م. حمد جاسم محمد الخزرجي
باحث في قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
حزيران 2020
تقع منطقة الشرق الاوسط في قلب العالم وهذا ما اعطاها موقعًا استراتيجيًا مهمًا على مستوى العالم، فضلًا عن إن باطن أرضها يحوي كميات كبيرة من الثروة المعدنية، والنفط، والغاز، إذ تحوي المنطقة على ما يقرب من 60% من نفط العالم، ويمر عبر الخليج العربي وحده 40% من النفط المصدر للعالم.
وتشتهر المنطقة أيضًا بخصوبة تربتها، ووجود أنهار كبيرة تمر فيها، ووجود أسواق كبيرة تستوعب العديد من المنتجات التي تحتاج الى خدمات كثيرة، مما يجعله مكانًا مربحًا للشركات الاجنبية، كما إن شعوب هذه المنطقة لها تاريخ حضاري معروف وموغل في القدم، وهو ما جعل منها محط أنظار أغلب دول العالم ولا سيما الدول الكبرى والصناعية، و ليس هذا وحسب إنما اصبحت ساحة تنافس وصراع بين هذه الدول من أجل السيطرة والاستحواذ على أكبر قدر من هذه الامتيازات لتحقيق أرباح كبيرة.
من هنا فقد تنوعت طرائق الدول الكبرى الساعية للهيمنة على المنطقة من أجل تحقيق أهدافها، إذ تطورت هذه الطرائق من الاحتلال المباشر مثلما حدث في عهد الاحتلال البريطاني والفرنسي والايطالي قبل الحرب العالمية الأولى، ثم بعد حركة التحرر والاستقلال تغيرت الخطة إلى تبني حكومات موالية لهذه الدول ودعمها بالسلاح من أجل منع أية حركة مناهضة للغرب، لتصل إلى التدخل من خلال الأمم المتحدة في دول الشرق الاوسط بحجج الديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق الاقليات، بعدها جاء الاحتلال الامريكي لافغانستان والعراق بحجج الإرهاب، كل هذه الوسائل هدفها واحد هو استمرار السيطرة والنفوذ الغربي.
ومثلما ذكرنا فإن منطقة الشرق الأوسط هي مهد الحضارات القديمة وقد نشأت فيها امبراطوريات عبر التاريخ، كما في الحضارة الاشورية، والبابلية، والسومرية في العراق، والحضارات الفارسية القديمة وفي بلاد الشام، واليمن، وجزيرة العرب، ومصر وتركيا، وبالرغم من حدوث حروب بينها عبر التاريخ إلا إن ظهور نور الإسلام وامتداده إلى أغلب مناطق الشرق الاوسط مكن هذه الاقليات من التعايش مع الشعوب الأخرى، واستمر الوضع إلى ظهور عصر الاستعمار الغربي الذي استخدم وسيلة الاقليات وعدها عاملًا مساعدًا ومهمًا لتحقيق أهدافه وسيطرته في المنطقة، وحاليًا تضم أغلب دول المنطقة أقليات دينية وقومية، وهي تصل إلى قرابة نصف السكان، كما في ايران، إذ إن الاقليات فيها هم من العرب، والبلوش، والاكراد، والتركمان، والارمن، في حين تبلغ الاقليات في تركيا حوالي ربع السكان وهم من العلويين، والاكراد، وأمّا في وسوريا ولبنان فإن الأقليات هم من العلويين، والدروز، وفي العراق فنسبة الأقليات هي الأقل موزعة بين الاشوريون والشبك والارمن والكلدان واليزيدين والاكراد والصابئة، ومثل ذلك الاقباط في مصر، و المسلمين الشيعة في الخليج العربي، وقد استطاعت الولايات المتحدة قراءة ذلك، إذ اصبحت سياستها في الوقت الحالي تعتمد بشكل أساس على استغلال المد القومي والمذهبي من أجل ترسيخ وجودها وتحقيق مصالحها في المنطقة.
وقد كان لأحداث المنطقة و لا سيما أعمال المجموعات الارهابية بمختلف مسمياتها، وما ارتكب من مجازر وانتهاكات كان أغلبها ضد الاقليات الدينية والقومية، وبشكل أساس ضد الاقليات الصغيرة، إذ وصل بعضها إلى حرب ابادة جماعية كما حصل للايزيديين والمسيحيين في العراق على يد تنظيم القاعدة وداعش الارهابية، والدروز والعلويين في سوريا، والطائفية في لبنان، وحرب اليمن، والعمليات الارهابية ضد الاقباط في مصر، والعمليات الارهابية التي تقوم بها مجموعات تصنف ارهابية في ايران مثل جند الله والفرقان البلوشية ومجموعات مسلحة في الاهواز وكردستان، والتي تقابل برد فعل من الحكومة الايرانية، وقد كان للولايات المتحدة دور في هذه الاحداث ضد الأقليات من خلال إما دعمها لتقف ضد حكوماتها، أو من خلال دعم حكومات موالية لها ضد أقلياتها القومية والدينية والنتيجة واحدة وهي ضمان مصالحها.
وقد اتبعت الولايات المتحدة الامريكية عدة وسائل في دعم، أو انتهاك حقوق الأقليات الدينية والقومية لضمان مصالحها واستمرارها، ومنها:
- تأييد امريكي مباشر وغير مباشر لأقليات قومية ودينية في المنطقة لاقامة كيانات منفصلة عن حكوماتها المركزية، فقد استمرت الولايات المتحدة في تقديم الدعم العسكري المباشر لأكراد العراق وسوريا وايران بشكل مباشر من أجل اقامة كيانات مستقلة لها، ومن أجل كسب ولائها والضغط على حكومات هذه الدول لأخذ تنازلات منها حول قضايا المنطقة، كما تقوم الولايات المتحدة أيضًا بدعم حكومات موالية لها في المنطقة ضد أقلياتها الدينية بشكل علني ومكشوف ، و لا سيما إذا كانت هذه الأقليات تقف ضد المشروع الامريكي في المنطقة، فقد كانت الولايات المتحدة الداعم الاساس لأنظمة الحكم الخليجية ضد المسلمين الشيعة في الخليج العربي، والداعم لحرب التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن، بينما هي مدافع أساس إلى جانب اكراد سوريا والعراق، وهذا كله من أجل استمرار تدخلها في هذه المناطق بحجج كثيرة لضمان مصالحها.
