الكاتب :مختار نوري
المترجم: م. خالد حفظي التميمي
الناشر:مركز الابحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية في الشرق الاوسط تحليل : م. مؤيد جبار حسن https://www.cmess.ir/Page/View/2020-04-22/4546 لقد شكل فيروس كورونا باعتباره أشد أزمة في العالم ، تحديا خطير للعديد من الدول والأنظمة السياسية. حيث ان خطره على السلم والأمن العالميين هو السبب وراء دعوة الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في جميع الصراعات في العالم. ان هذه المسائل مثل الركود في الاقتصاد العالمي ، وتحدي التعاون الإقليمي والدولي ، والتحدي في الاتحاد الأوروبي ، وضعف العلاقات الدولية ، وانتشار البطالة في جميع أنحاء العالم ، وانهيار الأسواق المالية ، وتدهور مستويات المعيشة والرفاه في البلدان المتخلفة ، وتدهور الحياة اليومية الناس ، والعلاقات الاجتماعية المحدودة ، والأزمات النفسية ، وما إلى ذلك ليست سوى بعض التحديات التي تفرضها هذه الأزمة الخطيرة. هذا الفيروس على مستويات مختلفة يمكن ان يكون اختبارا لقياس سياسات الحكومية السابقة والإجراءات الإقليمية والسياسات الدولية. من ناحية أخرى ، يعتبر هذا الفيروس تحديا للنظريات الأكاديمية وافتراضاتهم الرئيسية في مجال العلوم الإنسانية ، وخاصة العلوم السياسية. والسؤال هو إلى أي مدى كانت النظريات الموجودة قادرة على شرح وتحليل أزمة كورونا؟ من بين جميع النظريات والتخصصات الأكاديمية المختلفة ، تسعى هذه المقالة إلى فحص آثار أزمة كورونا بإيجاز على النظريات الأمنية ، من النظريات الحالية و وفقًا للأدبيات الموجودة في هذا المجال ، اذ يعتبر المنظرون السائدون ، مثل الواقعية ، أن التهديدات العنيفة فقط مثل الحرب تشكل تهديدًا أمنيًا ، بينما في النظريات الجديدة والتفسيرات الأمنية الأوسع ، تعتبر الأمراض الفتاكة كسارس والإنفلونزا والجدري وكوفيد19.. ، بالاضافة الى الكوارث الطبيعية وتغير المناخ والمجاعة، تهديدا للأمن القومي. إن التفكير التقليدي حول الأمن هو في شكل نهج واقعي ، وخلال هيمنة هذا النهج على دراسة العلاقات الدولية ، كان تعريف وتطبيق الأمن محدودًا جدًا لدرجة أنه كان يُنظر إليه على أنه مرتبط أساسًا بالقوة العسكرية. أبرزت أزمات الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة والعسكرة الظاهرة للسياسة الدولية الدور المهيمن للخطاب الأمني الواقعي. يعتقد الواقعيون أن هناك تسلسل هرمي في السياسة العالمية ويصنف القضايا السياسية والأمنية والعسكرية على أنها “سياسات عليا” والشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيولوجية في إطار “سياسات ادنى”. يبدو أن مثل هذه التصنيفات فقدت أهميتها السابقة في فهم “عالم ازمة كورونا” ، حيث إن أزمة الوباء هي القضية الرئيسة في عالم اليوم. بعبارة أخرى ، وببساطة لا يمكن للمرء أن ينظر إلى ظاهرة الفيروس التاجي على أنها تهديد أمني خطير فانه يُنظر إليها من وجهة نظر الازمات، الاوسع من المنظور العسكري. ومع ذلك ، يشير عدد القتلى العالمي بسبب أزمة