أ . م . حيدر خضير مراد مركز الدراسات الاستراتيجية – قسم الدراسات السياسية نيسان/
2020 لعبت العوامل السياسية دوراً كبيراً في نشوء وظهور الجماعات الدينية ذات الأفكار المتطرفة في التاريخ الإسلامي ، فالظروف والمشاكل السياسية التي شهدها القرن الأول الهجري من تاريخ الأمة الإسلامية كالفتنة الكبرى ومصرع الخليفة عثمان بن عفان (رض) وحرب صفين من ناحية (1) ، والاختلاف بين المسلمين في تأويل النص القرآني وتفسيره وفهمه من ناحية أخرى(2)، ساهمت بشكل كبير في وضع جذور الفكر المتطرف عند بعض الفرق والجماعات الإسلامية ومنها فرقة الخوارج التي ظهرت عقب حادثة التحكيم بعد معركة صفين سنة 37هـ/ 656م . هذه الفرقة تبنت ايديولوجية متطرفة تقوم على رفض ومقاتلة كل من يخالفهم في الرأي، وعرفت بالتعصب للمذهب على حساب الدين واستغلال ذلك كمبرر للقتل والتنكيل بخصومهم من المسلمين وغير المسلمين (3) . كذلك ساهم التنافس والصراع السياسي بين الخلافة العباسية والخلافة الفاطمية في مصر وبعض اجزاء بلاد الشام خلال القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي في تشجيع السلطة السياسية العباسية ودعمها لحشوية الحنابلة وتسليطهم على الفرق والتيارات الإسلامية الأخرى في بغداد لاسيما في عهد الخليفة القادر بالله (381 – 422هـ/991- 1031م) الذي قرّب الحنابلة وأظهر ميله الى مذهبهم (4) ، وأصدر رسالة عرفت بالاعتقاد القادري نصر فيها الحنابلة وأهل الحديث. وكان هذا الاعتقاد موجهاً ضد المعتزلة والشيعة والاشعرية، حيث حُرِمَ بموجبه أي نشاط رسمي لهذه الفرق الثلاث في بغداد مقابل السماح للحنابلة بالقيام بنشاطهم الوعظي والسياسي (5). وكان من نتيجة ذلك ان قام الحنابلة بأقصاء خصومهم من المذاهب والفرق الأخرى وكبتوا كل الافكار المخالفة لهم بقوة السلطان بعد تحالفهم مع السلطة السياسية المتمثلة بالخلافة العباسية (6) ، مما ادى الى حصول الكثير من الفتن والتجاذبات المذهبية بينهم وبين الفرق الأخرى كالشيعة الإمامية والاشاعرة في بغداد خلال تلك الفترة الزمنية من التاريخ الإسلامي (7) . وهنا يبرز أثر العامل السياسي في اسناد الفرق الدينية ذات الأفكار المتطرفة في تاريخ المسلمين. إذ ان السلطة السياسية العباسية حاولت استغلال حشوية الحنابلة لتحقيق اهداف تخدم مصالحها في التصدي للخلافة الفاطمية والحد من امتداد نفوذها نحو اراضي العراق(8) ، وفي اتخاذها من حشوية الحنابلة كقوة مناوئة للطوائف الدينية التي قد تتعاطف او تتعاون مع الدعوة الفاطمية كالشيعة الإمامية في بغداد (9). وهكذا ساهمت الدوافع السياسية في نشوء وتبلور التيار السلفي المتشدد خلال تلك الحقبة من تاريخ الاسلام، ذلك التيار الذي أستمر بالنمو والتصاعد خلال المراحل التاريخية اللاحقة حتى بلغ اوج اكتماله ونضوجه في القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي على يد ابن تيمية الحراني ( 728هـ/1327م ) الذي يعد من أكبر وأشهر شيوخ الحنابلة والذي دعى الى العودة الى عقيدة السلف وائمة الحديث كأحمد بن حنبل وغيره ، من الذين يقفون عند نصوص الكتاب والسنة (10) . ثم ظهرت الحركة الوهابية نسبة الى مؤسسها محمد بن عبد الوهاب ( ت 1206هـ/1792م) في القرن الثاني عشر الهجري في شبه الجزيرة العربية، حيث كان ابن عبد الوهاب المطبق الفعلي لأفكار التطرف متأثراً بابن تيمية وتلاميذه ، وعملت الحركة الوهابية على احياء ونشر الفكر السلفي المتشدد في مناطق شبه الجزيرة العربية (11) . وقد شكل الفكر التكفيري المتطرف للوهابية، علاوة على الطروحات الفكرية التي جاء بها حسن البنأ، مؤسس جماعة الاخوان المسلمين في مصر، ومن بعده سيد قطب، الاساس الايديولوجي للتنظيمات