م.د حسن سعد عبد الحميد/ باحث مشارك في قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
12 اب 2020
أب يقتل أطفاله، أم تتعرض للتعنيف من قبل أبنائها، امرأة تنتحر، طفلة تعاني من حروق حرجة، زوجة تقتل زوجها لخلافات عائلية، هذه نماذج وحالات مختارة لمشاهد مستمرة في مسلسل لا ينتهي لحالات العنف الأسري في أي مجتمع يعاني من أزمات ومشاكل عدة.
فالعنف الأسري لم يكن يوماً ظاهرة مستجدة، ولم يكن التعنيف حالة مفاجئة، ولم تكن الخلافات العائلية الممزوجة بالعنف الجسدي حديثة العهد، فالعنف بطبيعته لصيق بالفرد ويسير معه، ويعمل على محاكاته كلما كانت الظروف مهيأة لذلك.
إن أسباب ومسببات العنف الأسري كثيرة ومتنوعة، لكن في هذه الورقة نركز بدرجة كبيرة على متغير جديد دخل حديثاً ضمن مسببات العنف الأسري، وأحد العوامل المشجعة على العنف، الا وهو ما يعرف بأسم جائحة كورونا المستجد.
وبهذا الصدد نسعى هنا إلى الاجابة على جملة من الاسئلة ذات الدلالة بالموضوع المعالج وهي:
كيف أثر وباء كورونا على طبيعة العلاقات الاجتماعية داخل الأسر؟
كيف مهد الطريق صوب إحداث مشاكل تصل إلى حد الموت داخل الأسر؟
كيف تتم معالجة نتائج العنف الأسري الصادرة عن وباء كورونا؟
هل أسهمت أجراءات الحجر الصحي في تفاقهم حالات العنف الأسري؟
ما هي المفترحات والتوصيات التي يمكن أن نقدمها بهذا الصدد؟
اسئلة عدة من السهولة صياغتها، لكن تبقى الاجابات دوما صعبة بردودها.
ارتفاع نسب العنف الأسري في العراق
يصنف العنف الأسري على أنه عبارة عن إساءة استعمال السلطة في الأسرة، والاعتماد على نهج الخوف والقوة بدل نهج الثقة في بناء العلاقات الاجتماعية التواصلية داخل الأسرة، وهذه مشكلة مركبة (اجتماعية،نفسية، وأمنية) تؤثر على سلامة الافراد وأمن المجتمع.
وبقدر تعلق الأمر بالعراق نجد أن نتائج تقرير الباروميتر العربي قد أشار إلى ارتفاع ملحوظ في حالات العنف الأسري في العراق جراء جائحة كورونا، وبين التقرير أن (50%) من ضحايا العنف الأسري العراقي يلجأون إلى قريبات لهن للايواء، و (18%) لاقارب ذكور، مع (6%) فقط من الحالات تتم اللجوء فيها إلى الشرطة المجتمعية والمحلية.
وفي سبيل التحقيق من هذا المعطيات والارقام تم البحث والاستعلام عن التقارير والايضاحات الاعلامية التي تقدمها مديرية الشرطة المجتمعية العراقية بهذا الصدد، حيث أشار العميد (غالب عطية) مدير الشرطة المجتمعية العراقية إلى ((أن اجراءات الحجر الصحي والقرارات الناجمة عنها لحماية المواطن العراقي من خطر الوباء كان لها أثر كبير في زيادة نسب العنف الأسري بمقدار (30%)، وفي بعض المناطق العراقية إلى (50%)))، وهذا يدل أن هناك تقارب شديد في دقة المعلومات والارقام المشار إليها أعلاه، والذي زادها مصداقية ارقام حالات العنف الأسري المسجلة بوزارة الداخلية والمبلغ عنها والتي تظهر زيادة ملحوظة في اعداد حالات العنف الأسري وكما هو مبين أدناه:
1- بلغ عدد حالات العنف الأسري في عام 2016م حوالي (19349)، منها (8801) عنف جسدي، و (3008) عنف نفسي، و (5470) عنف لفظي، و (72) عنف جنسي، و (1998) حالات اخرى.
