الدكتورة روافد الطيار
باحثة في قسم الدراسات القانونية ،مركز الدراسات الاستراتيجية
26 آذار 2020
تداولت المواقع الخبرية مجموعة نشاطات لرئيس مجلس الوزراء المكلف (السيد عدنان الزرفي) مثل الاجتماع مع وزير الصحة والبيئة لبحث وسائل مواجهة وباء كورونا واللقاء مع سفراء الدول الدائمة للعضوية، للتباحث حول الشوؤن العامة والسياسة الخارجية للعراق.
وما تقدم يثير مجموعة تساؤلات :
هل يتمتع رئيس مجلس الوزراء المكلف بهذه الصلاحيات ؟
إن كان لا يتمتع بهذه الصلاحيات ، فمن هو رئيس مجلس الوزراء الفعلي في هذه المرحلة ؟
استخدم المشرع الدستوري مصطلح (رئيس مجلس الوزراء المكلف ) ضمن المادة (76) من الدستور العراقي لعام 2005 ، والمتعلقة بآلية اختيار أعضاء مجلس الوزراء رئيسا ووزراء ، إلا إنه عندما تحدث عن صلاحيات مجلس الوزراء في المادة (78) من الدستور استخدم مصطلح (رئيس مجلس الوزراء).
ولذلك فإن رئيس مجلس الوزراء المكلف وحسب الاجراءات الدستورية يحتاج إلى تشكيل وزارته والحصول على ثقة مجلس النواب بألاغلبية المطلقة ، لكي يستطيع ممارسة صلاحيات رئيس مجلس الوزراء .
وهذا ماأكده النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (٢ ) لسنة٢٠١٩ في الفقرة ثانيا من المادة الاولى منه : ” يتألف المجلس من رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء بعد تأديتهم اليمين الدستورية أمام مجلس النواب .”
وعليه فإن السيد رئيس الوزراء المكلف لا يملك أي صلاحيات من الناحية الدستورية، قبل منحه الثقة من البرلمان وذلك بالتصويت على اعضاء وزراته فرادا والمنهاج الوزاري دفعة واحد ،استنادا للدستور المادة (76 ) ولايحق له التدخل في اي عمل من اعمال الحكومة الحالية قبل نيل الثقة سواء في موضوع يتعلق بالسياسة الخارجية او في السياسة الداخلية…لذا فأن عقد لقاء مع سفراء الدول الدائمة للعضوية للمباحثة حول الشوؤن العامة والسياسة الخارجية للعراق وعم وزير الصحة لمواجهة وباء كورونا ..تعد مخالفة دستورية.
إذن من هو رئيس مجلس الوزراء الفعلي حاليا؟
تكلف السيد (عادل عبد المهدي ) رئاسة الوزراء للدورة الانتخابية الرابعة في 25 تشرين الاول 2018 ،وبسبب الضغوط الشعبية قدم أستقالته قبل أنتهاء مدة ولايته الدستورية في 30 تشرين الثاني 2019 .
واستنادا للخارطة الدستورية ،تعد هذه الحكومة مستقيلة بأكملها كون إن المسؤولية تضامنية بين الوزراء ورئيس مجلس الوزراء أستنادا للمادة 83 من الدستور.
تم قبول الاستقالة من قبل مجلس النواب في الاول من كانون الاول 2019 وعد حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة حكومة تصريف أعمال لغاية أختيار رئيس وزراء جديد .
علما إن الدستور العراقي لعام 2005 لم يتضمن أي نص ينظم حالة أستقالة رئيس الوزراء ، بالاضافة إلى إنه لم يشر إلى حكومة تصريف الاعمال إلا في حالة واحدة وهي حالة سحب الثقة من الوزارة أو رئيس وزراء (المادة 61/ثامنا/3/د) ،إلا إن النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019 وسع من حالات حكومة تصريف الاعمال وحددها بثلاث حالات هي : انتهاء الدورة الانتخابية لمجلس النواب ، سحب الثقة من مجلس الوزراء أو رئيسه ، حل مجلس النواب ،وايضا لا لوجود لأستقالة رئيس الوزراء من ضمنها.
