الكاتب: جليل بيات
المترجم: م. خالد حفظي التميمي
الناشر : مركز الابحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية في الشرق الاوسط
تحليل : م حمد جاسم محمد
https://www.cmess.ir/Page/View/2020-04-23/4547
شملت التغييرات في سياسة الإمارات في الأشهر الأخيرة سيناريوهين متشائمين الاول “سياسة الخداع” و الا خر “تقييم رد فعل إيران” وسيناريوهين متفائلين الاول بعنوان “إعادة بناء العلاقات مع إيران” والثاني “محاولة من اجل اللعب المستقل”.
ففي السنوات السابقة، كانت الإمارات إلى جانب السعودية والبحرين في الخطوط الأمامية ضد إيران ، وانضمت إلى دونالد ترامب لعزل وهزيمة سياسات إيران الإقليمية. لكن في السنة الاخيرة ومع ازدياد التوترات في منطقة الخليج العربي وبعد الهجمات على الناقلات النفطية واستشهاد سليماني ، ابدت الامارات على الاقل في الظاهر القليل من الاهتمام في التصدي وخففت من التوترات مع ايران.
على سبيل المثال وعلى عكس الولايات المتحدة و السعودية والعديد من البلدان الأخرى ، رفضت الإمارات ان توجه اتهام الى إيران بخصوص مهاجمة ناقلات النفط قبالة ساحل الفجيرة في الخليج العربي وبعد استشهاد سليماني حاولت التقليل من التوترات في المنطقة. الآن وبعد تفشي فيروس كوفيد 19 في إيران ، أصبحت الإمارات واحدة من الدول القليلة في المنطقة التي ارسلت المساعدات الطبية لإيران.
فقد دفع ذلك بعض وسائل الإعلام والمحللين إلى التكهن بأن الإمارات تعتزم استخدام أزمة كورونا لتحسين العلاقات مع إيران. على الرغم من أن أي تحليل في هذا السياق يتطلب معلومات كافية وذات مصداقية ،الا ان الأدلة المتاحة تشير إلى سيناريوهين متفائلين وسيناريوهين متشائمين بشأن الإجراءات الأخيرة لدولة الإمارات .
السيناريو الأكثر تكرارًا في وسائل الإعلام هو جهود الإمارات لتحسين العلاقات مع إيران. ويذكر وفقًا هذا السيناريو ، وبعد أحداث العام الماضي ، وما حصل من هجوم على مصفاة أرامكو النفطية في السعودية وصمت الولايات المتحدة وتصاعد التوترات بين إيران والولايات المتحدة بعد استشهاد سليماني ، خلصت الإمارات إلى أنه لا فائدة من زيادة التوترات في المنطقة وان قامت بمواجهة بمباشرة مع ايرا ن فأنها على يقين بانها لا تتلقى اي دعم ومساندة من قبل امريكا.
وتبعا لذلك ، تحاول الإمارات وببطء شديد تحسين العلاقات مع إيران وبالمقابل لا تجعل السعودية تغضب منها. هناك أدلة ليست قليلة تشير الى هذا السيناريو. ومن بينها الحالتين المذكورتين سابقاً. (لا اتهامات ضد إيران بمهاجمة الناقلات و النية الى إرسال وفد أمني سياسي – امني إلى طهران).
من ناحية أخرى ، وفي شهر أكتوبر 2019 ، أفرجت الإمارات عن 700 مليون دولار من موارد إيران المحظورة ، والتي كانت خطوة مهمة للغاية في ذلك الوقت. كذلك اظهرت الامارات سياسات جديدة بشأن اليمن بما في ذلك ضمان الوصول إلى المحيط الهندي من خلال قواتها بالوكالة والتي كانت تتضرر الى حد كبير على حساب سياسة السعودية في اليمن ، أو تصريحات وزير خارجية الإمارات في نوفمبر 2019 ، والتي جعلت الحوثيين جزءًا من المجتمع اليمني ويمكن ان يكون لهذا البلد دورا في المستقبل وهناك أدلة أخرى تؤيد وتدعم هذا السيناريو.
اما وفقًا للسيناريو المتشائم ، تحاول الإمارات الخروج من ظل السعودية من خلال لعب دور مستقل في السياسة الخارجية. بصفتها ممثلاً يافعا في مجال السياسة الدولية ، والتي كانت الامارات تتبع دائما سياسة السعودية ، وشكلت مشاركة البلدين جوهر مجلس التعاون الخليجي. لكن الإمارات تحاول الآن تحديد وتنفيذ سياساتها بما يتفق مع مصالحها الوطنية والتخلي عن تعاونها القاطع مع السعودية.
