م. حمد جاسم محمد الخزرجي باحث في قسم إدارة الأزمات مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء نيسان 2020
يعود تاريخ العقوبات الامريكية على ايران إلى عام 1979، إذ منذ الأيام الأولى لانتصار الثورة الإسلامية واعلان الجمهورية الإسلامية في ايران، اتخذت الولايات المتحدة الامريكية سياسة التشدد ضد ايران، و كانت حجتها الأولى هو اقتحام سفارتها واحتجاز عدد من الدبلوماسيين لأكثر من سنة، ثم تلتها حجج أخرى منها توسع الدور الإيراني في المنطقة التي تعدّها أمريكا ذات مصالح كبرى لها، واتهام ايران بالتدخل في شؤون العراق الداخلية فضلًا عن افغانستان و لا سيما بعد الاحتلال الامريكي لهاتين الدولتين، و تبع ذلك أن وضعت أمريكا ايران ضمن محور الشر ودعم الارهاب. وفي محصلة الأمر فإن أهم أسباب فرض العقوبات الامريكية على ايران هو خوف الولايات المتحدة من إقامة نظام سياسي إسلامي ناجح في المنطقة، وما قد يسببه من تأثير مباشر على مصالحها في المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية الكبرى عالميًا، لهذا استمرت العقوبات بوتائر مختلفة من الشدة، كما في اصدار قانون (داماتو) عام 1996 الذي يعاقب الشركات والدول التي تستثمر في ايران أكثر من 20 مليون دولار، وبعد كشف البرنامج النووي الايراني السري عام 2002، زادت العقوبات الاقتصادية الامريكية وشملت معظم القطاعات النفطية والصناعية والشركات والاشخاص، ثم تحويل ملف ايران النووي إلى مجلس الأمن عام 2006، والاستثمار الامريكي لهذا الملف من خلال كسب دول أخرى إلى جانبها وأهمها الدول الاوربية وذلك لفرض عقوبات على ايران، وقد تم ذلك من خلال القرار 1929 عام 2010، الذي شدد العقوبات الدولية على ايران ليتأثر اقتصادها بعد ذلك و يتراجع بشكل كبير، حتى جاء عام 2013 وهو العام الذي انطلقت فيه مفاوضات بين ايران ومجموعة 5+1، وقد افضت هذه المحادثات إلى عقد الاتفاق النووي عام 2015، ثم رفع العقوبات عام 2016، وبالررغم من موافقة الإدارة الامريكية برئاسة (باراك اوباما) على الاتفاق النووي، إلا إن الكونغرس الامريكي والتيار اليميني استمرا في معارضة هذا الاتفاق، إلى أن جاءت إدارة جديدة للحكم برئاسة (دونالد ترامب) عام 2017، و انسحبت من الاتفاق النووي عام 2018 وفرضت عقوبات مشددة جدًا على ايران شملت كل القطاعات حتى الصحية والغذائية، التي تعدّ مستثناة من العقوبات الدولية، لكن الادارة الامريكية تريد الوصول إلى جلب ايران لمفاوضات جديدة تلبي رغبات المجتمع الدولي على حد قولهم، ومن هذه الرغبات تعديل الاتفاق النووي، وايقاف البرنامج الصاروخي، وتقييد نفوذ ايران في المنطقة، وهو ما يقود في النهاية إلى تغير النظام السياسي أو توجهاته الخارجية. و بعد كل تلك العقوبات الاقتصادية الامريكية والتهديد بالقوة، وتأثيرها على الاقتصاد الايراني، فإن ظهور فايروس كورونا المستجد في الصين وانتشاره في أغلب دول العالم، ومنها ايران الذي وصلت اصاباتها إلى عشرات الالاف، وأكثر من ثلاث الالاف ضحية، هي في تصاعد يومي، فإن هذا الفايروس المعدي مع العقوبات الاقتصادية التي جعلت من الصعوبة على ايران تطبيق حظر شامل للتجوال أو ما يسمى حظر منزلي، خشية من الحراك الاجتماعي، لهذا فهناك اجراءات غير مشددة وتوجيهات للسكان لتقليل التنقل، ثم جاء تراجع أسعار النفط إلى