كورونا إلى أن الأزمة وفرت تحديات أمنية للحكومات خارج نطاق التهديدات العسكرية. وبالتالي ،يمكن القول إن أزمة كورونا يمكن استكشافها في سياق نظريات أمنية جديدة ، وخاصة “الأمن الواسع”. لقد استدعت هذه الأزمة الى رؤية جادة للعديد من النظريات الحالية والموجدة في مجال الدراسات الأمنية. في العالم المعاصر ، على الرغم من حقيقة أن الجهات الفاعلة مثل الحكومات في مجال الأمن القومي مجهزة بمجموعة واسعة من الأدوات لدراسة التهديدات والتحديات الأمنية المختلفة والتخطيط للإجراءات والاستراتيجيات المضادة الفعالة ، فكلما كان العالم يتحرك إلى الأمام تظهر ايضا أخطار وتحديات وتهديدات أمنية غير معروفة، مثل كورونا ، مما يخلق حقبة أكثر خطورة للحياة البشرية والبقاء. على الرغم من أن الحكومات اليوم لا تزال الجهات الفاعلة الرئيسية في مكافحة الفيروس التاجي باستخدام “سياسة المساعدة الذاتية” ، يبدو أن الحفاظ على عالمنا في المستقبل بعد الاستعمار يتطلب أكثر من أي شيء آخر. لقد تسبب انتشار الفيروس التاجي الخوف والذعر بين العديد من الناس حول العالم وتسبب ايضا في العديد من الضحايا. وقد أظهرت السرعة التي ينتقل بها الفيروس كما في الأزمات والإصابات البيولوجية مثل التهديدات النووية ,وان الحكومات القمعية والأعمال الإرهابية يمكن أن تشكل تحديات جدية و خطيرة للأمن العالمي. لقد أظهرت أزمة كورونا أن الهيكل الحالي للنظام الدولي يجب أن يولي اهتماما جادا للأزمات الأخرى بالإضافة إلى الصراعات الأيديولوجية والعسكرية الشديدة. يمكن القول أن الانتباه إلى التعاون الدولي المكثف للسيطرة والتعامل مع كورونا أمر ضروري للغاية ، وبالطبع فهو استراتيجي. بينما من الناحية الواقعية ، يكون الأمن بالمعنى العسكري هو في المنظورات النظرية الجديدة يتحدث عن أمن الأفراد والجماعات والمجتمع بدلاً من الدولة ,الأفراد والجماعات الذين يتعرض وجودهم وهويتهم لخطر الابادة من قبل الدولة أو أعدائها. وبالتالي ، تسعى المنظورات النظرية الجديدة إلى استبدال “الخطاب الاجتماعي” بـ “خطاب السلطة” حيث هذا الخطاب والذي يركز على السلام والتجانس والانسجام. أظهرت أزمة كورونا أنه ما لم يمس السياسيون والشعوب من مجتمعات مختلفة المعايير والنظريات الواقعية ويحلوا محلها بالإدراك ويستبدلوا مفهوم “المجتمع الدولي” ، لا يمكن للمرء أن يأمل في أن يتعاون الأفراد والبلدان حول العالم بعضهم مع البعض ، وتدخل السياسة العالمية حقبة جديدة من السلام والهدوء. استدل (باري بوزان ) ,أنه في عالم اليوم نحن بحاجة إلى النظر في الأمن القومي من حيث مفهوم الأمن العام الأوسع الذي يلعب فيه الأفراد والحكومات والنظام العالمي دورًا ، بالإضافة إلى اعطاء اهمية الى القضايا الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والبيئية بقدر ما يعطى اهمية الى قضايا العسكرية. كانت اقتراحات (بوزان) وزملائه لتوسيع قضية الأمن نقطة انطلاق جذري ، حيث كان يعتقد أن توسيع مفهوم الأمن أمر أساسي لفهم حقائق عالم اليوم. في هذا المنظور الأمني الواسع ، يُنظر