م. حمد جاسم محمد الخزرجي
باحث في قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
آذار 2020
إنّ استهداف الولايات المتحدة لمقرات عسكرية عراقية، ولا سيما مقرات الحشد الشعبي لم يكن الأول وعلى ما يبدو لن يكون الأخير ، فمنذ انطلاق عمليات التحرير عام 2016، ولغاية الآن لم يتوقف ضرب الولايات المتحدة لأهداف عسكرية عراقية بعضها كانت تدعي إنه خطأ عسكري وبعضها قصف متعمد ردًا على استهداف مقرات قواتها العسكرية في العراق، إلا إن ما يميز الضربات الامريكية الأخيرة، وتحديدًا بعد اصدار مجلس النواب العراقي قرارًا بإخراج القوات الامريكية من العراق، إنها كانت عن قصد وباعتراف وزارة الدفاع الامريكية، و من هذه العمليات العملية التي نفذت ضد اللوائيين 46 و 45 التابعة للحشد الشعبي في القائم بتاريخ 29/12/2019، والعملية التي استشهد فيها نائب رئيس هيأة الحشد الشعبي في العراق (أبو مهدي المهندس)، و قائد فيلق القدس الايراني (اللواء قاسم سليماني)، فضلًا عن عدد من المقاتلين وذلك قرب مطار بغداد الدولي يوم الجمعة 3 كانون الثاني 2020، و العملية العسكرية التي تم فيها ضرب أهداف عسكرية ومدنية عراقية في فجر يوم الجمعة الموافق 13 اذار 2020، وقد استهدفت كل من: جرف النصر، وكربلاء، وصلاح الدين، والانبار، و واسط.
ولعل ما يميز هذه الضربة إنها استهدفت ولأول مرة مواقع عسكرية في وسط العراق وجنوبه، فضلًا عن استهداف منشآت مدنية، و لا سيما مطار كربلاء الدولي الذي هو قيد الانشاء و تحت إشراف العتبة الحسينية، ومما يظهر إن هذا العمل قد جاء على خلفية اتهام الولايات المتحدة لفصائل الحشد الشعبي باستهداف قاعدة التاجي التي قتل فيها ثلاثة عناصر، اثنان من الولايات المتحدة والآخر بريطاني الجنسية، علما إنه لم يتم الكشف عمن كان وراء القصف ولم تعترف جهة معينة بقيامها بهذا العمل.
إن استهداف الولايات المتحدة لمواقع عراقية عسكرية ومدنية وبصورة مباشرة، مع إنها دولة حليفة للعراق جاء من خلال عدة معطيات و أسباب جعلت من الولايات المتحدة تنتهك سيادة العراق وحرمة أراضيه، إلى جانب إنها تتنصل من كل الاتفاقيات التي عقدتها مع العراق تلك الاتفاقيات التي كان من المفترض ان تجعل من الدولتين ( العراق وامريكا ) حلفاء لا اعداء في المنطقة، ومن هذه الأسباب نذكر الآتي :
إن فشل كل المحاولات الامريكية في البقاء في العراق، والاعتماد على وكلاء ثانويين في تنفيذ اجنداتها، أو اعتماد الضربات السرية لإبعاد التهمة عنها، دفع بالإدارة الامريكية أن تستهدف القوات العراقية والمنشآت المدنية بصورة مباشرة وتحمل كامل المسؤولية.
يعد استهداف مطار كربلاء الدولي ( الذي هو قيد الانشاء ) محاولة أمريكية لمنع أي تطور أو تقدم في العراق ويمكن أن يقف وراء هذا العمل أطراف تحسب على جهات اقليمية، هذا إلى جانب جر الحشد الشعبي إلى مواجهة عسكرية مباشرة، وهو ما تسعى إليه امريكا من خلال استهدافها مراكز مدنية.
تعد المرجعية الدينية في العراق صمام الامان، و لا سيما بعد ما بذلته من جهود في مكافحة الإرهاب، وتقديم الدعم المعنوي لجهود الحكومة من خلال فتوى الجهاد الكفائي، وهو ما وضع الولايات المتحدة في حرج كبير، مما جعل بعض التحليلات تذهب إلى انتفاء الحاجة للوجود الامريكي في المنطقة، و تحديدًا بعد تراجعها عن دعم العراق في مواجهة الإرهاب، كذلك استهداف قواته العسكرية، إذ أصبح هذا الوجود سببًا للمشاكل في المنطقة، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تذهب إلى استهداف كل من يقف بوجهها بشكل مباشر.
