أ . م . حيدر خضير مراد
قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية
ايلول/ 2020
لقد حفل التاريخ الإسلامي بالعديد من الوقائع والانعطافات التي أثرت وغيرت في السلوك الإنساني والحياة الاجتماعية بل والعقائدية للمسلمين، إلا ان تلك الأحداث والوقائع قد تتفاوت مستوياتها فمنها حركات منحرفة اثرت سلباً في حياة المسلمين كالأنقلابات الاموية والعباسية، ومنها ثورات تصحيحية لها نتائج ايجابية بعيدة المدى في حياه المجتمع الإسلامي. وقد خلدها التاريخ بخلود مبادئها ومثلها العليا واهدافها وأهمها على الاطلاق ثورة الامام الحسين (عليه السلام) التي جسدت الاسلام بكل ابعاده الروحية والفكرية والانسانية. فهي ثورة الأيمان والجهاد والصبر والتضحية والشهادة التي زرعت بذور الحركات الثورية المناهضة للظلم والباطل خلال التاريخ الإسلامي والحديث والمعاصر، وأوجدت تياراً رسالياً ثورياً تحررياً رافضاً لشتى انواع الطواغيت والحكام المستبدين.
وقد عاش الامام الحسين (عليه السلام) في عهد تأهّب فيه الحكام المستبدون من بني أمية لهدم الإسلام ومحو الشريعة، والقضاء على دين الله. وكان جهاده سبباً في إحياء الدين وبعث روح جديدة في نفوس المسلمين، ومن منطلق الشعور بالمسؤولية ادرك الامام الحسين ( عليه السلام ) ان الأمة قد وصلت الى حالة من الخدر والسبات حداً جعلها لا تفكر في واقعها ولا تعي المخاطر المحدقة بها بعد ان استخفها الحكام واستحوذوا عليها بأسلوبي : الإفساد والارهاب، وأنها بحاجة الى هزة قوية وعزيمة توقظها من سباتها وتنفض عنها تراب الذل والهوان، وهذه الهزة لا تحصل بالإرشاد والوعظ والتذكير، وإنما لابد من دم يراق على ساحتها ليرجع اليها رشدها وهمتها وارادتها، ويحرك الدم في عروق ابنائها. وقد قال الامام الحسين (عليه السلام ) بهذا الصدد مستنداً الى قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : “من رأى سلطاناً جائراً مُستحّلاً لحرام الله، ناكثا عهده، مخالفاً لسنّة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قولٍ كان حقّاً على الله أن يُدخله مُدخله “(1).
لذلك آثر (عليه السلام) عدم السكوت امام السلطة الجائرة، والتصدّي للأهواء والبدع، والسخط على قتل الأبرياء، وهتك الأعراض، ومنع الحقوق عن أصحابها ، فنهض للجهاد ضد الظلم والطغيان ومن اجل احقاق الحق وانقاذ الدين وإحياء الشريعة واصلاح الأمة الاسلامية وفق مبادئ وتعاليم الرسالة المحمدية ، مضحياً بنفسه وأهله وصحبه في سبيل صيانة اسس ذلك الكيان الذي بشر به جده ، ولتصحيح مسار الأمة والمحافظة على رسالة السماء ومعانيها الخالدة. وقد عبر الامام الحسين (عليه السلام ) عن ذلك بقوله : ” إني لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، إنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، اريد ان آمر بالمعروف وانهي عن المنكر ، واسير بسيرة جدي وأبي علي”(2). فكان جهاده وتضحيته مناراً للأجيال في مختلف الحقب التاريخية بما جسدته من مبادئ ومثل عليا للإنسانية جمعاء. حيث تركت النهضة الحسينية آثارها وبصماتها في الفكر الانساني لدى البشرية جمعاء ولم تنحصر آثارها بطائفة دون أخرى ولا بزمان دون غيره بل شملت كل احرار العالم على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم لما تضمنته من قيم ومثل جهادية عليا. وقد قال المستشرق الإنجليزي كارلس السير برسي سايكوس ديكنز ان ” الإمام الحسين وعصبته القليلة المؤمنة عزموا على الكفاح حتى الموت وقاتلوا ببطولة وبسالة ظلت تتحدى اعجابنا وأكبارنا عبر القرون حتى يومنا هذا “. (3) وقال الآثاري الإنكليزي وليم لوفتس: ” لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة “.(4)
قال المستشرق الألماني ماربين: ” قدم الحسين للعالم درساً في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما. لقد اثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر ان الظلم والجور لا دوام له. وان صرح الظلم مهما بدا راسخاً وهائلاً في الظاهر الا انه لا يعدو ان يكون امام الحق والحقيقة الا كريشة في مهب الريح “. (5)
ونحن اليوم حين تمر علينا ذكرى نهضة وجهاد الامام الحسين (عليه السلام ) بحاجة ماسة الى اقتباس الدروس والعبر البليغة من تلك النهضة المباركة بما جسدته من قيم ومعاني جهادية سامية من اجل احياء فريضة الجهاد في سبيل الله بمعناها الصحيح. وغرس هذا المفهوم لدى الناشئة في مجتمعنا بمحتواه النبيل الانساني المتمثل في الدفاع عن النفس والوطن بعيداً عن ما علق به من تصورات خاطئة وتأويلات مغلوطة تستخدمها الجماعات الارهابية من أجل شرعنة أعمالها الاجرامية ضد المدنيين الامنين في عصرنا الراهن، وذلك باتخاذ الامام الحسين (عليه السلام) وجهاده في واقعة الطف نموذجاً يقتدى به من قبل المجاهدين على مر الاجيال في استلهام معاني الجهاد والتضحية والفداء في سبيل نصرة الحق والعدل .
الهوامش :
(1) المجلسي ، محمد باقر ، بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الاطهار ، ط2 (بيروت : مؤسسة الوفاء : 1403 هـ ) ، ج 44 ، ص 382 .
(2) المصدر نفسه ، ج 44 ، ص329 .
(3) اسامة النجفي ، أقوال المستشرقين وعلماء الغرب في ثورة الحسين (ع) ، مجلة النبأ ، ملف عاشوراء 1427هـ ، الرابط على الانترنيت :
https://annabaa.org/ashura/1427/079.htm
(4) حسين رحيم عزيز الهماش و محسن منصور والي الركابي ، فلسفة الجهاد في الاسلام الامام الحسين (عليه السلام) انموذجاً ، مجلة واسط للعلوم الإنسانية ، مج14 ، العدد 41 ، ( جامعة واسط ، 2018م ) ، ص82 .
(5) النجفي ، أقوال المستشرقين وعلماء الغرب في ثورة الحسين (ع) ، الرابط على الانترنيت : https://annabaa.org/ashura/1427/079.htm
v\:* {behavior:url(#default#VML);}
o\:* {behavior:url(#default#VML);}
w\:* {behavior:url(#default#VML);}
.shape {behavior:url(#default#VML);}
Normal
0
false
false
false
false
EN-US
X-NONE
AR-SA
/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”Table Normal”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-priority:99;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin-top:0cm;
mso-para-margin-right:0cm;
mso-para-margin-bottom:10.0pt;
mso-para-margin-left:0cm;
line-height:115%;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:11.0pt;
font-family:”Calibri”,”sans-serif”;
mso-ascii-font-family:Calibri;
mso-ascii-theme-font:minor-latin;
mso-hansi-font-family:Calibri;
mso-hansi-theme-font:minor-latin;
mso-bidi-font-family:Arial;
mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}