إلى الأمن على أنه ظاهرة إنسانية وطبيعية ، ويعتبر أي تهديد مثل أزمة كورونا على حياة الإنسان ومصالحه وقيمه الإنسانية قضية أمنية. في هذه الأيام ، أظهر الفيروس التاجي أن بعض العوامل ، مثل صحة الإنسان ، هي أكثر من أزمة أمنية ومن أي شيء آخر. لقد جعل الفيروس أمن الأشخاص الآخرين أكثر أهمية من خلال إشراك البشر في المجتمع. لذلك ، يمكن أن تأخذ الأساليب النظرية الحديثة للأمن واستخدامها في الاعتبار العديد من الأجندات المهملة في التحليلات الأمنية التقليدية. وأخيرًا ، يبدو أنه باستخدام نطاق هذا النوع من المنظورات النظرية الواسعة والجديدة ، من الأفضل معالجة أزمة كورونا والأمل في الخروج من تحدياتها الأمنية والإنسانية. التحليل : يرى الكاتب في مقاله ان الوباء الجديد قد احاق بالعالم ضررا كبيرا لدرجة ان على الدول كافة اعادة النظر في جميع سياساتها ، وبالاخص منها الصحية والامنية . ان هذا المرض الذي ظهر في الصين ثم عبر حدودها لينتشر حول بقاع الارض جميعا ، ولم تسلم منه حتى الدول المتقدمة الكبرى ، بات يشكل تهديدا جديا للامن القومي العالمي ، بل انه بات يهدد الوجود البشري باكمله ، بعد ان عجزت ، الى الان ، جميع المؤسسات الصحية الرصينة والمختبرات والمراكز المتخصصة في ايجاد علاج له او حتى لقاح واق . فيروس كورونا ، رغم ضألة حجمه ، الا انه يهدد قوى عظمى ، لو انها واجهت جيوشا جرارة لابادتها عن بكرة ابيها ، لكن العدو هذه المرة صغيرا جدا ، لا يرى الا بالمجهر الالكتروني ، وينتقل سريعا بين البشر ، ولا زال رغم انه ظهر قبل اشهر ، محل تكهنات طبية لا ترقى اي منها الى التاكيد، مما يعكس هشاشة الوضع الصحي حول العالم ، رغم دعاوى التقدم والتطور الهائل. هنا ، وفي هذه الايام العصيبة، يقترح الكاتب ، ان تنبذ جميع الحكومات خلافاتها جانبا ، وتتعاون فيما بينها لدفع الخطر الذي يهدد الكل دون استثناء. فالامن اصبح جماعيا ، بما ان العالم اصبح قرية صغيرة ، فان مصير البشرية اصبح على المحك ، ان لم تتعاون بمواجهة هذه الجائحة. ان العلاج الذي وضعه الطب وليس لديه بديلا له الا الان ، يكمن في الوقاية . لكن حجر الناس في بيوتهم طال وسيطول ، مما يلقي بظلال داكنة على مستقبل الحياة نفسها ، بعد ان توقفت عجلتها الاقتصادية والصناعية والزراعية والاجتماعية ، وان الذي لم يقتله الوباء سيقتله الجوع والحرمان والعوز. لذا ظهرت دعوات الى فتح الحظر كليا لكي يصاب اكبر عدد من الناس بالوباء مما يوفر مناعة ذاتية لهم فيما بعد ، وهذا يدعونه (مناعة القطيع). وفي ذلك اعتراف ضمني بالعجز الطبي وقبول مبطن بسقوط ملايين الضحايا ، مقابل ان تضل ملايين اخرى على قيد الحياة. واخيرا يبدو ان النظريات الامنية العتيدة ان لها ان تلغى او تطور لكي تستوعب العبر التي اثارها اجتياح وباء كورونا العالم. فتلك النظريات يجب ان تعترف بضرورة الاهتمام بالجانب الصحي كاهتمامها او اكثر بالجانب العسكري او التسليحي ، فكل اسلحة العالم لن تعد ذا جدوى ان لم تستطع ان توفر الامن الحياتي للشعوب والحكومات في جميع انحاء العالم.