وعليه في هذه الحالة واستنادا إلى نصوص الدستور العراقي ، لا يمكن اعتبارها حكومة تصريف أعمال ،والمسؤول الفعلي لممارسة وظيفة رئيس الوزراء هو رئيس الجمهورية أستنادا إلى المادة (81) والتي تشير إلى قيام رئيس الجمهورية مقام رئيس مجلس الوزراء في حالة خلو المنصب لأي سبب كان ، وهو ماينطبق على حالة الاستقالة كون لم ينظمها أي نص دستوري،وعليه تعد الحكومة حكومة اعتيادية وتستمر في ممارسة عملها وليس حكومة تصريف أعمال ، إلا إنه بسبب رفض السيد رئيس الجمهورية (برهم صالح) تولي منصب رئاسة الوزراء بعد تأكيده على ضرورة اختيار رئيس وزراء جديد يتفق مع طلبات الجماهير الغاضبة ،مما اضطر مجلس النواب إلى عدها حكومة تصريف أعمال ،لمنع وقوع العراق في مرحلة انعدام حكومة مركزية وما يترتب عليه من نتائج سلبية نحن في غنى عنها .
إذن بعد التسليم بأعتبار حكومة عادل عبد المهدي حكومة تصريف أعمال ماهي الخطوات التالية :
هذه الحكومة لاتستطيع العمل كحكومة تصريف أعمال أكثر من 30 يوم وخلال هذه الفترة رئيس الجمهورية ملزم بتقديم مرشح لرئاسة الوزراء اي بتاريخ الاول من كانون الثاني 2020 ، حاول الرئيس العراقي احترام التوقيتات الدستورية وطالب الكتل النيابية ترشيح اسماء لرئاسة الوزراء إلا إن هذه الاسماء قوبلت بالرفض كونها لا تحقق مطالب المتظاهرين ،واخيرا كلف الرئيس العراقي اليوم السبت (الأول من شباط 2020) محمد توفيق علاوي برئاسة الوزراء، لينهي بذلك أزمة سياسية مستمرة منذ أكثر من شهرين. ليٌدير علاوي البلاد لحين يتسنى إجراء انتخابات مبكرة، ويتعين عليه تشكيل حكومة جديدة خلال شهر ، إلا إنه بسبب عدم احترام الدستور من قبل ممثلي الشعب أعضاء مجلس النواب العراقي وعدم حضورهم لعقد جلسة منح الثقة ،اعلن اعتذاره يوم الاول من آذار2020 ، وفي هذه الحالة دخلنا في أزمة سياسية جديدة أنتهت بتكليف عدنان الزرفي من قبل رئيس الجمهورية دون ترشيح من قبل الكتل النيابية وحسب ما ينص عليه الدستور العراقي ،مما يعد خرق جديد للدستور، إلا إننا نرى في خرق الدستور في عمليات تكليف رؤساء الوزراء في البلاد، خرق روتيني في العملية السياسية في العراق، وليس بالجديد.
من خلال ماذكرناه نصل إلى نتيجة خطيرة وهي عدم وجود رئيس للوزراء للعراق في الوقت الحاضر لكون حكومة تصريف الاعمال لعادل عبد المهدي وهي اصلا مشكوك في مدى دستورية هذا التكييف القانوني لها انتهى عملها بشكل رسمي في الاول من كانون الثاني 2020 ولا يحق لها الاستمرار في تصريف الاعمال.
خلاصة القول : نحن نعاني من حالة تعطيل فعلي للدستور العراقي منذ تاريخ صدوره ولغاية يومنا الحالى ،فالمصلحة السياسية الشخصية تتغلب على النص الدستوري ،واصبح الدستور مجرد مجموعة من الاوراق مليئة بكلمات لا قيمة لها.