2- في عام 2017م بلغ عدد حالات العنف الأسري (12231) حالة.
3- في عام 2018م بلغ عدد حالات العنف الأسري (12299) حالة.
4- في عام 2019م بلغ عدد حالات العنف الأسري حوالي (16966) حالة.
5- في أول شهرين من عام 2020م بلغ عدد حالات العنف الأسري (2727) حالة، وعدم تمكنا من الحصول على بيانات وارقام الحالات الجديدة للاشهر الخمسة اللاحقة.
وعلى الرغم من ذلك نجد أن تحليل وتفسير هذه الزيادة العالية والمستمرة في العنف الأسري للسنة الحالية يعود إلى جملة من الحقائق والمتعلقة بطبيعة وباء كورونا المستجد، والاجراءات المتخذة للوقاية منه، وهي:
1- أن اجراءات الحظر الشامل والجزئي المتبع في العراق أسهم في ايقاف الكثير من المعامل والشركات واصحاب المهن عن العمل لمدة طويلة، فضلاً عن اضطرار اصحاب الأجور اليومية وذوي الدخل المحدود والفئات الواقعة تحت خط الفقر والذين يشكلون نسبة كبيرة من المجتمع إلى الجلوس في منازلهم من دون مردود مالي يسد رمقهم ويعينهم على تلبية متطلبات الحياة اليومية.
هذا الاجراء أدى إلى انعدام الأمن المالي وعدم اليقين بالنسبة لتلك الفئات، والذي أسهم في زيادة الاجهاد والتوتر ضمن افراد العائلة، وهو مسبب اساس للكثير من حوادث العنف المجتمعي حالياً.
2- أن طبيعة وباء كورونا وطرق انتشارة أجبر المؤسسات الرسمية الحكومية على ايقاف المدارس والعملية التعليمية وبالتالي بقاء الاطفال في البيت لمدة طويلة لحمايتهم من المرض، وهو اجراء قد لايفهمه الطفل وطبيعة تكوينه النفسية والجسمانية التواقة للخروج واللعب مع اقرانه والاختلاط بيهم، مما شكل عبئ اضافي على الأسرة العراقية، فهي غير معتادة على هذا الوضع الجديد وما ينجم عنه من مشاكل وخلافات جراء الجلوس الطويل بالبيت، في ظل صعوبة تفهم الاطفال لطبيعة الظرف الطارئ ومتطلباته الاحترازية.
3- أن طبيعة اجراءات الحجر وبقاء الأسرة لمدة طويلة بالبيت يؤدي إلى أثارة المشاكل والخلافات لابسط الاسباب، ووصول الاخطاء التافهة إلى مستوى العنف الجسدي داخل البيت.
4- أن تنامي الخوف والقلق في الأصابة بالفيروس يعد أيضاً عامل محفز للعنف الأسري في العراق، والذي رافقه مخاوف انعدام الأمن الغذائي في ظل القيود المفروضة على التنقل، وفقدان الكثيرين لوظائفهم وصعوبة توفير متطلبات الغذاء والدواء، والذي حفز ونشط من حوادث العنف داخل العراق.
5- تشير بعض الدراسات العلمية إلى أن تجمع افراد العائلة في ظروف ارغامية لمدة طويلة في مكان واحد يؤدي إلى ارتفاع معدلات العنف والمشاكل العائلية.
6- ارتفاع نسبة ثقافة الوعي والشكوى لدى النساء والفتيات المعنفات، والتبليغ عن تعرضهن للعنف للجهات الرسمية العراقية.
