الدكتور ياسر عامر المختار
رئيس قسم الدراسات القانونية
بعيداً عن القانون والسياسة ، سيكون هذا المقال مختلفاً عن المقالات الأخرى التي تناولت فايروس كورونا، فأغلبها كانت تدور حول من صنع هذا الفايروس، وما هي اضراره الصحية على الجهاز التنفسي، وما مدى تأثيره على الاقتصاد العالمي.
سوف نحاول هذه المرة ان نلفت الأنظار حول الاضرار الصحية والاقتصادية الأخرى التي ربما لم يسمع عنها الاخرون.
ان الصحة والاقتصاد أصبحتا بعد جائحة كورنا امرين مهمين ومقلقين بالنسبة الى الجميع، فلم تتوصل التحقيقات بعد الى كيف جاء هذا الفايروس ومتى وكيف ينتهي.
فمن حيث الاقتصاد العالمي، فقد اصدر صندوق النقد الدولي في الأسبوع الماضي تقريراً يشير من خلاله الى ان العالم يمر بأسواء كارثة اقتصادية، وكل ما نراه الان من عودة الحياة في بعض الدول لا يعني ان العجلة الاقتصادية قد عادت الى العمل.
فقد أشار التقرير الى ان خسائر الاقتصاد العالمي بسبب فايروس كورونا وصلت الى 12 الف مليار دولار، وأن الناتج القومي الخام قد تراجع عالمياً الى 4,9%، ولو قارنا هذه الازمة مع الازمة الاقتصادية السابقة التي مر بها العالم عام 2009 التي وصفها الاقتصاديون انها الاسواء منذ سبعينيات القرن الماضي، نرى ان تراجع الناتج القومي الخام لم يصل الى 0,1%، مما يعني اننا امام كارثة اقتصادية خطيرة جداً.
أما الدول الأوروبية الأقوى اقتصادياً مثل المانيا وفرنسا واسبانيا وإيطاليا، فقد تراجع فيها الناتج القومي الخام هذا العام الى اقل من ( – 12,5%)، أما الولايات المتحدة الأميركية فقد تراجع الى ( – 8%)، ولكن هناك بعض التوقعات تشير الى ان العام المقبل سوف يشهد الاقتصاد تحسناً ملحوظاً يمكن من خلاله تعويض بعض ما خسره العالم بسبب هذه الجائحة.
أما من ناحية البطالة العالمية، فأن 11,4% هي نسبة البطالة في دول منطقة التعاون والتنمية الاقتصادية التي تضم أكثر من مليار وثلث مئة مليون نسمة، أما بالنسبة الى الدول النامية والتي من ضمنها الدول العربية، فهي لم تعلن حتى الان عن نسبة البطالة بعد جائحة كورونا، ولكن بالتأكيد سيكون وضعها أصعب بكثير، فهذه الدول ليس لديها موارد كافية ولا استثمارات ولا إدارات ولا حتى رؤية استراتيجية، ناهيك عن الدول التي مرت بحروب والتي تعاني أصلاً من التشرذم والتقهقر في وضعها الاقتصادي. ومن جانب اخر أشارت منظمة العمل الدولية الى ان عدد العاطلين عن العمل في العالم بسبب فايروس كورونا قد يصل الى 200 مليون شخص هذا العام، ناهيك عن احصائيات تشير الى ان هناك 80 مليون شخص تحت خط الفقر في الدول العربية، نصفهم في الدول التي تشهد صراعات وحروب.
كل هذه الأرقام التي رأيناها مقلقة بالفعل، تداعياتها خطيره جداً، ممكن ان ينتج عنها عنف متعدد الوجوه وموجات من الاضطرابات الاجتماعية وعصيان وتمرد وثورات.
أما الجانب الثاني من هذا المقال سوف نتناول فيه أثر العزل الصحي على الصحة العقلية والنفسية للإنسان، فقد كتبت مجلة علوم وحياة الفرنسية في الأسبوع الماضي دراسة أجرتها من خلال مقابلات مع أطباء متخصصين في الطب النفسي والاعصاب، والتي أكدت من خلالها ان العزلة عن الأشخاص تؤثر على صحة الانسان كالجوع، أي ان عدد ساعات العزلة عن الحياة الاجتماعية والعمل وغيرها تضاهي عدد ساعات الجوع، وان الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 14 الى 24 عام هم الأكثر تأثراً، وان تأثير العزلة على الدماغ تؤدي الى انخفاض مستوى الذاكرة وفقدان المشاعر، وهذا ما لاحظوه عندما اجروا تجارب على الفئران (لقربها فسلجياً من الانسان) من خلال عزلها 30 يوماً، إذ لاحظوا ان مستوى خلاياها العصبية قد تراجعت بنسبة 20%، فما مدى تأثير العزلة التي يمر بها العالم على الانسان؟
ومن جانب اخر فان تأثير العزلة على الانسان تؤدي الى اضطراب نفسي الذي ينتج عنه ارتفاع ضغط الدم، والذي يؤدي في النهاية الى أزمات قلبية، إضافة الى تراجع مستوى جهاز المناعة.
ولكي لا يقع الانسان بهذه الامراض يجب عليه المحافظة على التواصل الاجتماعي ولكن الكترونياً، أملين ان تزاح هذه الغمة عن العالم اجمع بأقرب وقت وترجع الحياة الى طبيعتها.