م. حمد جاسم محمد الخزرجي باحث في قسم إدارة الأزمات مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء 8 آيار 2020
في 22 تموز من عام 2015 عقد الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة (5+1)، التي تضم كلًا من: (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا فضلًا عن المانيا)، وتم الاجتماع في فيينا بالنمسا وتحت إشراف الأمم المتحدة، بعد جولات من المفاوضات بين الطرفين استمرت من عام 2013، وقد اصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2231 الذي أقرّ بموجبه الاتفاق. وقد شمل هذا الاتفاق مراحل مهمة في تنفيذ خطة العمل الشاملة، وقد اقره أعضاء مجلس الامن الدولي بالإجماع ، لينهي سنوات طويلة من الصراع بين ايران من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى، هذا فضلًا عن إنه انهى مجموعة من القرارات التي تضمنت فرض عقوبات ضد ايران اصدرتها الامم المتحدة وبعض الدول منذ اكتشاف البرنامج النووي الايراني السري عام 2003، وقد اعتمد هذا القرار بالإجماع. ومن أهم بنود الاتفاق الملزم لإيران هو ايقاف تخصيب اليورانيوم بنسب عالية لعشر سنوات، واقتصار نسبته على 3.67%، مع تخفيض أجهزة الطرد المركزي إلى 5000 جهاز للمدة نفسها، ويكون ذلك في منشآت نطنز، وخفض محزون ايران من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى 300 كغم على مدى خمسة عشر عامًا، وعدم بناء أية منشآت نووية جديدة لـ (15) عامًا، وتكون الوكالة الدولية للطاقة الذرية مسؤولة عن مراقبة المواقع النووية الايرانية، وتسهيل وصول موظفيها إلى كل المواقع النووية بحرية تامة، كذلك امكانية الوصول لبعض المواقع العسكرية التي يشك فيها نشاط نوي بالاتفاق مع الحكومة الايرانية، مقابل أن يتم رفع كل العقوبات الدولية ذات الصلة بالبرنامج النووي عن ايران، و رفع العقوبات عن شراء الأسلحة التقليدية بعد خمس سنوات من الاتفاق النووي، والتي تنتهي في تشرين الاول 2020. وقد تم هذا الاتفاق برفع العقوبات عن ايران عام 2016، وإعادة تعامل ايران التجاري مع دول العالم، ولا سيما في مجال عقود النفط والغاز والأمور المالية والمصرفية، كذلك وصول بعض بنود الاتفاق إلى نهايتها وهي بند التسليح التقليدي، وهو ما حقق لإيران بعض النمو الاقتصادي وزيادة في انتاج النفط وتصديره، فضلًا عن توسيع علاقاتها التجارية. من جهة أخرى فإن الولايات المتحدة لم تستمر طويلًا ضمن مجموعة الاتفاق النووي، فقد اعلنت الانسحاب منه في 5 آيار عام 2018، وقد أعلن الرئيس الامريكي (دونالد ترامب) بعد تسلمه الإدارة الامريكية عام 2017 إن الاتفاق النووي لا يلبي طموح الولايات المتحدة، وقد وفر لإيران أموال طائلة مكنتها من دعم حلفائها في المنطقة، التي تعدهم امريكا تهديدًا لمصالحها ، هذا إلى جانب إن تحرير ايران من قيود التخصيب عام 2025 هو بمثابة اعطاء ضوء اخضر لها لإنتاج السلاح النووي، وان الاتفاق النووي لم يحد من نفوذ ايران في منطقة الشرق الاوسط التي تعدها الولايات المتحدة حيوية لها، و أخيرًا فالاتفاق لم يحد أيضًا من قدرة ايران على انتاج صواريخ بالستية وهو ما يعد تهديدًا حقيقيًا لحلفاء أمريكا في المنطقة. وبعد وصول حظر التسلح التقليدي على ايران الذي ينتهي في تشرين الثاني 2020،، قدمت الولايات المتحدة طلبًا إلى مجلس الأمن لتمديده، وعدم اختصار العقوبات على ايران بمدة محددة، وهي تحاول بذلك أن تستمر هذه العقوبات المفروضة على التسلح العسكري التقليدي لإيران من خلال الضغط على حلفائها ضمن الاتفاق النووي مثل: (بريطانيا، وفرنسا، والمانيا) لمساعدتها، إلا إنّ هناك عدة حقائق تقف عثرة أمام محاولات الولايات المتحدة في هذا الاتجاه، وتكون عوامل دعم لإيران في مساعدتها في رفع الحظر التسليحي عليها في الموعد المحدد، وهي : إن الاتفاق النووي صدر بقرار أممي من مجلس الأمن الدولي بالرقم 2231 في عام 2015، وهو وثيقة دولية ملزمة لا يحق للولايات المتحدة من طرف واحد الغائها أو تعديلها، وانما يتم ذلك من خلال