- تسعى الولايات المتحدة بشكل دائم للضغط على الأمم المتحدة من أجل اعطاءها صلاحيات للتدخل في الشؤون الداخلية للدول في المنطقة بحجة حماية حقوق الإنسان والأقليات، أو التدخل بشكل مباشر إذا اقتضى الأمر كما في سوريا ولبنان.
- أسلوب آخر تتبعه الولايات المتحدة الامريكية وهو غض الطرف عن عمل المجموعات الارهابية ضد الأقليات الدينية والقومية التي تتعرض للإبادة الجماعية، بل تقوم في بعض الاحيان بعرقلة أي تحرك دولي ضد التنظيمات الارهابية، ومن ثم تقوم لاحقًا بالتدخل وحدها بحجة حماية هذه الأقليات لإعطائها انطباعًا بدور الولايات المتحدة الإنساني، ومن ثم تجنيدهم في المشروع الامريكي في المنطقة، كما حصل في أحداث العراق عام 2014، وامتناعها عن دعم العراق ضد تنظيم داعش الارهابي على الرغم من وجود اتفاقية أمنية مع العراق، فقد تركت التنظيم الارهابي يقوم بارتكاب مجازر ضد الايزيديين والشبك والمسيحين، إلى جانب جرائمهم الارهابية في سوريا ضد المسيحيين والعلويين والدروز، في الوقت نفسه فتحت أبواب الهجرة لهذه الأقليات اليها وإلى الغرب، فضلًا عن إن هناك ألاف العناصر من أعضاء التنظيمات الارهابية من جنسيات غربية وهم جاءوا للمنطقة بجوازات سفر دولهم، وقد عاد الكثير منهم إلى هذه الدول مرة أخرى، مما يدل على دور هذه الدول في استخدام هذه العناصر كوسيلة في تأجيج الوضع، وضرب استقرار المنطقة، وهي سياسة قد خطط لها.
- أسلوب المحاصصة في الحكم، فقد كان العراق الساحة الأولى لإقامة تجربة حكم على أساس محاصصة بين المكونات العراقية وهو مستمر منذ عام 2003، هذا الأسلوب حفز اغلب الاقليات في المنطقة ودفعها للتحرك من أجل المطالبة بحقوق سياسية ومشاركة في الحكم لا على أساس الكفاءة في إدارة الدولة، وإنما على أساس حصتها العددية للحصول على المنصب، وهو ما جعل أغلب الاقليات غير راضية على وضعها باستمرار وتلوح بالعنف والحل العسكري للحصول على حقوقها، كما في سوريا وتركيا ودول الخليج العربية، وهو ما عد وسيلة فعالة تسعى الولايات المتحدة لاستعمالها في زيادة نفوذها وتواجدها في المنطقة بحجة دعم هذه الاقليات في الحصول على حقوقها، أو اعطاء الأقليات فكرة عن دور الولايات المتحدة في هذه الخطوة.
- فتح قنوات فضائية ومنشورات مقروءة موجه إلى الأقليات وبلغتها المحلية، لبث معلومات عن مناطق الأقليات لإثارتها ضد دولها التي تعيش فيها، فهذه القنوات تقوم بالتحريض القومي والديني وتنشر أخبار مفبركة عن انتهاكات ضدها، هذا إلى جانب إنها تنشر معلومات عن ما تحويه أراضيها من مصادر طبيعية وبيان محرومية شعوب الأقليات، كما هو حاصل من تحريض عرب ايران في الاهواز، والمنطقة الشرقية في السعودية ومناطق الأقليات في العراق التي تضم ثروات نفطية كبيرة جدًا.
إن هذه الوسائل والتي تستعملها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط الغنية بمواردها هدفها الأساس هو استمرار الهيمنة الامريكية على المنطقة، ومن ثم السيطرة على ثرواتها الطبيعية ومناطقها الاستراتيجية لأطول مدة ممكنة، إذ هي غير مهتمة بالوسيلة وعدالتها وإنما بالهدف والمكاسب المتحققة منها، و أغلب تصريحات المسؤولين الامريكيين وما ينشره سياسيوها ، تشير إلى إن حروب المرحلة المقبلة ستكون بدون جيوش وأسلحة وتحمل التكاليف، وإنما ستكون من خلال اشعال حروب قومية ودينية في المنطقة، فهي أداتهم الأساس لتحقيق اهدافهم بأقل الخسائر الممكنة.
إن سعي الولايات المتحدة لاستمرار نفوذها ومصالحها في منطقة تُعد من أغنى مناطق العالم وأكثرها أهمية استراتيجية جعلها تتبع طرائق عديدة لاستعمالها في هذا المجال، غير مهتمة لما تتعرض له شعوب المنطقة من انتهاكات وصلت في بعض الاحيان إلى حد الابادة الجماعية، وهي مستمرة إلى الآن، وإن على شعوب المنطقة ولا سيما الأقليات أن تعيد النظر في سياساتها، و تتخذ من الوسائل السلمية والتفاهم مع الدول التي تعيش فيها طريقًا لتحقيق مطالبها بعيدًا عن تدخل الغرب وأهدافه وأساليبه المدمرة.