قرب الانتخابات الرئاسية الامريكية التي يحاول الرئيس (ترامب) من خلالها أن يحصل على ولاية ثانية، وهذا يتطلب منه انجازًا كبيرًا حتى يتمكن من الحصول على دعم اللوبي الصهيوني في هذه الانتخابات، إذ من شروطه اتخاذ إجراء مؤثر ضد الحشد الشعبي في العراق، علما إن كل المحاولات الامريكية السابقة وضغوطها لم تحقق نتائجها المرجوة، لهذا فالرئيس (ترامب) حاول بهذا العمل أن يحصل على دعم معنوي لكي يستخدمه في الانتخابات القادمة.
و بعد الضربة الامريكية الأخيرة لمواقع مدنية وعسكرية عراقية، نستنتج عدة حقائق ستكون ذات تأثير على امريكا ووجودها غير الشرعي في العراق، ومنها:
إن استهداف مواقع عسكرية ومدنية عراقية من قبل طائرات عسكرية امريكية بصورة مباشرة، و لا سيما إن الولايات المتحدة ترتبط مع العراق باتفاقية مهمة وذات حقوق متبادلة للطرفين، وتفرض على امريكا مساعدة العراق في مقاومة الإرهاب، تمثل ضربة لكل اتفاقية بين الطرفين، وتمثل انتهاك للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية، وهو ما يحمل امريكا مسؤولية دولية، و لا سيما بعد أن رفع العراق شكوى إلى مجلس الأمن الدولي والامم المتحدة، وعد هذه العملية انتهاك لسيادة العراق وسلامة أراضيه. وهذا لن يعفي امريكا من مسؤوليتها مستقبلا.
سيكون لهذه العملية تبعات سلبية على وجود امريكا في العراق، و على وجه التحديد بعد أن صوت مجلس النواب العراقي على اخراج القوات الأجنبية من العراق، ومنع أي مهام عسكرية للتحالف الدولي، وهو سيكون الرد على الضربة الامريكية، ولإنهاء الوجود الامريكي في المنطقة، لأن خروج امريكا من العراق سوف يفقدها أهم موقع استراتيجي دفعت المليارات وآلاف القتلى من أجل الحصول عليه.
إن استهداف الولايات المتحدة لمنشآت مدنية مثل مطار كربلاء الذي تشرف عليه العتبة الحسينية المقدسة، سوف يعطي المقاومة الاسلامية في العراق الحق في القيام بعمليات ضد القوات الامريكية، وتوحيد صفوفها في العراق، وهو ما يعد ضربة كبيرة للولايات المتحدة.
وضعت القوات الامريكية وشركاتها ومصالحها في المنطقة بخطر كبير، فالساحة اصبحت مفتوحة ضد القوات الامريكية، و أول هذه الخسارة سيكون مغادرة العاملين في الشركات النفطية وغيرها العاملة في العراق، ودعوة كل رعاياها لمغادرة العراق، فضلًا عن انسحاب الولايات المتحدة من عدة قواعد في العراق منها قاعدة القائم العسكرية، وتحديد انتشارها في العراق.
و بالرغم من الاضرار التي اصابت القوات العراقية الرسمية والمنشآت المدنية التي شملها القصف، إلا إن ما يصيب امريكا سيكون أكبر من ذلك، وسوف تزداد المقاومة المسلحة للوجود الامريكي، مع ضعف أي دعم حكومي لوجود قواتها في العراق، كما إن تقديم العراق شكوى لمجلس الأمن والامم المتحدة سيكون سابقة تقود إلى دعم تقديم شكاوى ضد القوات الامريكية وما خلفته من دمار في العراق منذ احتلاله عام 2003 و إلى الآن.
استهداف الولايات المتحدة لأهداف عراقية في الوسط والجنوب الأسباب والتداعيات
التعليقات على استهداف الولايات المتحدة لأهداف عراقية في الوسط والجنوب الأسباب والتداعيات مغلقة