م.م.عبير مرتضى حميد السعدي
باحثة في قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
يظهر إنّ الوضع الاقتصادي العالمي لعام 2020 لا يبشر بالخير، فالتوترات السياسية والتجارية التي استمرت من العام السابق تنذر بأزمة اقتصادية عالمية كبيرة لاتحمد عقباها، ولايعرف متى تنتهي أو حتى كيف ستنتهي.
إنّ تسقيط تهم الركود على ظهور مرض ( الكورونا ) في الصين وتفشيه في دول العالم، وانخفاض أسعار النفط بسبب الحرب الناتجة عن زيادة انتاج النفط واغراق السوق بين كل من روسيا والسعودية، ليست هي الحقيقة الكاملة ، فملامح الركود قد ظهرت منذ عام 2019 ، إذ تراجعت أغلب المؤشرات الاقتصادية في آسيا من معدلات النمو ونسب مساهمة القطاعات خاصة قطاع الصناعة، وتراجع معدلات التبادلات التجارية.
لكنّ ظهور مرض ( كورونا ) وتوسعه في بلدان العالم، وانخفاض أسعار النفط إلى 29 دولار للبرميل نتيجة الحرب السعرية بين روسيا والسعودية ،جعل المجلس الاحتياطي الفيدرالي يعلن خفض سعر الفائدة بالقرب من الصفر وتسيير كمي يصل إلى 700مليار دولار لجعل أسواق المال تعمل وتجذب المستثمرين في استثمار أموالهم وتمنع انجماد أو اغلاق أسواق المال، مسببة في ذلك قيام أغلب دول الخليج بتخفيض سعر الفائدة كبنك قطر المركزي الذي خفض سعر الفائدة على الإيداع 50 نقطة أساس إلى 1% وسعر الفائدة على الإقراض بواقع 100 نقطة أساس إلى 2.5%، ومصرف البحرين المركزي الذي خفض سعر الإيداع لأجل ليلة من 1.50% إلى 0.75%، وسعر الإيداع لأجل شهر من 2.20% إلى 1.45%، وسعر الإقراض للبنك من 2.45% إلى 1.70%، وتخفيض معدل اتفاقيات إعادة الشراء 75 نقطة أساس من 1.75% إلى 1% ومعدل إعادة الشراء العكسي 75 نقطة أساس من 1.25% إلى 0.50%، ومصرف الإمارات المركزي يخفض سعر الفائدة المطبق على شهادات الإيداع لأجل أسبوع بواقع 75 نقطة أساس ويبقي على سعر الخصم من دون تغيير، والبنك المركزي الكويتي يخفض أسعار الفائدة بواقع 1.5%،الامر الذي نتج عنه خسائر في أسواق المال، فنجد إن مؤشر دبي قد انخفض إلى 1900 نقطة ،بينما انخفض مؤشر EGX30 في البورصة المصرية إلى 800 نقطة ،في حين إن مؤشر داوجونز للنفط الخام والتعدين هبط إلى 2200 نقطة، و انخفضت البورصات الاوربية إلى 10% ومؤشر ASX الأسترالي إلى 3%.
ومع انخفاض أسعار الفائدة في البنك المركزي الاحتياطي والقيام بالتيسير الكمي بـ 700 مليار دولار، بمعنى زيادة في عرض النقد دولار الأمريكي فمن المرجح انخفاض أسعار الدولار عالميًا أي خسارة في سلة التعاملات اليومية. ولا تتوقف الخسائر على أسواق المال فقط، إنما تستمر لتجتاح سوق الملاذات الامنة أي المعادن، فقد انخفضت أسعار المعادن من الذهب والفضة وباقي المعادن الأخرى.
لهذا و في ظل المؤشرات السابقة ، قد لا نشهد ارتفاع في معدلات النمو الاقتصادي في أغلب بلدان العالم، فبحسب دراسة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) التي تجد إن تفشي مرض الكورونا سيكون سببًا لتدهور بعض اقتصادات العالم التي ستواجه ركودًا اقتصاديًا، مع تقلص النمو السنوي العالمي إلى أقل من 2.5%، وبهذا سينخفض الدخل العالمي، وستنكمش أسعار الأصول، ويقل الطلب العالمي، وتزداد الديون، وتستمر اقتصاداتهم في دوامة انخفاض مستمرة قد تؤدي لافلاس بعض الاقتصادات و لاسيما في البلدان النامية.
و تشير الدراسة إلى ان الاقتصادات العالمية ستواجه عجزًا بقيمة 2 تريليون دولار في الدخل العالمي مع وصول 220 مليار دولار إلى البلدان النامية (باستثناء الصين)، وستكون البلدان المصدرة للنفط من أكثر الاقتصادات المتأثرة بذلك ، فضلًا عن البلدان المصدرة للسلع الأساسية الأخرى التي ستخسر أكثر من 1% من معدلات نموها السنوي.
وتؤكد هذه الدراسة ان الحلول الكفيلة لمواجهة الأزمة تكمن في أن البنوك المركزية تحتاج إلى تدخل الدولة من خلال وضع سياسات اقتصادية كلية مناسبة من إنفاق مالي كبير مع استثمارات عامة كبيرة ، ودعم الرعاية الاجتماعية الموجهة للعاملين والشركات والشعب، و ضرورة وجود تنسيق دولي لهذه البرامج ، فضلًا عن وضع سياسات إصلاحية مؤسسية تمنع احتكار الغذاء، وتسيطر على الوضع الصحي، وتهدأ المواطنين لتقليل ذعرهم من المرض .