م.علي مراد النصراوي / قسم إدارة الأزمات
يبدو إن تراكم الأزمة الليبية و تفاقمها أمر لا يمكن أن يخفى عن الجميع، فبعد سقوط (معمر القذافي) بدأ هذا البلد يشهد تناحرًا داخليًا بين جماعات مسلحة تدعي كلها أن لها الدور الريادي بإسقاط نظام القذافي، و حقيقة ما في الأمر إن كل هذه الجماعات هدفها البحث عن مكاسب سياسية، مستغلة ذلك من خلال عناوين مختلفة أطلقتها على نفسها كثوار بنغازي وثوار طرابلس وثوار مصراته وغيرها من المسميات الفرعية التي دخلت من خلالها في مواجهات عدة من أجل كسر الإرادة وفرض الواقع الجديد، كما إن تنظيم (داعش) بعد انكساره في العراق وسوريا اتجه وبشكل تصاعدي إلى الانخراط في ليبيا، وانشاء قواعده هناك، وسيطرته على مدينة سرت قبل أن تتمكن قوات الوفاق من استعادتها، إلا إنه استمر بالانتشار في مناطق عدة بالامتداد مع خلايا التنظيم في مصر وتونس والجزائر .
وفي خضم هذه الفوضى ظهر اللواء المتقاعد (خليفة حفتر)، الذي تمكن من إعادة تنظيم صفوف الجيش، وكسب ود عدد من المدن ومقاتليها في سبيل طرد الجماعات المتشددة، وتنفيذ عمليات عسكرية بالضد من حكومة الوفاق التي احتفظت بسيطرتها على العاصمة طرابلس منذ قرابة العام من دون أن تتمكن قوات حفتر من دخولها، ولعل هذا الأمر يعود لجملة من الأسباب فحكومة الوفاق بالرغم من إنها جاءت بناء على اتفاقية تمت بين فصائل متقاتلة مع بعضها، إلا إنها تواجه اشكالات جمة وخلافات بين الفصائل المنضوية تحتها، وفي الوقت ذاته فإنها تحصل على دعم تركي – قطري بوصفها تمثل الاخوان المسلمين، وهذا ما جعل من تركيا تتلهف للدخول وبقوة لعمق الأزمة عبر نشر قواتها هناك في العاصمة طرابلس، وتزويد حكومة الوفاق بالسلاح على أمل السيطرة على حقول النفط التي طالما بحثت تركيا عن مصادرها سواء في الأزمة السورية، أو الأزمة الليبية الحالية ، فضلًا عن طموح الرئيس اردوغان و الارث التاريخي والروح العثمانية، وفي الوقت نفسه يمكن أن تكون مصدًا لأي تحرك مصري يعادي الاخوان المسلمون، فيما تسعى قطر لإيجاد محط لها لضرب الحصار الخليجي عليها والعداء السعودي الاماراتي، بوصف إن الامارات والسعودية ومصر تدعم حفتر وتقف معاً لمواجهة الاخوان المسلمون ، فيما تسعى روسيا لإنشاء قاعدة هناك جنوب المتوسط وهي فرصة لها طالما انتظرتها، وفي مقابل ذلك يبرز أيضا طموح كل من: ايطاليا وفرنسا وسعيهما في الاتجاه الاقتصادي والسياسي هذا فضلًا عن تعزيز منطقة نفوذ كل منهما، في ما تبقى الولايات المتحدة تراقب وتتدخل من بعيد، إلى جانب وجود قلق تونسي وجزائري وترقب حذر وذلك لقربهما من الحدث .
وخلاصة القول: فإن الدول المؤثرة في الوضع الليبي تنقسم على جانبين: الأول، يدعم حكومة الوفاق. و الثاني، يدعم قوات خليفة حفتر، وفي ظل هذا الوضع القائم فإن الأزمة الليبية تبقى من دون حلول تلوح في الأفق ، والسبب في ذلك هو التنافس والصراع الاقليمي بل حتى التنافس الدولي. و ما دام هناك ولاءات للخارج من قبل أغلب الأطراف المتصارعة داخليًا تبقى الحلول رهينة ذلك التوافق وعلى حساب مصالحها من دون مراعاة مصالح الشعب الليبي ، لهذا لابد من وجود إرادة وطنية حقيقية لتجاوز ليبيا لمحنتها من الدخول بمزيد من التناحر، وإلا تحولت لسوريا ثانية.