الكاتب: طه اکرمی
الناشر: مركز الابحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية في الشرق الاوسط/ طهران
ترجمة: م. خالد حفظي التميمي
تحليل : م . مؤيد جبار حسن
قسم الدراسات السياسية
حزيران/2020
اثار إطلاق القمر الصناعي نور1 على متن الصاروخ الايراني العابر للقارات قاصد من قبل وحدة الجو الفضائية التابعة للحرس الايراني في مدار 425 كيلومترًا في يوم الاربعاء الموافق 22 نيسان 2020، ردود افعال مختلفة حول العالم. فعلى سبيل المثال ، اكد متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية أن تحرك إيران كان غير قانوني وأن “الأمم المتحدة حثت إيران على عدم القيام بأنشطة تتعلق بالصواريخ الباليستية المصممة لحمل أسلحة نووية ويجب على إيران الالتزام بذلك”. اما في الولايات المتحدة، فقد ظهرت ردود افعال كثيرة، فقد اكدت وزارة الخارجية الأمريكية إن “إيران يجب أن تُحاسب على هذا العمل وأن هذا الإجراء ينتهك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231”. واشار مجلس الأمن القومي الأمريكي أيضًا على الإجراءات الأخيرة للحرس الايراني بصدد إطلاق القمر الصناعي عسكري على حسابه على تويتر وقال “لا ينبغي السماح لإيران بتطوير صواريخ باليستية عبارة للقارات وهذا هو السبب في أن هذه الحكومة تخضع لعقوبات”.
وخلال مؤتمر صحفي ، اكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رداً على عمل الحرس الإيراني “أننا نراقب إيران عن كثب، ونحن نعرف المزيد عن إيران أكثر مما هي تعرف نفسها “. وقال الجنرال جون ريمون قائد وكالة الفضاء الأمريكية، في بيان إن القمر الصناعي الإيراني نور1 “يشبه الكاميرا المعلقة في الفضاء”.
وفي روسيا، قال رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي: “ان محاولة إيران إطلاق القمر الصناعي العسكري الى الفضاء لا تنتهك قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مضيفًا أن مفهوم “القمر الصناعي العسكري” لا يعني بالضرورة ان يكون حامل للسلاح”.
جاء هذا الإجراء من جانب إيران في وقت اشتدت فيه التوترات مرة أخرى بين إيران والولايات المتحدة. بعد خروج امريكا من الاتفاق النووي، فرضت الولايات المتحدة المزيد من العقوبات واغتالت سليماني ، الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات. في الأيام الأخيرة ، أمر ترامب أسطوله بإطلاق النار على زوارق الحرس الايراني السريعة. لذلك، وجدت إيران، ومع خفض التزاماتها في الاتفاق النووي ، المزيد من الحرية والمبادرة وما كان من اطلاق القمر العسكري نور الا نتيجة لهذا النهج.
ولكن ما سبب قلق الولايات المتحدة حيال ذلك؟
يمكن فهم اسباب قلق الولايات المتحدة بعدة طرق. أحدها هو تداخل التقنيات المستخدمة في عمليات الإطلاق الفضائية والصواريخ البالستية بين ما يسمى الصواريخ البالستية العابرة للقارات. كما ان الولايات المتحدة قلقة من أن إيران التي يمكنها استخدام قدراتها وتقنياتها الجديدة لإطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات. سبب آخر هو أن تحرك إيران كان في الواقع شكلاً من أشكال الإكراه ، وكان ضد رغبات الولايات المتحدة والتي لا يمكن استخدام هذه التجربة كذريعة لإدانة إيران أمام مجلس الأمن الدولي واتهامها بانتهاك قراراتها.