أقل من 30 دولار، مع تراجع الصادرات النفطية الايرانية بسبب العقوبات الامريكية، وفرض أمريكا عقوبات جديدة على شركات شحن ايرانية وهندية وجنوب افريقية قدمت شحنات دوائية وأغذية إلى ايران، و على الرغم من كل المناشدات الدولية والأممية ولا سيما التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة (انطونيو غوتيريش)، من أجل رفع العقوبات عن ايران أو على الأقل استثناء الدواء والغذاء منها، إلا إن اصرار الولايات المتحدة على استمرار العقوبات وتشديدها وضع عائقًا أمام دعوات رفع العقوبات أو تقديم مساعدات طبية وغذائية إلى ايران، حتى إن نظام الآلية المالية الأوروبية الجديدة التي أنشأتها الترويكا الأوروبية “إنستكس” لمساعدة ايران لم يقدم سوى مساعدات قليلة بقيمة 20 مليون يورو (21.5) مليون دولار، فضلًا عن مساعدات صينية وروسية، علما إن اغلب الدول التي قدمت مساعدات لإيران هي مصابة الاخرى بوباء كورونا وبشكل كبير جدا. إنّ انتشار مرض كورونا في أغلب المحافظات الايرانية، وارتفاع الاصابات والوفيات، مع تأثير العقوبات الامريكية على الاقتصاد الايراني، ومعارضتها منح ايران أية قروض من صندوق النقد الدولي، وتراجع أسعار النفط، لم يؤثر على امكانيات الحكومة الايرانية في استمرار مكافحة هذا الوباء بالإمكانيات الاقتصادية المتوفرة. والسؤال المهم هل إن وباء كورونا سوف يقود إلى انهيار أو على الأقل ضعف تأثير العقوبات الامريكية على ايران؟. و للإجابة عن هذا السؤال فإن ذلك يتوقف على عدة حقائق منها : إلى جانب المساعدات الطبية والغذائية الاوربية التي وصلت إلى 20 مليون يورو ، ودعوة دول الاتحاد الاوربي إلى إرسال مساعد\ات طبية و إنسانية أخرى إلى ايران، بوصفها لا تنتهك العقوبات الامريكية العقوبات المفروضة على ايران، فإن دول الاتحاد الاوربي وشركاتها وبعد كارثة مرض كورونا وتعرض اقتصادها للتراجع، فأنها ستحتاج بعد زوال خطر المرض إلى أسواق لمنتجاتها، فضلًا عن مناطق استثمار ذات قيمة اقتصادية لتعويض خسائرها، وهي تعد ايران دولة ذات قيمة اقتصادية بسبب حاجة أسواقها للمنتجات الاوربية، ووفرة مصادر الطاقة فيها، لهذا فإن الدول الاوربية وشركاتها ستسعى إلى دخول السوق الايراني بغض النظر عن العقوبات الامريكية، إلى جانب إن الولايات المتحدة هي الأخرى ليست بموقف يساعدها على استمرار فرض العقوبات على الشركات الاوربية لمنعها من الاستثمار في ايران، لأن تفشي مرض كورونا في الولايات المتحدة، هو ما يجعل من السوق الامريكية غير ذي فائدة مثلما كانت سابقًا للشركات الاوربية. دعوت خبراء في الأمم المتحدة في مجال حقوق الانسان، وبدعم من أمينها العام (انطونيو غوتيريش)، إلى رفع العقوبات عن ايران ودول أخرى لضمان وصول المساعدات الإنسانية الطبية والغذائية لحاجة العديد من سكان هذه الدول لها ولا سيما في مواجهة فايروس كورونا، هذا الأمر اعطى ايران دعمًا اضافيًا لترفع دعوى إلى الامين العام للأمم المتحدة بأن العقوبات غير قانونية و غير إنسانية، وهو ما زاد من الدعم الدولي لها. هذا إلى جانب سعي دول مجموعة 77 والصين لتقديم طلب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل رفع العقوبات الاحادية عن ايران، وهو ما عارضته الولايات المتحدة وبعض الدول الاوربية، و على الرغم من المعارضة الا إنه يظهر إن هناك رغبة