م. علي مراد النصراوي
باحث في قسم إدارة الأزمات مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
7 ايار 2020
لقد ارتكزت التنظيمات الارهابية في نشاطاتها على استعمال تكتيكات عديدة، في سبيل تحقيق أهدافها من خلال أقصر الطرق وأقل التضحيات وليكون تأثيرها الأكثر انتشارًا، فتلك التنظيمات كانت ولا تزال تعول كثيرًا على موضوع الخلايا النائمة، وهو أسلوب يقوم على زج مجموعة من عناصرها، أو تجنيد أناس لتنفيذ مهام معينة متى ما اقتضت الضرورة وسنحت الفرصة، على أن تبقى تلك المجاميع في حالة سبات تارة واستكشاف تارة أخرى ، فضلًا عن الاندماج مع البيئة الحاضنة والاقتصار على تنفيذ هجمات محددة من دون أن تكون هناك قوة كبيرة وذلك لشغل الأجهزة الأمنية أكبر قدر ممكن، بوصف نشاط هذه التنظيمات يقع في مناطق هي أصلًا تحت سيطرة الحكومة ، و يصل هذا التخفي إلى حد معين ومن ثم يظهر بصورة كبيرة بعد أن تجد هذه التنظيمات، أو الخلايا النائمة إن الأجواء ملائمة لهم لتنفيذ عمليات ارهابية ، وهذا ما شهدناه في تنظيم القاعدة الارهابي في وقت سابق، ومن ثم حصل هذا الأمر مع تنظيم داعش في العراق، وأخيرًا .. مع تنظيم داعش في سوريا والعراق . ولعل من أكثر ملامح بروز هذا المفهوم عمليًا كان في اعقاب سيطرة التنظيم على مدينة الموصل، إذ تم من خلال عناصر محددة، ليصبح بعد ذلك انتقاله إلى مدن كبيرة وبعيدة سريعًا ويشكل غير متوقع، مع انهيار المنظومة الأمنية ، وذلك بعد الايعاز للخلايا النائمة بضرورة الاستيقاظ والانتشار وهو ما حصل فعلًا . ويبدو إنّ تمكن العراق من فرض السيطرة على المدن التي احتلها التنظيم في وقت سابق، وتراجع أغلب حواضنه، وتفكيك خلاياه، وانهيار التنظيم، ومقتل زعيمه، قد ساعد في تراجع هذا التنظيم كثيراً، و جعل وجود عناصره في مناطق معينة ضمن شبكات مبعثرة متباعدة لا تتمكن حتى من تمويل نفسها ، إلا إن التنظيم ومنذ بداية العام الحالي قد اتخذ منحى تصاعديًا من خلال القيام بالعديد من العمليات في الطرق الدولية والصحاري، و الأماكن النائية وحوض حمرين قبل أن يتمكن بعدها من تأليف مجاميع صغيرة تمكنت من شن هجمات عدة في أطراف المدن الكبرى مثلما حصل في الموصل، و كركوك، و صلاح الدين، وديالى وأطراف بغداد . و أمّا عن الهجوم الأخير الذي تم في يوم 2/ 5 / 2020 فبعد أن تمكن التنظيم من زج عناصر يمكن القول عنها إن لها نفوذًا في المناطق التي حصل فيها الهجوم، استطاع الوصول إلى داخل المدن، ومشاغلة القوات الأمنية والحشد الشعبي ، لينفذ هجمته التي راح ضحيتها أكثر من عشرة شهداء فضلًا عن مقتل المجموعة المنفذة ، لتشرع بعدها القوات الأمنية بمختلف صنوفها للسيطرة على مدينة مكيشيفة مسرح الهجوم، وبحسب الخبراء الامنيون فإن التنظيم يهدف من وراء هكذا عمليات عودته إلى واجهة الاعلام العالمية، وازدياد منافذ الحصول على التمويل اللازم، وارسال رسالة اطمئنان لمقاتليه بأنه لايزال نشط ، هذا إلى جانب إن شهر رمضان يمثل الوقت الأفضل للتنظيم لشن هجماته أو ما يعرف بالغزوات الرمضانية بحسب عقيدة هؤلاء ، فعودة شبكات التنظيم تأتي بالتزامن مع تقارير أمريكية نشرتها مواقع عدة بوجود أكثر من عشرين ألف مقاتل على طول الشريط الحدودي مع سوريا والمناطق المتاخمة لها والصحارى والمخابئ، ويعمل على التنقل عبر شبكة انفاق، و مما يذكر إن طول الشريط الحدودي يقدر بـ 618 كم ، وبالتالي هي ضمن مناطق الرخوة الأمنية، فضلًا عن وجود حواضن في بعض الأماكن المتاخمة للمدن الكبيرة. و يستغل التنظيم عمليات التهريب والإتاوات والتبرعات لتمويل أنشطته، وهناك أخبار تؤكد على إن التنظيم أخذ يستثمر بعض الأموال في مشاريع ربحية كبحيرات الأسماك وزراعة الأراضي ، وهنا يأتي دور الأجهزة الاستخبارية في تعقب تلك الشبكات والعمل على تفكيكها ومراقبة الحدود وردم الأنفاق ومتابعة المواقع الاعلامية للتنظيم للحد من تجنيد عناصر للعمل في مناطق يتوقع أن ينشط التنظيم فيها . من هنا فإن أمام السيد الكاظمي بعد استلامه لرئاسة الوزراء وهو رجل مخابراتي مهمة التوجه نحو سد الثغرات الأمنية، ومعالجة الاخفاقات السابقة، وتكثيف جهود إعادة النازحين في بعض المخيمات، ومراقبة الحدود، والتنسيق مع التحالف الدولي في سبيل التغطية الجوية ، وهذا الملف قد يكون من ضمن أولى اهتمامات السيد الكاظمي ولاسيما بعد الهجمات الأخيرة ، وربما نشهد إعادة تنظيم القطاعات خلال الأيام القابلة ، وتحديدًا بعد شروع الأجهزة الأمنية بعمليات مطاردة عناصر هذا التنظيم في صحراء الانبار باتجاه النخيب في حدود كربلاء ، مع التذكير على الحاجة إلى تفعيل هذه العمليات في مدن أخرى، وتكثيف الجهد الاستخباري لمنع عودة ظهور التنظيم .