م. علي مراد النصراوي
باحث في قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
11 نيسان2020
قد يكون تقديم حكومة السيد عادل عبد المهدي استقالتها بسبب تزايد الضغوط الشعبية اثر تصاعد وتيرة الاحتجاجات، وما رافقها من تصعيد ومصادمات راح ضحيتها العديد من المتظاهرين ومنتسبي الأجهزة الامنية ، و مع إنّ مطالب المتظاهرين كانت أوسع وأشمل من مجرد تغيير الحكومة، إذ إنّ تغييرها كان واحدًا من مطالب المتظاهرين المعتصمين في ساحات الاحتجاح، لكن القوى السياسية القابضة على السلطة لم تستطع مغادرة المحاصصة بالرغم من إنها قد أعلنت بأن تغيير الحكومة هو استجابة لمطالب الناس ، إلا إن حقيقة الأمر قد اظهرت عكس ذلك فبعد أن كلف السيد رئيس الجمهورية محمد توفيق علاوي برئاسة الوزراء، وضع رئيس الوزراء المكلف حكومته، مصرحًا بأنها مستقلة و بعيدة عن فرض إرادات الأحزاب وكانت النتيجة عدم اكتمال النصاب داخل مجلس النواب، ورفض أغلب القوى السياسية للأسماء التي طرحها محمد توفيق علاوي في حكومته ، مما اضطره لتقديم اعتذاره بعد انقضاء مهملة الثلاثين يومًا ، لتتعالى بعدها أصوات المتظاهرين بضرورة الاتيان بشخص مستقل وقوي.
وبعد خلافات البيت السياسي الشيعي وعجزه في اختيار شخص توافقي اتجه السيد رئيس الجمهورية مرة أخرى نحو اختيار مرشح آخر لشغل منصب رئاسة الوزراء، وكلّف السيد عدنان الزرفي ( وهو نائب حالي ومحافظ سابق وعضو في تحالف النصر) ، لكن يظهر إن مصير هذا التكليف لم يكن مختلفًا عن سابقه إذ بعد انتهاء المدة اللازمة لتأليف الحكومة لم يحصل على موافقة الاحزاب السياسية عليها، و بهذا فقد تكررت معه تجربة سلفه علاوي وقدم اعتذار بعد اعتراض أغلب القوى السياسية الرئيسة ، لكن اللجنة السباعية التي تضم أغلب القوى السياسية الشيعية وافقت على شخصية مصطفى الكاظمي، وهو الأمر الذي جعل السيد رئيس الجمهورية يكلفه بتأليف الحكومة.
و السؤال الذي يطرح هنا: هل يتمكن الكاظمي من النجاح في تأليف حكومته ام إنه يلاقي مصير علاوي والزرفي ؟.
يُعد الكاظمي شخصية غامضة جدًا، إذ لم يعرف عنه شيء سوى إنه مهتم بحل النزاعات، وغادر العراق منتصف الثمانينيات إلى ايران، ومن ثم إلى بريطانيا، و كان معارضًا لنظام صدام حسين، وهو ذا توجه علماني ، وقد تولى قيادة جهاز المخابرات العراقي مطلع عام 2016 ويحسب له ابقاء الجهاز بعيدًا عن الاختراق، فقد حافظ على استقلاليته وحقق نجاحًا كبيرًا في إعادة اواصر الحوار مع مختلف الأطراف، كما يحسب للجهاز تعقبه لكبار قادة التنظيمات الارهابية و لاسيما زعيم تنظيم داعش في سوريا بعد استهدافه من قبل الولايات المتحدة الامريكية التي أشادت بدور المخابرات العراقية في هذه العملية .
لقد جرى طرح اسم الكاظمي بعد انتخابات عام 2018 قبل اختيار السيد عادل عبد المهدي ليعاد اسمه مجددًا في اعقاب استقالة الحكومة، إلا إنه طلب توافق من كل الكتل السياسية ليبقى الأمر مؤجلًا لما بعد اعتذار الزرفي، وبهذا يكون الكاظمي هو ثالث مرشح يكلف لتأليف الحكومة ، وهنا لابد من الإشارة إلى إن حالة التوافق التي حصل عليها تكاد تكون منفردة من قبل أغلب الكتل السياسية الشيعية والكردية والسنية باستثناء البيان الذي اصدره فصيل كتائب حزب الله بالعراق الذي عدّ التكليف خيانة لدماء الشهداء ، هذا وقد تعهد الكاظمي بتأليف حكومة خادمة للشعب كما صرح بأن سيادة العراق هي خط أحمر و مؤكدًا في الوقت نفسه على إنه سيقوم بتقديم أسماء المرشحين لوزراته في أسرع وقت .
وتشير كل التوقعات إلى امكانية أن يمرر الكاظمي أسماء المرشحين لوزراته بعد التوافق الذي حصل عبر كسر حالة الجمود السياسي، كما إن الوضع يشير إلى إنه قد لا يتمكن من تجاوز موضوع المحاصصة السياسية، و ربما قد يلجأ إلى مشاورة الكتل السياسية بتقديم مرشحيها للحقائب الوزارية أو يضع شروطًا تنظم ذلك على أن يجري مراعاة حقوق المكونات أو ربما الأحزاب والقوى السياسية ، فضلًا عن ذلك فإن مدة الحكومة قد تكون انتقالية لعام واحد إذا ما جرى تمريرها بهذا التوافق، إلا إن التحديات كبيرة و لاسيما في ظل أزمة فايروس كورونا وتحدي عودة التظاهرات وبشكل أكبر مما كانت إلى جانب ملف تحقيق التوازن بين امريكا وايران، والملف الخدمي ومكافحة الفساد، وتحدي تهديد فصائل معروفة إذا ما استمرت حكومة الكاظمي .
من جهة أخرى، فإن التوجه التفاؤلي يشير إلى امكانية نجاح حكومة الكاظمي إذا ما جرى تمريرها، وذلك لأن أغلب القوى السياسية أو بمعنى آخر صقور العملية السياسية يرون في فشل الكاظمي بتأليف هذه الحكومة قد يؤدي إلى فقدان نفوذهم شعبيًا، وقد يجدون في دعم حكومة الكاظمي وانجاحها إنما هو لإعادة شيء من ذلك القبول ، كما إن ايران تعرف بضرورة استعادة مقبوليتها من خلال قبولها بشخصية غير مقربة منها ، وبالتالي فإن هذه التوقعات تبقى مرهونة بنجاح تمرير الرئيس المكلف، وإرادة الكتل السياسية على ادراك المخاطر المحدقة .