د. فراس حسين علي الصفار
رئيس قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
27 ايار 2020
يعاني العراق من ازمة مالية شديدة نتيجة انخفاض اسعار النفط لمستويات دون الثلاثين وتعطيل الاقتصاد المحلي نتيجة الاجراءات الحكومية المستمرة منذ ثلاث اشهر للحد من انتشار فايروس كورونا فضلاً عن عدم اقرار قانون الموازنة العام لسنة 2020 نتيجة الوضع السياسي المعقد بعد موجة مظاهرات تشرين الاول واستقالة حكومة عادل عبد المهدي، وبالرغم من تشكيل حكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي الا ان الموازنة العامة 2020 لم تناقش لغاية الان، ليتم ارسالها لمجلس النواب للتصويت عليها . ولعل من اهم اسباب عدم اقرارها هو العجز المالي الكبير نتيجة اعتماد سعر النفط عند مستوى 56 دولار للبرميل الواحد ومعدل تصدير للنفط يقارب 3800000 برميل لليوم في مسودة الموازنة التي اعدتها حكومة عبد المهدي.
وفي ظل اتفاق اوبك (PLUS) لمعالجة وضع السوق النفطية بتخفيض العرض الكلي من النفط ، يجب على العراق منذ مطلع ايار الحالي تخفيض كمية التصدير تقريبا بمقدار مليون برميل يومياً مما يعني صعوبة اقرار الموازنة العامة في ظل حجم الانفاق العام.
اذ عمقت تغيرات سوق النفط الإحساس بالخطر بما اسفرت عنه من ازمة مزدوجة، في المالية العامة وميزان المدفوعات في العراق؛ وخاصة مع احتمال بقاء سعر النفط دون 40 دولار للبرميل في الاشهر القريبة القادمة، إلى جانب صعوبة تكيف الاستيرادات ومصادر الطلب الأخرى من العملة الأجنبية دون عجوزات كبيرة يتعذر تمويلها. ومن جهة اخرى تستبعد امكانية انجاز تنويع في القاعدة الإنتاجية يعوض عن نقص المورد النفطية .
وفي اقتصاد ريعي كاقتصاد العراق تهيمن موارد النفط فيه على قرابة 60 % من الناتج المحلي الاجمالي وترتفع هذه المساهمة الى قرابة 92 % من موارد الموازنة العامة و 99% من احتياطات البنك المركزي العراقي واحتياطات الحكومة بالعملة الاجنبية، يجب ان نتعرف على العلاقة بين العملة الاجنبية والرواتب، وهل توجد علاقة مباشرة بين الاثنين ام انها بشكل غير مباشر؟ ولتوضيح ذلك سيتم عرض اليات العمل المتعلقة بإدارة البنك المركزي للعملة الاجنبية والمتحكم الوحيد فيها بسبب القوانين التي تمنع التعامل والحيازة فيها للوزارات والهيئات العامة سوى البنك المركزي بعده بنك الحكومة ومستشارها المالي.
ان طبيعة ايرادات وتمويل الانفاق الحكومي ، وتمويل التجارة الخارجية وسد العجز في ميزان المدفوعات ، تفرض واقعاً معينا ومحدداً لعمليات بيع وشراء العملة الاجنبية ، إذ ان معظم واردات وزارة المالية هي بالعملة الاجنبية (الدولار) ، ومعظم نفقاتها بالدينار فتقوم وزارة المالية ببيع الدولار للبنك المركزي ، الذي يتولى بدوره بيعه للقطاع الخاص للحصول على الدينار، حيث يغطي القطاع الخاص استيراداته بالدولار المشترى ، اضافة الى تغطية الطلبات الاخرى بمختلف انواعها ، وهكذا فان ما يقوم به البنك المركزي تفرضه احتكارية مصدر الدولار بشكل اساسي، وعندما يكون الطلب على الدولار اقل مما يحصل عليه البنك المركزي يذهب الفائض من الدولار الى احتياطي العملة الاجنبية، وعندما يكون الطلب على الدولار اعلى من المورد الدولاري يستخدم البنك المركزي احتياطي العملة لتغطية العجز، لذلك فالاحتياطي يرتفع وينخفض تبعاَ لتلك العلاقة، وضمن هذه العملية يتحقق الحفاظ على سعر الصرف، وليس لدى البنك المركزي من ادوات لخفض الطلب على العملة الاجنبية سوى رفع سعر الصرف الرسمي للدولار تجاه الدينار ، والذي يمثل خياراَ صعباً لان الزيادة ستنعكس على الاسعار؛ وبالتحديد اصحاب الدخل المحدود كون تأثيرها سيكون اشد عليهم.
كما ان تقليص مبيعات العملة الاجنبية للقطاع الخاص سينعكس على ايجاد فجوة بين عرض العملة الاجنبية والطلب عليها في السوق، ومن نتيجته زيادة الفارق بين السعر الرسمي وسعر المشتري الاخير في السوق الموازي، ومن ثم ارتفاع اسعار السلع المستوردة وحصول الوسطاء على مكاسب على حساب الاقتصاد المحلى والمواطن.