العراق ليس الوحيد بحوادث العنف الأسري
إن ارتفاع نسب العنف الأسري جراء انتشار كورونا لم يقتصر على العراق وحسب، بل هي ظاهرة عالمية اكتسحت الكثير من الدول الموبوءة بالمرض، فعلى سبيل المثال تزايدت معدلات العنف الأسري في الصين أثناء الوباء بنسب مضاعفة حسب تقرير نشرته منظمة (المساواة الصينية)، والتي استندت على عدد المكالمات الطارئة الواردة لفريق المساعدة الاجتماعي الصيني الخاص بالخلافات العائلية، في حين شهدت أسبانيا ارتفاع بنسب حوادث العنف المنزلي إلى (18%) في أول اسبوعين من اجراءات الحجر الصحي، أما فرنسا فارتفعت نسب حوادث العنف الأسري إلى (30%)، والأمر ذاته بالنسبة للولايات المتحدة، ايطاليا، استراليا، تونس، تركيا، وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية.
وفي قارة امريكا الجنوبية ولاسيما في الارجنتين التي شهدت ارتفاع مخيف في حوادث العنف المنزلي حسب تقرير وزارة المرأة بنسبة (39%) أثناء مدة الحجر الصحي، لتتبنى الارجنتين بروتكول خاص لمعالجة تلك الزيادة المفرطة بالتعاون مع جمعية الصيادلة الارجنتينية وعنوانه بروتكول (القناع الاحمر)، والذي تتضمن فكرته أنه في حال طلب المرأة الارجنتينية قناعاً احمر للوقاية من الفايروس من الصيدلي فأنه يدل على تعرضها للعنف داخل البيت، وبالتالي إلزام الصيدلي بالتبليغ عن الحالة للجهات الرسمية وخلق قناة تواصل مع المرأة المعنفة لطلب المعلومات الضرورية بهذا الشأن.
مقترحات وتوصيات
إن الأسرة هي النظام الأمن الذي يشعر بها الفرد بالأمن النفسي والمادي، وفيها تسكن الروح ويرتاح الذهن، ويتعلم من خلالها المحبة والاحترام وصلة الرحم لمواجهة تحديات الحياة، وأي خلل يحصل فيها فأنه يمهد للمشاكل والعنف، فالعنف المنزلي لا يحتاج لجائحة كورونا لاثبات حقيقة وجوده في الظروف الطبيعية قبل الاستثنائية، وعليه ورغم اتساع وانتشار هذه الظاهرة عراقياً، وفي سبيل الحد والتخفيف من حدة تلك الحالة وايجاد معالجات لحلها، نقترح الأتي:
1- تعزيز وتنشيط قوانين الحماية الاجتماعية في العراق، والاسراع في اقرار قانون مناهضة العنف الأسري.
2- استحداث أساليب جديدة فاعلة لمحاكم الأسرة وقضايا العنف الأسري، وعدم الاكتفاء بترك حل تلك المشاكل ضمن الاطر العشائرية.
3- توفير اماكن رعاية وايواء مناسبة لذوي ضحايا العنف الأسري ضمن برنامج التماسك الاجتماعي والذي نقترح ان يعد بالتنسيق بين الشرطة المجتمعية،مديرية حماية الأسرة، وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لجنة النوع الاجتماعي في مجلس الوزراء، لجنة المرأة في البرمان، مؤسسات المجتمع المدني الخاصة بمتابعة قضايا العنف الأسري وحقوق الإنسان، الباحثين المختصين بهذا الشأن.
4- إلزام الجهات المعنية بالموضوع تقديم ابتكارات ومقترحات وفعاليات خاصة للأسر حول طبيعة الاستفادة من الانشطة والفعاليات المقترحة وتطبيقها داخل البيت على مستوى العائلة ككل، وعلى مستوى الاطفال بصورة خاصة، بغية التخفيف من الوضع الاضطراري للبقاء في المنازل لمدة طويلة.
5- انشاء خط ساخن للتبليغ عن حالات العنف الأسري.
6- توسيع شبكة الأمان والضمان الاجتماعي لتشمل النساء المعنفات.
7- رفع الوعي المجتمعي والمؤسسي حول مخاطر العنف الأسري وعبر حملات تدريب وتوعية لمختلف الفئات الاجتماعية.