السلفية الجهادية التي نشأ عنها تنظيم القاعدة الارهابي في نهاية الثمانينات من القرن العشرين. والذي انبثق عنه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في العصر الراهن. فالتنظيمات الارهابية “الإسلامية” المعاصرة ليست منقطعة السياق عن نظيراتها في التاريخ الإسلامي كالخوارج والسلفية الحنبلية، وكل من لجأ الى العنف والتطرف سبيلاً لإخضاع مجتمعه وفرض رؤيته عليه . الهوامش : (1) الطبري ، أبو جعفر محمد بن جرير(ت310هـ / 922 م ) ، تاريخ الرسل والملوك ، تح : محمد أبو الفضل إبراهيم ، ط2 (القاهرة : دار المعارف ، 1387 هـ / 1967 م) ، ج 4 ، ص365 ؛ شعبان ، محمد عبد الحي محمد ، صدر الإسلام والدولة الأموية 600 – 750 م (132هـ) ، (بيروت : الأهلية للنشر والتوزيع ، 1987م ) ، ص81- 88 . (2) ينظر : حمد ، عبد الرحمن زكي شحادة ، فهم النص الديني بين السلف والمدرسة العقلية القديمة والمعاصرة ، رسالة ماجستير غير منشورة ، (غزة : الجامعة الاسلامية ،1436هـ/2015م) ، ص ح – خ . (3) الطبري ، الرسل والملوك ، ج 5 ، ص72 وما بعدها ؛ الشهرستاني ، محمد بن عبد الكريم ( ت 548 هـ / 1153 م ) ، الملل والنحل ، تح : أحمد حجازي ومحمد رضوان ، ( المنصورة : مكتبة الأيمان ، 1427 هـ / 2006 م ) ، ج 1 ، ص98- 115 . (4) جارالله ، زهدي حسن ، المعتزلة ، ( القاهرة : مطبعة مصر ، 1366 هـ / 1947 م ) ، ص183- 184. (5) ابن الجوزي ، عبد الرحمن بن علي (ت 597 هـ / 1201 م ) ، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، تح : محمد عبد القادر ومصطفى عبد القادر ، ط1 (بيروت : دار الكتب العلمية ، 1412 هـ / 1992م) ، ج15 ، ص 279- 284 ؛ ؛ الكثيري ، محمد ، السلفية بين أهل السنة والإمامية ، ط 2 ( بيروت : الغدير للطباعة و النشر و التوزيع ، 1425 هـ / 2004م) ، هامش ص 629 . (6) أمين ، أحمد ، ضحى الاسلام ، ط 7 ( القاهرة : مكتبة النهضة المصرية ، 1964 م ) ، ج3 ، ص199 – 200 . (7) ابن الأثير ، علي بن محمد الجزري (ت630هـ/1233م) ، الكامل في التاريخ ، تحقيق : عبد الله القاضي ، ط1 (بيروت : دار الكتب العلمية ، 1407هـ / 1987 م ) ، ج 8 ، ص49 ، 413 ؛ مراد ، حيدر خضير ، ابن القشيري والحنابلة في بغداد ، مجلة جامعة كربلاء العلمية ، مج16، العدد الثالث – أنساني ، ( جامعة كربلاء ، 2018م ) ، ص52 – 53 . (8) الكثيري ، السلفية بين أهل السنة والإمامية، ص 630 – 631 ؛ مراد ، حيدر خضير ، الخليفة القادر بالله وسياسته تجاه الفرق الكلامية ، مجلة جامعة كربلاء العلمية ، مج 17، العدد الأول – أنساني ، (جامعة كربلاء ، 2019م ) ، ص7 . (9) الكثيري ، السلفية بين أهل السنة والإمامية، ص 630 – 631 ؛ الحكيم ، حسن عيسى ، الشيخ الطوسي أبو جعفر محمد بن الحسن 385 – 460 هـ ، ط 1 (النجف الأشرف : مطبعة الآداب ، 1395 هـ / 1975 م ) ، ص 52 . (10) هراس ، محمد خليل ، ابن تيمية السلفي ، ط1( بيروت : دار الكتب العلمية ، 1404هـ/1984م ) ، ص183 ؛ الصالحي ، الشيخ كاظم ، السلفية المعاصرة جذورها التاريخية وتمددها الجغرافي ، ( النجف الأشرف : المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية ، د.ت ) ، ص16 – 17 (11) الكثيري ، السلفية بين أهل السنة والإمامية، ص303 ؛ الصالحي ، السلفية المعاصرة ، ص23 . (12) دمق ، رؤوف ، التكفير في الخطاب السلفي : من العقيدة الى السياسة ، ( الرباط : مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والابحاث ، د.ت ) ، ص3 – 4 ؛ تشوك ، آنيا فيلر ، مقدمة كتاب صعود الراديكالية الدينية في العالم العربي الاسباب ، المؤشرات والاستراتيجيات المضادة ، ( عمان : مؤسسة فريدريش ايبرت ، 2014م) ، ص7 .