هناك أيضًا من الأدلة و ليس قليلا لبيان هذا السيناريو. وتشمل منها إعادة فتح سفارة الإمارات العربية في سوريا عام2018 والمحادثة الهاتفية لولي العهد الإماراتي مع بشار الأسد حيث أعرب عن دعمه للشعب السوري في احداث كورونا. قالت أبو ظبي إن وجود بشار الأسد يشكل حاجزًا قويًا ضد تركيا وإرهابيي داعش ، الذين تعتبرهم أبو ظبي عدوًا. وتسعى الإمارات أيضاً إلى إقامة دولة مستقلة في جنوب اليمن وتسهيل نفوذها عبر البحر الأحمر وتعزيز التجارة البحرية العالمية. فان هزيمة الحوثيين ليست من أولوية أبو ظبي ، ولكن المفاوضات معهم وإيران تلعب دورًا مهمًا في طموحات الإمارات. لذا فإن سياسة الإمارات في الحرب اليمنية والشائعات حول محادثاتهم خلف الكواليس مع الحوثيين تتماشى مع ذلك.
ولكن على الرغم من جميع الأدلة تشير الى السيناريوهات المتفائلة ، وفي غياب الحقائق المثيرة للتفكير في السيناريوهات المتشائمة ، لا توجد طريقة للتفاؤل وتجاهل إمكانية أهداف الإمارات الأخرى بشأن إيران. يمكن أن يكون أحد هذه الافتراضات المتشائمة هو أن الإمارات (ربما بتحريض من عامل ثالث ، مثل السعودية أو الولايات المتحدة) تعتزم تقييم رد إيران من وقت لأخر باتباع سياسات تعاونية. هل إيران في موقف ضعف لدرجة أنها ترحب بدولة الإمارات في بلا تردد؟ هل هي على استعداد لتسجيل نقاط لخلق فجوة تنفسية جديدة؟ أم أنها لا تزال مصرة على مواقفها السابقة؟ من المؤكد أن أي رد فعل مختلف من إيران سيكون مهمًا في تقييم أجهزة المخابرات والأمن في الدول الأخرى لتحديد كيفية التعامل مع إيران في المستقبل. ولعل أهم عامل يجب ان يوضح في هذا السيناريو هو عدم وجود تغيير جاد في العلاقة بين إيران والإمارات ، على الرغم من تغيرات سياسة لهذا البلد في الأشهر الماضية.
وفقًا لسيناريو المخادع ، قد تكون إجراءات الإمارات مجرد خدعة لإيران والبقاء في الأمان من أزمة مستقبلية محتملة. تدرس الإمارات احتمال أن يؤدي فوز ترامب في الانتخابات المقبلة إلى زيادة التوترات في المنطقة بين إيران والولايات المتحدة. لذلك تحاول حماية نفسها من الأضرار المستقبلية المحتملة مع إيران من خلال تكوين صداقات مع إيران. تدرك الإمارات أنه إذا وصلت التوترات بين إيران والولايات المتحدة إلى هذا البلد ، فسوف تعاني الضرر و بشدة من الناحية الاقتصادية.
لذلك ، من الأفضل عدم جعل إيران غير راضية من اجراءات قد تكون حساسة للغاية وايضا محاولة البقاء على الجبهة الأمريكية. في هذا السيناريو , من غير المرجح أن تتعاون الإمارات سراً في ان تقوم بإجراءات امنية-استخباراتية ضد إيران ، لكنها في المقابل ستتبع سياسة اخرى.
ومع ذلك ، يجب ألا تفوت إيران أي فرصة لنزع فتيل التوترات في المنطقة. ومن الممكن الى ضرورة الانتباه نحو السيناريوهات المتشائمة من قيام الإمارات إلى اتخاذ واحد أو اثنين من الإجراءات العملية (ولكن ليست كبيرة جدًا) لفهم وتشخيص النوايا الحسنة لهذا البلد بشكل أفضل ، في الوقت نفسه ، فان انسحاب الإمارات من الجبهة السعودية يعد بمثابة نصراً ، بل ويمكن أن يمهد الطريق لإعادة بناء العلاقات بين إيران السعودية.