البعد الثالث لهذا القلق هو التهديد الذي قد تشكله إيران على أنظمة الفضاء الأمريكية. من وجهة نظرهم، ربما تكون إيران قد تمكنت من الوصول الى نظام مضاد للفضاء، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لقدرات الولايات المتحدة الفضائية. من ناحية أخرى، تمتلك إيران القدرة على تنفيذ هجمات إلكترونية على أنظمة الفضاء مثل Jimming Uplink و Jimming Dawnlink والهجمات الاحتيالية. وقد تمكنت بالفعل من استخدام الهجوم الإلكتروني لهبوط الطائرات المسيرة المعادية بأمان.
البعد الرابع من مخاوف الولايات المتحدة هو عدم وجود قوانين فضائية كافية وقابلة للتنفيذ للدول، وفي الواقع ، فأن الفضاء هو البعد التالي الذي ليس له حاكم وقانون محدد حتى الآن، وهو البعد الذي لم تتمكن الولايات المتحدة من السيطرة عليه، لأن الدول الأخرى قد يكون لها أيضًا الحق في التشريع. والشيء الاخر هو أن دخول الفضاء وارسال الأقمار الصناعية الخفيفة والرخيصة، يمكن أن لها مهام مختلفة مثل التجسس وحتى تدابير التخريب ، وذلك بسبب تكلفتها المنخفضة وإمكانية بناء مثل هذه الأقمار الصناعية بسرعة. وهذا يعد تهديدا للولايات المتحدة. فمثلا؛ يمكن أيضًا استخدام الأقمار الصناعية الصغيرة والمتحكمات الدقيقة التي يمكنها التقاط صور، ومن الممكن ايضا ان تستخدم كأسلحة وحتى ألغام فضائية. هذه الأقمار الصناعية الصغيرة ، التي تزن أقل من 500 كيلوغرام ، تشكل مشكلة أخرى للولايات المتحدة. من الصعب تحديدها ومراقبتها.
الشاغل الاساسي للولايات المتحدة هو القرب من مدار الأرض. ان المدار القريب للأرض، يصل ارتفاعه الى 2000 كيلومتر، ويستخدم في الاتصالات والمراقبة والتجسس والاستطلاع. ويؤشر وجود إيران في هذا المدار، بالإضافة إلى الوصول إلى الأقمار الصناعية لدول أخرى والحصول على معلومات واسعة من دول مختلفة، الى إمكانية وصول إيران إلى مستويات أعلى في المستقبل القريب، وفي الواقع هذه هي الخطوة الأولى لدخول مدارات أعلى، وهذا بالطبع ضد الأمن القومي للولايات المتحدة.
ان ما تخشاه الولايات المتحدة هو الخوف من الفوضى في الفضاء، وخاصة ما يرتبط بالحطام الفضائي، الذي اصبح في الاستراتيجية الفضائية في عهد ترامب ، تحديًا للتنافس في الفضاء وإشباعه. ووفقًا لوكالة ناسا ، فإن حوالي 500,000 من الحطام الفضائي يمكن رؤيتها وكشفها حاليًا ، وتنتشر ملايين القطع الصغيرة في الفضاء وفي المدارات، مما يشكل تهديدًا خطيرًا للأقمار الصناعية ؛ ويعتقد البعض أن هذه النفايات واصطدامها المحتمل بالأقمار الصناعية (بسبب نقص المعرفة بنواياهم البناءة المحتملة) يمكن أن تكون سببًا للحروب المستقبلية بين الدول.
في الواقع، تحتوي القدرات الصاروخية والإلكترونية والفضائية في جميع البلدان ثلاثة أجنحة متصلة ببعضها البعض ، وتجدر الإشارة الى أنه يجب النظر إليها جميعًا في نفس الوقت ، وهذا ما أثار قلق الدول الأخرى بشأن هذه القدرة الإيرانية. ينبغي أن تستخدم إيران هذه القدرة الجديدة لإيصال مرافق الاتصالات والاطلاع والتصوير ومحاولة تعزيز قوة الردع، لاسيما في المنطقة. من ناحية أخرى ، يمكن لإيران العمل مع الدول الأخرى والمؤسسات الدولية وتعزيز دبلوماسيتها من أجل وضع القوانين وحتى التحالفات والتعاون الفضائي.
