م. ميثاق مناحي العيسى
قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية
نيسان/ 2020
يكاد يجمع اغلب المتخصصّين والمحللّين والمهتمّين بالشأن السياسي والاقتصادي على الصعيد العالمي، على أنّ عالم ما بعد كورونا يختلف عن سابقهِ. فالجميع قد أدرك حجم المخاطر الحقيقية التي تسبب بها هذا الفيروس على الصعيدين (المحلي والعالمي)، والفجوة الكبيرة التي خلّفها بين الدولة كـ ‘‘مؤسسة‘‘ وبين المجتمع، فضلاً عن مؤشرات عدم الثقة التي شخّصها في أداء النظام العالمي.
وعلى الرغم من ذلك، فأنّ تأثيره – من المؤكد- مختلفٌ من دولة الى أخرى، ومن بيئة الى أخرى، بحسب طبيعة الدولة ونظامها السياسي، والبُنية الاقتصادية والاجتماعية لها. ومن المتوقّع أن يكون تأثيره كبيرًا في منطقة الشرق الاوسط، ولاسيما تلك الدول التي تعاني من حالة عدم الاستقرار السياسي مثل (العراق وسوريا واليمن ولبنان، فضلا عن إيران)، التي تتمتع بـــ ‘‘استقرار سياسي كبير‘‘ مقارنة بالدول ‘‘انفة الذكر‘‘. إذ يتّوقع أن يكون تأثيره كبيراً جداً في العراق، على كافة المستويات، ولاسيما في طبيعة الحراك الجماهيري وديمومته، وتأثره على الوضع الاقتصادي العراقي المتردي.
فالعراق دولة ذات اقتصاد ريعي، تعتمد بشكل كبير على النفط، ومع الانخفاض الحاد في اسعاره العالمية، من الطبيعي جداً أن يكون البلد اكثر عرضة لتداعيات هذا الفيروس، التي بدورها ستؤثر على كل قطاعات الدولة العراقية؛ مما ينعكس سلباً على ديمومة النظام السياسي العراقي ومستقبله، ولاسيما أن هذا الفيروس، قد كشف حجم الفساد في منظومته (السياسية والاقتصادية والأمنية) وضعف امكانيات الدولة الصحية والتعليمية والخدماتية بشكل عام، وعدم قدرتها على التعاطي مع الازمات العالمية والمحلية، فضلاً عن الخلل الكبير في الاداء السياسي للحكومة العراقية. وهي ذات الاسباب التي ادت إلى تصاعد الغضب الشعبي العراقي وخروجه في حركة احتجاجية سلمية في 1 تشرين الاول/ اكتوبر من العام الماضي. ومع الانتهاء من أزمة كورونا، من المتوقع أن تشهد ساحات التظاهر والاعتصام في العاصمة بغداد وباقي المحافظات المنتفضة، حركة احتجاجية كبيرة على نطاق واسع، وقد بدأت بالفعل عودة المحتجين إلى تلك الساحات بشكل مبكر. وقد اصدر محتجوا “ساحة التحرير” بياناً شديد اللهجة يوم الخميس الماضي 16/ نيسان ، ادانوا فيه سلوكيات القوى السياسية في اختيار المكلفين لرئاسة الوزراء، والفشل السياسي المتكرر لها على كافة المستويات. إذ لم تبد تلك القوى اي جدية حقيقية في التخلي عن العرف السياسي الذي رسمته سابقاً أو “قبل انتفاضة تشرين” في تشكيل الحكومات العراقية القائمة على مفاهيم التحاصص والتغانم، ولاسيما أن المشهد السياسي في العراق ازداد تعقيدًا بعد انتشار فيروس كورونا، فضلاً عن التغيير الذي احدثه هذا الفيروس في نمطية تفكير المواطن العراقي تجاه النظام والقوى السياسية الحاكمة، وسياساتها العشوائية التي زادت من حجم الفجوة بين السلطة والفرد.
إن تزايد مخاطر ما بعد كورونا، سيزيد من المخاطر الداخلية للدول، وربما تكون تلك المخاطر قاسية جداً على الدول الهشة مثل العراق، ولاسيما إن تداعيات تلك المخاطر، قد بدأت بالفعل مع الازمة المالية والانخفاض الكبير في اسعار النفط، وتداعياتها على الوضع الاقتصادي العراقي ، والوضع المعيشي للمواطن العراقي بشكل عام في ظل اجراءات الحظر. وهذا بدوره ربما يؤثر على طبيعة ومستقبل النظام السياسي العراقي القائم والعملية السياسية برمتها، أن لم تكن هناك اجراءات حقيقية وواقعية على المستوى السياسي والاقتصادي، تلامس حياة المواطنين بشكل مباشر، فضلاً عن الاستجابة الحقيقية لمطالب المتظاهرين.