيون العراقيون هذا الامر”. واضاف ان “العراقيين لن يقبلوا عودة الوضع الى ما كان عليه قبل الاول من تشرين الاول، فهم يستحقون حياة أفضل ومن خلال هذه الاحتجاجات تمكنوا من ايصال رسالتهم إلى المسؤولين العراقيين”.
وقال انه يؤيد وحدة العراق وأكد على ضرورة تواجد قوات امريكية فى العراق لمحاربة الارهاب. واضاف «نعتقد ان هدف منع عودة الارهاب لن يتحقق من دون دعم المجتمع الدولي وخاصةً الولايات المتحدة، لذلك يجب ان تبقى القوات الأمريكية في البلاد. وهناك دعم لصالح من قبل السنة و الاحزاب الشيعة الوطنية.
وكانت خطبة الجمعة المصادفة 24 كانون الثاني التى ألقاها ممثل آية الله السيد علي السيستانى داعمة لموقف صالح فى دافوس، وتدعو إلى احترام سيادة العراق وإجراء إصلاحات تتماشى مع مطالب المتظاهرين وتسريع عملية تشكيل حكومة جديدة لتخليص العراق من أزمته الحالية.
ومن جانبه اشاد الزعيم السني أسامة النجيفي بمكانة صالح في دافوس، وقال “اننا نقدر بشكل كبير شجاعة الرئيس برهم صالح فى القيام بواجباته الدستورية واختياره الوقوف مع مصالح الشعب دون تردد او تحت أي ضغط.
وأشاد تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم بموقف صالح وقال في بيان له” ان الجهود التي يبذلها رئيس الجمهورية ترمي الى اجراء حوار دولي بنّاء يمكّنه من الوفاء بالمطالب المشروعة للشعب و تحقيق الازدهار والسيادة والاستقرار السياسي للبلد من اجل ان يحضى باحترام و دعم الجميع.
كما أيد السيد مقتدى الصدر-الذى دعا الى الاحتجاج ضد الوجود العسكرى الامريكى فى العراق- موقف صالح فى دافوس، وقال ان “رئيس الجمهورية برهم صالح هو حامي السيادة وحامي الثوار”. وقال ابن عمه جعفر الصدر سفير العراق في لندن ونجل آية الله محمد باقر الصدر على تويتر: “فخامة الرئيس، سند الأمة وحامي الإصلاح”
وقد وجه الصدر خطابا الى المتظاهرين المناهضين للولايات المتحدة فى بيان له يوم 24 كانون الثاني دعى فيه الحشد الشعبي الى الاندماج فى الجيش وقوات الشرطة العراقية واطاعة رئيس الوزراء العراقى باعتباره القائد العام للقوات المسلحة،فضلا على دعوته الامم المتحدة والاتحاد الاوربي الى اتخذ اجراء يضمن تحقيق السيادة العراقية ويمنع الاطراف الاجنبية من التدخل فى الشؤون السياسية والاقتصادية والعسكرية للعراق.
وتدل موجة التصريحات والخطابات على الطبيعة الحيوية للحركات السياسية العراقية مما يدل ان الجبهة الوطنية المتكونة من الأكراد والسنة والشيعة القوميين قد تشكلت تدريجيا تحت راية تحرير العراق من السيطرة الأجنبية.
نحو الحل
يرى صاحب المقال بأنه خلال الأشهر القليلة الماضي بدا الوضع في العراق فوضويا، وبلغ ذروته مع الصراع المباشر بين الولايات المتحدة وإيران. ولكن في بعض الأحيان يمكن ينشأ حل عندما تصل الأزمة إلى ذروتها .
نلاحظ اليوم على ارض الواقع متظاهرين يطالبون بالوفاء بمطالبهم و إلا ستستمر الأزمة. وسيستمر الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، واول من يتأثر، فضلا على ان المشهد السياسي الداخلي مقسم بين اطراف موالية لإيران واخرى غير موالية، وهنا يمكن التساؤل كيف يمكن للعراق أن يسير على الطريق الصحيح؟.
و بعد فترة طويلة من عدم الاستقرار, يبدو أن جميع الأطراف مستعدة للتوصل إلى حل وسط.
ويشير الكاتب ان ما يفتقده العراق هو القائد الشجاع والحكيم الذي يمكنه اقناع جميع الاطراف للجلوس على طاولة واحدة، ولتحقيق هذا الهدف يجب ان يكون هذا القائد مقبول من قبل الكتل السياسية والمحتجين، وتربطه علاقات جيدة بالأمريكان و الايرانيين ومحترم من قبل السلطة الدينية في النجف، انها مهمة صعبة لكنها محتملة الحدوث، و يمكن للقائد من خلالها استغلال الفرص وتجنب التهديدات.
يجب أن يكون لرئيس الوزراء القادم علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وإيران والقوى الإقليمية – بما في ذلك السعودية وتركيا – وألا يشارك في أي جداول أعمال سياسية إقليمية ولا يكون مرفوضًا من قبل المتظاهرين ، ومقبولًا لدى الأحزاب الشيعية الكردية والسنية والوطنية.
تحليل:
مما تقدم يتضح لدينا بأن احتجاجات اكتوبر غيرت شكل الصراع بين الولايات المتحدة الامريكية وايران من صراع غير مباشر الى صراع مباشر, تزامنا مع رفض الشارع المنتفض لسياساتهم منذ عام 2003, فقد عبر المتظاهرون عن رفضهم للنفوذ الاقليمي الذي اخذ يتوسع يوميا بعد يوم وكذلك للتدخلات الامريكية كما حذرت مرجعية النجف التي تعد اعلى سلطة دينية للشيعة في العراق, عبر خطب الجمعة عن مخاطر تحويل الساحة العراقية الى ساحة صراع بين القوى الخارجية, وقد رفضت التدخل الاقليمي والدولي في الشأن العراقي, وذلك في اشارة واضحة الى ايران والولايات المتحدة الامريكية. وهذا كان واضحا في خطاب السيد برهم صالح رئيس جمهورية العراق فقد ركز على ضرورة احترام سيادة العراق وعدم الانحياز لطرف على حساب طرف آخر كما طالب بضرورة احترام رأي ساحات التظاهر. وعلى الحكومة القادمة ان تأخذ في حساباتها ان تهدأ الشارع المنتفض من خلال البدء بتحديد سقف زمني لإجراء انتخابات مبكرة ونزيهة وتحت اشراف اممي, تقديم ومحاسبة قتلة المتظاهرين, محاسبة سراق المال العام, تقديم الخدمات الممكنة, حصر السلاح بيد الدولة وعدم بقائه منفلت بيد المجاميع, ضرورة الحفاظ على التوازن بين القوى الخارجية وعدم الانحياز لطرف على حساب طرفا اخرا, لان ذلك يكبد العراق تداعيات كبيرة وخطيرة.
https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/01/iraq-iran-us-protests-crisis-solution-trump-salih-davos.html
