الدكتور ياسر عامر المختار
رئيس قسم الدراسات القانونية
صراع يصفه المؤرخون بانه أعقد واطول المشكلات التي لا تلوح لها حلول في الأفق، صراع أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورني قره باغ، والتي تعني باللغة الأذارية بـ جبال الحديقة السوداء. يبلغ مساحة الاقليم حوالي 4400 كيلو متر مربع، يقع في الجزء الغربي من أذربيجان، يبلغ تعداد سكانه ما يقارب 150 الف نسمة اغلبهم من الأرمن، الذين تبلغ نسبتهم 95% من سكان الإقليم. تبدأ جذور الصراع في الحقبة السوفيتية في عشرينات القرن الماضي حين قام جوزيف ستالين بتطبيق سياسته في التفريق بين الاثنيات وإشعال نار العداء بينها وتفتيت قواها، فقد تعمدت السلطة السوفيتية في عام 1923 ضم الأقلية الأرمينية (سكان قاره باغ) داخل حدود أذربيجان، وبحدود إدارية تُرسم لتجعل كل ما يحيط بها أذربيجانياً رغم رغبة السكان في التبعية الأرمنية، وفي المقابل تظل الأقلية الأذربيجانية في إقليم ناختشيفان معزولة داخل جمهورية أرمينيا. بالإضافة إلى أن السلطة السوفيتية منحت لإقليم قاره باغ صلاحية الحكم الذاتي داخل جمهورية أذربيجان، وهو ما كان أشبه بقنبلة موقوتة. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وإعلان كل من أرمينيا وأذربيجان استقلالهما، أبدى القادة السياسيون في إقليم ناغورني قاره باغ رغبتهم في الاستقلال وتأسيس جمهورية مستقلة غير تابعة لا الى أذربيجان ولا الى أرمينيا. بالمقابل اعترضت أذربيجان على استقلال الإقليم واعتبرته انفصالاً وتمرداً، فيما أعلنت أرمينيا دعمها للقادة السياسيين الأرمن ودعمتهم بالمال والسلاح، فاندلعت حرب طاحنة بينهما، والتي فقد فيها الجانبان اكثر من 30 الف شخص، وشرد نحو مليون اخرين. وفي عام 1994، وبوساطة أميركية – روسية – فرنسية، وقع الطرفان اتفاق منسك لوقف أطلاق النار، إلا ان هذا الاتفاق لم يسهم في حل الازمة، لأنه لم يتوصل الى توقيع معاهدة سلام بين الطرفين، والذي أدى في النهاية الى تجدد الاشتباكات بينهما، كان اخرها في عام 2016 قبل ان تندلع مرة أخرى في شهر أيلول الماضي، والتي اسفرت عن إصابات وقتلى من المدنيين. إلا ان المجتمع الدولي يقف على الحياد من الصراع الحالي ما عدا تركيا، التي تمد أذربيجان بالمال والسلاح، لإنحيازها الى الاذربيجانيين، وذلك لعدة أسباب أولها كون الشعبين التركي والآذاري يعتبرون من آريين، إضافة الى أطماع تركيا الجيوستراتيجية في منطقة القوقاز من جهة والعداء التاريخي بين تركيا وأرمينيا من جهة أخرى، بسبب اتهام أرمينيا للخلافات العثمانية آنذاك، بارتكاب مجازر بحق الأرمن التي راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف ارمني. تعد هذه الاشتباكات أسوأ من سابقتها في عام 2016، وفيما حذر خبراء من وقوع الأسوأ، دعت الأمم المتحدة وكبريات العواصم العالمية الجانبين للتهدئة. وقد تبادلت أرمينيا وأذربيجان 27 أيلول 2020 الاتهامات بالتسبب بمواجهات دامية وقعت بين الجانبين على خلفية نزاع حول إقليم ناغورني قاره باغ، أوقعت 23 قتيلاً، في تطوّر يهدد باستدراج روسيا وتركيا إلى ساحة الصراع، والتي قد ينتج عنها اندلاع حرب واسعة النطاق بين الدولتين اللتين انخرطتا على مدى عقود في نزاع للسيطرة على الإقليم. ودعا رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان المجتمع الدولي إلى “ضمان عدم قيام تركيا بإقحام نفسها في الصراع” بين بلاده وأذربيجان بشأن إقليم ناغورني قاره باغ، في تبادل للتصريحات اللاذعة مع أنقرة. وقال باشينيان إن من شأن سلوك تركيا أن يكون له عواقب مدمرة على منطقة جنوب القوقاز والمناطق المحيطة. كما اتهم باشينيان أذربيجان بـ”إعلان الحرب” على شعبه. وفيما حمّلت تركيا، حليفة أذربيجان، ارمينيا مسؤولية تصاعد التوتر وتعهّدت تقديم “كل الدعم” لباكو، وقد أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية أن القوات الأرمينية انتهكت وقف إطلاق النار. وقالت إنها أطلقت “عملية مضادة لكبح أنشطة القتال الأرمينية وضمان سلامة السكان” باستخدام الدبابات والصواريخ المدفعية والطيران العسكري والطائرات المسيّرة. كما أعلنت أذربيجان تطبيق الأحكام العرفية وحظر التجول في باكو ومدن أخرى عدة، وأكدت أنها سيطرت في قاره باغ على جبل موروفداغ الذي يعتبر منطقة استراتيجية بين أرمينيا والمنطقة الانفصالية. وقال مراقبون سياسيون إن على القوى العالمية تكثيف المحادثات لوقف تطور النزاع. وأفادت اوليسيا فارتانيان من مجموعة الأزمات الدولية وكالة فرانس برس “نحن على بعد خطوة من حرب واسعة النطاق”. وأضافت أن “أحد الأسباب الرئيسية للتصعيد الحالي هو عدم وجود أي وساطة دولية استباقية بين الجانبين لأسابيع”. لذا يجب على المجتمع الدولي وعلى رأسه الدول دائمة العضوية في مجلس الامن بالتدخل المباشر لوقف اطلاق النار بين البلدين، ومن ثم جمع الأطراف المتنازعة للحوار والتوصل الى حل المشكلة، من خلال ترسيم الحدود، وانهاء النزاع على إقليم ناغورني قاره باغ عن طريق استفتاء سكان الإقليم على تحديد مصيرهم، ومن ثم توقيع معاهدة سلام بين الأطراف المتنازعة لكي يحل الامن والاستقرار في المنطقة.