التشاور والتباحث مع كل الاطراف الموقعة عليها، لهذا فإن محاولاتها سوف تصطدم بدول حليفة لإيران في مجلس الأمن. إن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي من طرف واحد ومن دون وجود أية مخالفة ايرانية، هي بهذا تكون قد عزلت نفسها عن الاتفاق، و إذا أرادت أن تعدل في الاتفاق النووي أو تستمر العقوبات فإن عليها العودة إلى ذلك الاتفاق الذي يفرض عليها ايقاف كل العقوبات الامريكية على ايران، ومثلما هو موجود في الاتفاق النووي، وهو ما وضعها في موقف ضعيف في فرض استمرار العقوبات، ودفعها إلى الضغط على حلفائها ضمن الاتفاق لمساعدتها، علمًا إن هذه الدول كانت ولا تزال مؤيدة للاتفاق النووي وداعمه له. إن استيراد ايران للأسلحة التقليدية لم يتوقف بالرغم من استمرار حظر التسليح الأممي عليها، فقد اشترت أسلحة متنوعة من روسيا والصين وكوريا، ومن دول أوروبا الشرقية، فضلًا عن إن ايران قد أصبحت من دول العالم المصنعة للأسلحة المختلفة، وأهمها الطائرات المسيرة والصواريخ بعيدة المدى، ومصدرة للأسلحة المختلفة، و لا سيما إلى بعض دول المنطقة هذا إلى جانب إن روسيا والصين وهي دول ضمن الاتفاق النووي تعارض إعادة فرض أية عقوبات دولية على ايران في الوقت الحالي، وهو جعل محاولات امريكا في استمرار العقبات التسليحية غير فعالة. إن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدّت على التزام ايران ببنود الاتفاق النووي، وعدم وجود أية خروقات ذات تأثير كبير له، و إن موظفي الوكالة يمكنهم الوصول لكل المواقع النووية بكل حرية، ولا يوجد أي برنامج سري نووي غير معروف، هذه التقارير كانت صمام أمان لإيران، وعوامل معرقلة للتحركات الامريكية ضدها. إن تهديد الولايات المتحدة على لسان وزير خارجتها (بومبيو) من إنها سوف تستعمل كل الوسائل لمنع ايران من استيراد الأسلحة غير ممكنة عمليًا، لأن تهديد استهدافها هو أمر بعيد عن الواقع في الوقت الحاضر، و لا سيما إن العالم يواجه جائحة فتاكة وهو مرض كورونا، الذي أصبحت آثاره الاقتصادية واضحة على عدد كبير من دول العالم الغربي، فضلًا عن إن اغلب دول المنطقة التي تضم قواعد أمريكية على أراضيها ترفض أي استهداف لإيران، لأنه يقود إلى رد مقابل قد يشمل هذه الدول والقواعد الامريكية فيها. وجود معوقات داخلية منها، تصويت الكونغرس الامريكي على قانون يمنع الرئيس من اعلان الحرب على ايران، وهو ما رفضه الرئيس، إلى جانب إن الانتخابات الامريكية على الابواب، و أية مغامرة للرئيس الامريكي سوف تنهي كل فرصة للحصول على ولاية ثانية، كما إن منافسه الديمقراطي (جو بايبدن)، أكد إنه في حالة فوزه في الانتخابات سوف تعود بلاده للاتفاق النووي. خلاصة القول، إن ايران وخلال السنوات الأخيرة أصبحت رقمًا مهمًا في المنطقة، ولها دور ونفوذ في أغلب دول المنطقة، كما إن أية دولة اقليمية أو غربية لا يمكنها تجاهل ايران في أي حل لمشاكل المنطقة، مثلما نلاحظه في سوريا واليمن، هذا فضلًا عن إن الاتفاق النووي وعلى حد قول وزير الخارجية الايراني (جواد ظريف) يُعد أكبر انتصار للدبلوماسية الايرانية، يضاف إليه إن انسحاب الولايات المتحدة منه جعل محاولتها في إعادة فرض عقوبات أممية على ايران في مجلس الأمن غير ممكنة، بسبب وجود الفيتو الروسي الصيني، و إن محاولات العودة للاتفاق هو الآخر مكلف لها لأن عليها إلغاء كل العقوبات على ايران، لهذا فإن طريقة الولايات المتحدة الوحيدة هو استمرار الضغط وتهديد دول العالم الأخرى بالعقوبات لمنعها من التعامل مع ايران، وهذه السياسة هي الأخرى تتوقف على قوة تأثير العقوبات الامريكية، كذلك رغبة الدول في الالتزام بها، وهي غير متوفرة دائمًا، فضلًا عن إن الاتفاق النووي خرج للعالم ضمن قرار أممي هو 2231، ولا يمكن الغاؤه إلا ضمن قرار أممي، وهو يتطلب من الولايات المتحدة تنازلات للدول دائمة العضوية قد تكون غير مستعدة لتقديمها أو مكلفة لها، كل هذه يجعل من ايران الرابح الكبير من الاتفاق النووي ولا سيما إن بنوده قد وصلت إلى نهايتها.