التحليل : تتميز العلاقات الايرانية الخليجية بشكل عام والإماراتية بشكل خاص بالتذبذب بين التوتر احيانا والهدوء احيانا اخرى، باستثناء علاقات ايران مع سلطنة عمان التي تعد تاريخية واستراتيجية ، اضافة الى ذلك تخضع علاقات ايران مع دول الخليج العربية ايضا الي عدة اعتبارات منها ما هو داخلي يخص ايران وهذه الدول، مثل التنافس الاقليمي والنزاعات الحدودي والصراع الديني والمذهبي، فضلا عن العامل الخارجي الذي يتركز اساسا في العامل الامريكي الذي يعد احد الاسباب الاساسية لتوتر العلاقات مع ايران، وهو معروف الاهداف والدوافع، فالولايات المتحدة تبحث دائما عن تواجد دائم في المنطقة الغنية والمهمة للمصالح الامريكية، وهي تعد ايران نموذج سياسي ناجح والخوف من تأثيره على شعوب المنطقة، اضافة الى ان ايران لم تكتف بداخل اقليمها بل طورت نزعة توسيع نفوذها في دول اقليم الشرق الاوسط، وهو ما يعد خطرا على المصالح الغربية عامة والامريكية خاصة، لهذا فان الخلافات الإيرانية الامريكية والتوتر بينهم انعكس على علاقات ايران مع دول الخليج العربية ودفعها الى الوقوف مع الجانب الامريكي ضد ايران.
اذا عدنا الى مقال الكاتب فقد اكد على وجود سيناريو او مشهد التشاؤم ومشهد التفاؤل في العلاقات بين الدولتين، في ظل عدد من البواعث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ان تحليل علاقات ايران بدولة الامارات العربية المتحدة تنطلق اولا من دراسة سياسة الامارات الخارجية ودورها في المنطقة، اذ تعد الامارات من الدول ذات السياسات الخارجية المتلونة بشكل يفاجئ الصديق قبل العدو، فقد دخلت في شراكة مع السعودية والبحرين وامريكا ضد ايران، كذلك دخلت في عاصفة الحزم منذ عام 2015، الا انها لم تستمر طويلا، فقد تراجعت وبدات بدعم الحراك الجنوبي الذي اصبح خطرا على السعودية وحلفاءها من الشرعية، اضافة الى انسحابها من المواجهة مع الحوثيين وهو ما وفر فرصة لايران، اضافة الى دورها في مصر وليبيا وسوريا، فبعد سنوات مع دعم المجموعات المسلحة في سوريا ، اصبحت من اوائل دول الخليج التي تحسن علاقاتها مع دمشق.
هنا نقول ان تلون الموقف الاماراتي جعل من الصعب معرفة سياستها الخارجية مع او ضد طرف على اخر وهو ما اشارت اليه المقالة، حيث يبدو المشهد المتفائل في العلاقات بين ايران والامارات العربية، بعد طرح عدد من المتغيرات، فعلاقات الامارات العربية مع ايران تعود الى سنوات الاستقلال عام 1971، لم تشهد توترا كما في علاقة ايران مع السعودية او البحرين، فرغم الخلافات على عائدية الجزر الثلاث (طنب الكبرى والصغرى وابو موسى)، والتي هي حاليا تحت السيادة الايرانية, فقد استمرت العلاقات بينهم، وتم توقيع اتفاقيات مثل الاتفاقيات الحدودية، ان اشارات الكاتب حول علاقات الدولتين فهي حقيقة هي علاقات جيدة سياسيا واقتصاديا وحتى اجتماعيا، اذ لازالت الدولتان تحتفظ بعلاقات دبلوماسية رغم كل ازمات المنطقة، كذلك ان رغم الخلافات على الجزر الثلاث الا ان الامارات لم ترفع القضية الى الامم المتحدة الى الان، كذلك عقدت العديد من الاتفاقيات الامنية بين الدولتين من خلال زيارة وفد عسكري اماراتي لإيران وهو قائد خفر السواحل الاماراتية ولقاءه قائد قوات حرس الحدود الإيراني في تموز 2019، اضافة الى ان كل امارة لها علاقات منفردة مع ايران، اذ تعد دبي مركز اساس للتجار الايرانيين، وهي سوق كبيرة لإيران تصديرا واستيراد، وهي معبر مهم للسلع التي تحتاجها ايران.