وبشكل مشابه لا يستطيع البنك المركزي التأثير في كمية العملة الاجنبية التي يحصل عليها من وزارة المالية والجهات الاخرى (على ضالة اسهامها) بسبب طبيعة الاقتصاد العراقي التي تكون الايرادات النفطية هي المورد الاساس فيه والتي تتحدد بسعر النفط العالمي وكمية الموارد النفطية المصدرة ، ومن ثم أي انخفاض في احدهما يوثر على كمية العملة الاجنبية التي يحصل عليها البنك المركزي . وفي ظل بقاء الطلب المحلي على العملة الاجنبية دون تغير سينعكس بشكل مباشر على الاحتياطات من العملة الاجنبية او تغير سعر الصرف.
ان التحليل الذي يدور الان في العراق هو في جانب الطلب في ظل انخفاض في اسعار النفط لمستويات الثلاثين دولار وانخفاض في كمية الموارد النفطية المصدرة بسبب اتفاق اوبك (PLUS) الذي الزم العراق تخفيض 23% في صادراته بحسب صادراته لشهر شباط 2020، اي تقريباً تخفيض مليون برميل يومياً (أي ان الاسعار انخفضت للنصف والكمية انخفضت بمقدار الربع)، ان البحث والتحليل في جانب الطلب يؤدي الى تصحيح الفجوات والاختلالات الحاصلة في السياسة المالية والاقتصاد الكلي ، كما ان قوة الطلب على شراء الدولار يعود لعدة اسباب ومنها:
ضعف او محدودية القاعدة الانتاجية المحلية ومن ثم الاعتماد على استيراد السلع والخدمات بشكل كبير جداً.
هروب رؤوس الاموال الى الخارج ، استثماراً او ادخاراً بسبب عدم الاستقرار السياسي والامني والتحديات الكبيرة التي تواجه بيئة العمل.
ضعف الجهاز المصرفي وعجزه عن تعبئة الموارد لأغراض تنشيط القطاعات الاقتصادية.
ضعف او عدم تطبيق القوانين التي تحد من سياسة اغراق السوق المحلية وتحفيز الانتاج المحلي (قانون التعريفة الجمركية، حماية المنتج المحلي، حماية المستهلك) .
ان الطلب على العملة الاجنبية ، ليس مصدره فقط استبدال وزارة المالية موردها الدولاري بالدينار، بل ان هناك انفاق حكومي يغطى من حوالات وسندات الخزينة والقروض المحلية من المصارف الحكومية وهذه المبالغ في غالبيتها تتحول الى طلب على السلع والخدمات ، وهي في الغالب مستوردة، فضلاً عن القروض التي تمنحها المصارف الى القطاع الخاص والجمهور مما يزيد من الطلب على العملة الاجنبية ، ولاسيما عندما يكون هناك انخفاض في المعروض منه وفي حال اقرار الموازنة بعجز مالي كبير واستمرار الوضع المالي للإيرادات النفطية عند مستواه المنخفض ، يتوجب على الحكومة الاقتراض من الخارج لسد النقص في العملة الاجنبية في حال ابقاء سعر الصرف على الوضع الحالي .
الخلاصة :
ان العوامل المؤثرة في عرض العملة الاجنبية في بلد ريعي مثل العراق هي الايرادات المتحصلة من بيع الموارد النفطية والتي تعتمد بشكل كبير على سعر النفط الخام والكمية المصدرة فضلاً عن القروض الخارجية.
ان العوامل المؤثرة في الطلب على العملة الاجنبية هي النفقات العامة (التشغيلية والاستثمارية) والقروض الممنوحة من الجهاز المصرفي للقطاع الخاص والجمهور وتحويلات الشركات الاجنبية العاملة في العراق.
ان سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف الموازي يحدد العلاقة بين عرض العملة الاجنبية والطلب عليها، والبنك المركزي العراقي هو المتحكم الرئيس فيه ، بعده بنك الحكومة ومستشاره المالي.
الاحتياطات من العملة الاجنبية ترتفع عند زيادة حصول البنك المركزي منه على مبيعاته اليومية في مزاد العملة وتنخفض عندما يحدث العكس.
لا توجد علاقة مباشرة بين الاقتراض الخارجي وتعويضات الموظفين بل ان العلاقة غير مباشرة ومرتبطة بعرض العملة الاجنبية والطلب عليها بعد تعويضات الموظفين الجزء الاكبر من النفقات التشغيلية للموازنة العامة .
يحتاج العراق لحلول قصيرة الاجل ومتوسطة وطويلة الاجل لتغير الوضع الاقتصاد المحلي من خلال تخفيض العجز في الموازنة والحساب الجاري لميزان المدفوعات، والحد من ارتفاع معدلات التضخم من خلال السياسة النقدية والمالية بهدف اعادة توازن الاقتصاد على المستوى الكلي.
هل يحتاج العراق للاقتراض الخارجي لتسديد رواتب الموظفين
التعليقات على هل يحتاج العراق للاقتراض الخارجي لتسديد رواتب الموظفين مغلقة