الكاتب: لويزا لوفلاك
الناشر: واشنطن بوست
ترجمة:هبه عباس محمد علي ، ٧/٥/٢٠٢٠
تحليل : م. مؤيد جبار حسن
انهى تكليف رئيس الوزراء العراقي الجديد( مصطفى الكاظمي رئيس جهاز المخابرات السابق) هذا الأسبوع اشهراً من الأخفاق السياسي، ومن اجل تخفيف حدة الازمات المتسارعة التي يمر بها البلد . يتحتم على الكاظمي الآن كسب الدعم السياسي من اجل اجراء الإصلاحات الحاسمة الرامية الى مواجهة المصالح ذات الجذور الراسخة،وجاء تكليفه بعد تنحي مرشحين سابقين في الأشهر الأخيرة.
ويذكر ان العراق بقي من دون رئيس وزراء منذ شهر تشرين الثاني ٢٠١٩ بعد استقالة عادل عبد المهدي تلبية لمطالب المتظاهرين آنذاك، كما ابرزت الملحمة السياسية التي استغرقها استبدال عبد المهدي عمق الانقسامات السياسية والمصالح الضيقة التي تشكل النظام السياسي العراقي .
خاطب الكاظمي البالغ من العمر ٥٣ عاما البرلمان العراقي بعد ليلة طويلة من المباحثات بين الكتل السياسية المتنافسة بالقول” ان حكومته ستقدم الحلول، ولن تزيد من الأزمات”
سيحتاج الكاظمي في منصبه هذا الى موازنة ضغوط ايران المجاورة وحلفائه في الولايات المتحدة ، فضلا على مناقشة مطالب البرلمان بانسحاب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من العراق ، والتقليل من حدة التوترات المتكررة بين ايران والولايات المتحدة التي تمثلت بالاعمال العدائية على الأراضي العراقية ، الامر الذي يهدد بتعرض البلاد لحرب مفتوحة واعاقة جهود محاربة ماتبقى من فلول داعش .
يتمتع الكاظمي بسمعة براغماتية وتربطه صلات وثيقة بالرئيس العراقي برهم صالح ، ويبدو ان ترشيحه يعد بمثابة كسب دعم و قبول كل من الولايات المتحدة و ايران الجهات الفاعلة القوية في البلد الذي اصبح ساحة لحربهم بالوكالة .
وعلى الرغم من القبول غير المعتاد الذي حظي به الكاظمي من قبل الكثير لكنه لقي معارضة من قبل “كتائب حزب الله” الجماعة المسلحة المدعومة من ايران، اذ اتهمته بالتورط في الضربة الامريكية التي استهدفت أبو مهدي المهندس قائد الجماعات المسلحة في العراق و الجنرال قاسم سليماني في شهر كانون الأول . وقالت الجماعة على الرغم من تعرض حلفائها السياسيين في البرلمان الى الضغوط من اجل اختيار مرشح توافقي لكن هذا لا يعني التوقف عن ملاحقة المتورطين في قتل (سليماني والمهندس) مهما كان مركزهم.
ومن جانبها رحبت واشنطن بتعيين الكاظمي اذ اتصل مايك بومبيو برئيس الوزراء الجديد فور تنصيبه ، وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية مورجان اورتاجوس ” بأنهم ناقشوا كيفية القيام بالعمل الجاد العاجل الذي ينتظر الحكومة واجراء الإصلاحات ومعالجة فيروس كورونا فضلا على محاربة الفساد .
التحدي الذي يواجه الكاظمي يعد بمثابة منزلق، اذ يوحي انخفاض أسعار النفط بحدوث كارثة اقتصادية محتملة ، الامر الذي سيؤدي الى عرقلة إقرار موازنة ٢٠٢٠ من دون احداث تعديلات عليها، كما ان هناك غضب شعبي بشأن الفساد المستشري وسوء الإدارة و الطائفية.
على الرغم من انخفاض معدل الإصابات بفيروس كورونا بشكل كبير، لكن يقول الخبراء في مجال الصحة ان هناك خطر لحدوث موجة ثانية من الإصابات اذا تم رفع حظر التجوال بشكل مفاجئ.
بعد الغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣, تم تقاسم السّلطة في البلاد بين الجماعات العرقيّة والطّائفيّة المختلفة, الامر الذي انتج نظاما متعثرا حيث تم توزيع المحسوبية على مؤيّديه من السياسيين والمسؤولين الذين تربطهم علاقات بالفصائل المختلفة. وكان تفكيك هذا النظام مطلبا رئيساً لاحتجاجات تشرين الأول. وفي الواقع اظهرت المساومات التي سبقت تنصيب الكاظمي التأثير الفعلي لهذه الاحتجاجات.
وقال مسؤولون ومحللون سياسيون أن مجموعة الأزمات المتصاعدة أسهمت في نجاح اختيار الكاظمي فيما فشل المرشحان قبله ( علي علاوي و عدنان الزرفي ) .