دولية في انهاء العقوبات عن ايران في ظل مواجهة فايروس كورونا. استمرار تدفق المساعدات الطبية بمختلف أنواعها من الصين وروسيا لإيران، علمًا إن هذه الدول لم تلتزم بالعقوبات الامريكية على ايران، ولا زالت شركاتها تتعامل مع ايران في مختلف القطاعات الاقتصادية، وهو ما أضعف تأثير العقوبات على ايران، وقاد إلى ظهور انتقادات من الشركات الامريكية لسياسات الإدارات الامريكية لأنها حرمت هذه الشركات من استثمارات مربحة لها في ايران. ظهور دعوات امريكية لتخفيف العقوبات على ايران لمواجهة مرض كورونا، وهو ما لمح له وزير الخارجية الامريكية (مايك بومبيو) من إن بلاده تفكر في تخفيف العقوبات على ايران ودول أخرى لمساعدتها في مواجهة فيروس كورونا، و إن المواد الطبية والغذائية معفاة من العقوبات الامريكية، وهو يُعدّ تحول في موقف امريكا المتشدد ضد ايران، ولعل تحركات الولايات المتحدة الاخيرة جاءت كرد فعل على تحرك الاتحاد الاوربي وبعض دول العالم التي دعت لرفع العقوبات عن ايران، وهي لا تريد أن تخرج الأمور عن سيطرتها بشكل كامل، فهي تريد أن تخفف العقوبات لمنع الدول الأخرى من زيادة تعاملها مع ايران. مع كل العقوبات الامريكية على ايران، والتشدد بها و لا سيما على القطاع النفطي، فإن الاقتصاد الايراني لا يزال يتمتع ببعض مصادر القوة التي تمكن الحكومة الايرانية من توفير الموارد اللازمة لدعم المواطنين، كذلك مكافحة فايروس كورونا، إذ تمتلك ايران قاعدة صناعية متقدمة قياسا بدول المنطقة الأخرى، وهو ما مكنها من توفير بعض الأجهزة الطبية والأدوية محلية الصنع، وأماكن لمعالجة واستيعاب عشرات الالاف من المصابين. مع تأثير فايروس كورونا على اقتصاديات دول العالم، فإن أزمة انخفاض أسعار النفط بدأت هي الأخرى تضغط بتأثيرها المباشر، فقد تسبب انخفاض أسعار النفط إلى أقل من 30 دولار للبرميل الواحد بخسائر كبيرة للدول المصدرة للنفط، و لا سيما دول الخليج العربي التي تدير الشركات النفطية الامريكية أغلب قطاعات الطاقة فيها، وهو ما سبب خسائر كبيرة لهذه الشركات، التي بدأت تضغط على صناع القرار من أجل الضغط على كل من روسيا والسعودية لخفض الانتاج لرفع أسعار النفط، وهو ما جعل الرئيس الامريكي يوجه تهديدًا مبطنًا إلى السعودية بفرض رسوم كبيرة على النفط السعودي، ودعوته كلا من روسيا والسعودية إلى الاتفاق مجددًا لعودة الاستقرار لسوق النفط. و يبدو إن الوصول لاتفاق ورفع أسعار النفط سوف يعزز قدرة ايران في الحصول على مورد مالي يمكن أن يساعدها في تجاوز أزمة مرض كورونا والعقوبات الامريكية. مع كل ما تفرضه الولايات المتحدة من عقوبات اقتصادية على ايران، والتشدد بها بين الحين والآخر، فضلًا عن التهديدات العسكرية، إلا إن لإيران أدوات أيضًا لمواجهة هذه العقوبات منها ما هو داخلي من تطور صناعي وزراعي ووجود موارد الطاقة المحلية، ومنها ما هو خارجي، متمثل في وجود دعم دولي بدا يتسع مداه بعد انتشار فايروس كورونا في ايران والعالم، و يمكن أن يضاف إلى ذلك قدرة ايران في التأثير على المصالح الامريكية بالمنطقة ولا سيما في الجانب الاقتصادي، وهو ما جعل الولايات المتحدة تتراجع في بعض الاحيان وتطلق تصريحات من قبيل تخفيف العقوبات الاقتصادية وغيرها، وذلك لمنع انزلاق الأوضاع بين الدولتين إلى مواجهة شاملة تكون آثارها مدمرة للمنطقة .