في الجانب الاقتصادي، اكد الكاتب على تحسن العلاقات الاقتصادية بين الدولتين واستمرارها، خاصة وان الامارات اولى الدول التي التزمت بقرار الامم المتحدة برفع العقوبات عن ايران عام 2016، وافرجت عن 700 مليون دولار من اموال ايران المجمدة، واضافة الى ذلك ان الإمارات حافظت على علاقات اقتصادية مع إيران خلال كل ازمات المنطقة، ، إذ تعد إيران ثاني أكبر سوق للصادرات الإماراتية عام 2016، حيث بلغت قيمتها 8.8 مليارات دولار. وفي عام 2017 وصل حجم التبادل التجاري إلى 11 ملياراً و114 مليون دولار، شكّلت الصادرات الإيرانية 4.458 مليارات دولار، في حين بلغت الصادرات الإماراتية لإيران 6.656 مليارات دولار. اضافة الى وجود مئات الشركات الايرانية في الامارات والتي تعد ذراع مهمة لايران في الخليج العربي. اجتماعيا تمتلك ايران جالية ايرانية مقيمة في الامارات تقدر بنصف مليون مقيم، فضلا عن استمرار السفر من ايران الى الأمارات وبالعكس ومن خلال السفن الصغيرة والكبيرة للتجارة.
نضيف الى ذلك ان موقف الامارات الدائم هو التحول المفاجئ في سياستها الخارجية من اجل ان تستقل بسياساتها الخارجية وان لا تكون تابعة لاحد، واستغلال الفرص المتاحة، حتى لو وصل الامر التخلي عن بعض اصدقائها الخليجيين، بل تناسي خلافاتها مع ايران وخاصة الحدودية، وهي دائما تؤكد على الحل السلمي للتوتر ببن ايران وامريكا حفاضا على استقرار المنطقة، ان استمرار علاقات الامارات مع ايران هو تفضيلها التعامل مع النظام السياسي الحالي في ايران، وعده افضل من نظام الشاه الذي كان يعد شرطي الخليج مطلق الحرية في الخليج العربي، كما ان الامارات تعتقد ان نظام سياسي ايران ضعيف ومهدد افضل لها من نظام سياسي قادم لا تنعرف توجهاته او نظرته لدول الخليج منها الأمارات العربية، خاصة اذا جاء هذا النظام متوافق مع الاهداف الأمريكية في المنطقة.
يضاف اليه ان الامارات تهدف من وراء تحسين علاقاتها مع ايران هو جس نبض النظام السياسي الايراني ومدى اندفاعه صوب الامارات من عدمه، وهو ما يكشف قوة او ضعف النظام السياسي، ومن ثم اتخاذ سياسات مستقبلية تصب في صالح صانع القرار الاماراتي، نعتقد ان الامارات في الاتجاه تتحرك في ضوء توجهات امريكية تحاول ان تستغل اصدقاء ايران لكشف واقع ايران الداخلي عن قرب ومن ثم التحرك ضدها، اذ ان الامارات العربية ليست هي في موقع الند لايران سياسيا اوعسكريا وحتى اقتصاديا، حتى يمكن ان تقوم بجس نبض ايران، كذلك علينا ان نعرف ان سياسة ايران الخارجية واهدافها ونفوذها في المنطقة من الامور الثابتة والتي لم تساوم عليها ايران رغم كل الظروف التي مرت بها، فهي تعتبر نفسها دولة ذات سياسة دولية وتبحث عن مد نفوذها في المنطقة، خاصة وان هناك عدد من الملفات التي لم يتم حلها الى الان الا من خلال ايران.
ان هذا المقال يبين ان العلاقات الايرانية الاماراتية هي مستقرة او انها تحاول تحقيق الاستقرار في المنطقة، والامارات رغم علاقاتها مع الغرب والولايات المتحدة خاصة الا انها تدرك جيدا ان اي صراع في المنطقة او فتح جبهة ضد ايران لن يكون في صالح شعوب المنطقة واستقرارها وتطورها، وان اي نظام سياسي قادم في ايران لن يكون افضل او في صالح دول الخليج العربية، بل هو في صالح الولايات المتحدة وسياساتها، لهذا هي تتحرك في علاقاتها مع ايران في ضوء حقائق المنطقة وليس رغبات خارجية.