التحليل :
ليس بالجديد ان يصبح الفضاء البعد الاخر للصراع بين الدول حول الهيمنة والنفوذ والسيطرة، تحت الرغبة الملحة للبشرية في مغادرة الارض واكتشاف العوالم الجديدة خارجها. لكن تلك الرغبة النبيلة تحولت الى صراع بين قطبي العالم خلال الحرب الباردة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (السابق)، مما نحى بالاكتشافات الفضائية الى ان تكون سرية وذات طابع عسكري ومتعلق بالامن الوطني وبعيدة كل البعد عن التعاون الدولي في هذا المجال.
اليوم ونحن في عام 2020 أصبحت التقنية الفضائية متاحة للجميع ولم تعد حكرا على دولة دون اخرى ، فنلاحظ ان العديد من دول العالم الثالث التحقت بالركب العالمي وارسلت اقمارها الى الفضاء الخارجي . ومن بين تلك الدول ايران.
المخاوف الامريكية من التطور الفضائي الايراني يتماهى مع موقف واشنطن العام حول طهران وانها عامل اضطراب في منطقة الشرق الاوسط، لذا من غير المقبول بحسب امريكا واوروبا ايضا ان يكون لايران برنامج فضاء واعد خاصة في هذا الوقت الذي يشهد توترا عاليا بين الاطراف الاقليمية من البحر المتوسط وصولا الى البحر الاحمر ومرورا بالخليج العربي.
ورغم التكلفة المادية الهائلة لاستكشاف الفضاء ، فمثلا مشروع ابولو للنزول على سطح القمر كلف الولايات المتحدة حوالي 175 مليار دولار[1] ، فلازالت الحكومات تسعى له ، رغم الرفض الشعبي لهدر هذه الاموال في مسائل غير مجدية كما يراها. والجمهورية الاسلامية ليست استثناء ، ففي الوقت الذي تعاني فيه من عزلة دولية ، وهبوط قيمة العملة وعقوبات اقتصادية مشددة ، تسعى حكومتها الى فتح جبهات جديدة من المنافسة والصراع مع الغرماء التقليديين، ولكن هذه المرة ليست على الارض وانما في الفضاء الرحب.
الصراع على الفضاء، دشنه القطبين الاميركي والسوفيتي خلال الحرب الباردة، واليوم يسير الرئيس ترامب على ذات المبادئ واكثر، اذ صرح ( إن مصيرنا خارج نطاق كوكب الأرض، ليس مسألة هوية وطنية فقط؛ وإنما مسالة أمن قومي)، ودعا أيضا لإنشاء قوة دفاع جديدة يُطلق عليها «قوات الفضاء»، والتي من شأنها أن تكون القوة السادسة في قوات الجيش الأمريكية، لتنضم للقوات الخمس الأساسية وهي: القوات الجوية، والجيش، وخفر السواحل، ومشاة البحرية، والبحرية. مؤكدًا أنه حينما يتعلق الأمر بالدفاع عن أمريكا؛ لا يكفي التواجد الأمريكي في الفضاء، بل يجب أن يكون لأمريكا الهيمنة الكاملة عليه.[2] هذا الحال لم يعجب الصين التي اتهمت واشنطن بتحويل الفضاء الى ساحة حرب جديدة . [3] ويقينا سيؤدي ذلك الى المزيد من التوتر والمنافسة وربما حربا دولية باردة جديدة تكون ساحتها الفضاء وجنودها الاقمار الصناعية والرجال الاليين.
رابط المقال الاصلي: https://www.cmess.ir/Page/View/2020-06-16/4560
[1] موقع البي بي سي العربي، الرابط: https://www.bbc.com/arabic/vert-fut-49008336
[2] موقع ساسة، الرابط: https://www.sasapost.com/president-trump-calls-for-the-creation-of-space-force/
[3] موقع ديرشبيغل بالعربي، الرابط: https://www.dw.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D8%AA%D9%87%D9%85-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D8%A8%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B6%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A-%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9/a-51782373