عادل عبد المهدي، سلف الكاظمي، تولى المنصب باعتباره مرشح توافقي و بدت السنوات الأولى من تكليفه بمرحلة من الانتعاش الوطني بعد سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والصراع الطائفي الذي اعقبه فضلا على ظهور “داعش” . ففي ظل حكمه تم افتتاح المنطقة الخضراء وتمت إزالة الحواجز الكونكريتية التي تحيط بها وتعهد بمحاربة الفساد وأعادة اعمار المدن المحررة.
استقال عبد المهدي في منصبه بعد مرور عام و نصف من ولايته بسبب عدم تمكنه من التخلص من قيود النظام السياسي الموروثة و وعدم قدرته على معالجة الغضب الشعبي المتمثل بالاحتجاجات الجماهيرية الواسعة.
ولكي يحقق الكاظمي النجاح في منصبه الجديد عليه ان يقضي على اصحاب المصالح المكتسبة والمتجذرة التي تسببت في عرقلة التغيير منذ فترة طويلة ، وكسب القبول لاحداث التغييرات الحكومية ، وسيكون من أولوياته هي حماية الاقتصاد ومنع انتشار وباء كورونا الذي أدى الى تقليل الطلب على النفط الذي تعتمد عليه ميزانية البلد، ومن جانبها تناقش الحكومة الآن تقليل رواتب الموظفين البالغة ٥٠ مليار دولار سنويا.
قد يكون الكاظمي قادراً على اتخاذ تدابير تقشف مؤقتة، لكن سيكون من الصعب عليه تحقيق إصلاحات اقتصادية مستدامة تحتاجها البلاد بشكل فعلي.
ويُذكر ان الكاظمي اجرى ثلاثة تعديلات على قائمة وزراءه من اجل كسب استرضاء الفصائل السياسية المختلفة، لكن حتى لحظة اعلان بدء جلسة البرلمان يوم الخميس كانت الصفقات الخاصة بتشكيل الحكومة قائمة، ووفقا للدستور العراقي يجب ان يحظى اكثر من نصف الوزراء المقترحين بالموافقة من اجل تشكيل الحكومة الجديدة ، وبالنسبة لحكومة الكاظمي اجتاز ١٥ من وزراءه التصويت البرلماني بينما لم يتم التصويت على خمسة منهم بينما بقيت وزارتا النفط و الخارجية شاغرتين بانتظار اجراء المزيد من المفاوضات .
التحليل : الذي يتابع تشكل النظام السياسي العراقي ما بعد صدام حسين، مع وجود آلة الحرب الامريكية والبريطانية في الميدان، اهم ما يلاحظه عليه هو التلقائية او اللاتخطيط المسبق وفي احسن الاحوال محاولة معالجة مشكلة دائمة بحلول انية مؤقتة، وهكذا استمر كنظام متعثر الخطى ، كلما مر عليه الزمن انكشفت عيوبه ونواقصه اكثر واكثر ، التي اقل ما يقال عنها قنابل موقوتة كما المزروعة في طياته دستوره غير المتقيد به.
وبعد موجات من الاحتجاجات الشعبية على الاوضاع المتردية على جميع الصعد ، توجت اخرها بحراك تشرين الجماهيري في بغداد والمحافظات ، كشرارة رفض للنظام السياسي الحالي ببرلمانه وكابينته الوزارية وحتى باغلى ما يتفاخر به ، الديمقراطية العراقية.استقالت الحكومة وحال استقالتها ظهرت بوضوح مفارقة تشكيل أي حكومة جديدة وهي أنها يجب ان تنال رضا ومباركة الخارج قبل الداخل ، هذا بالاضافة الى التبعية والمرجعية السياسية لبعض الكتل والاحزاب التي تسمع لهذا القطب الدولي او ذاك ولو على حساب مصالح الوطن والمواطن.
ان اختيار الكاظمي قد يكون طوق النجاة للنظام السياسي في العراق ، باعتبار ان الامور وصلت الى نهايتها المحتومة ، خاصة مع دخول عاملين خطرين على الساحة العراقية الملتهبة ، الا وهما وباء كورونا كتهديد صحي يكشف تقصير الحكومات المتعاقبة في النهوض بالجانب الصحي لمواجهته، كذلك انخفاض اسعار النفط ، الذي اصاب الاقتصاد العراقي المعتمد عليه في مقتل ، لدرجة ان رواتب الموظفين الحكومين أصبحت في خطر، وهي التي تعد العامل الرئيس في دوران عجلة الاقتصاد العراقي حاليا.
ان امام الكاظمي مهمة صعبة ، ولا يتوقع منه كاتب المقال ان يفعل الاعاجيب ، ولهذا ان استطاع ان يسير بالبلاد في خضم ازمتي الوباء والنفط ، باقل الخسائر ، سيكون قد حقق منجزا كبيرا يحسب له.