م. م. نور حسين الرشدي
باحث مشارك في قسم الدراسات السياسية
مركز الدراسات الاستراتيجية- جامعة كربلاء
تشرين الاول/ 2020
ما ان تفجر الصراع من جديد بين آذربيجان وارمينيا حول أقليم قراباغ الجبلي حتى سارعت تركيا الى تقديم دعمها الى آذربيجان، وجاء ذلك على لسان رئيسها رجب طيب اردوغان الذي دعى الى” انهاء الأحتلال الأرميني لهذه المنطقة” وأضاف اردوغان الى ان تركيا ” ستواصل الوقوف بجانب آذربيجان الدولة الشقيقة والصديقة بكل الوسائل الممكنة “، بعد ذلك توالت التصريحات والمواقف التركية المؤيدة والداعمة لآذربيجان وهذه المره جاءت من قبل مستشار الرئيس التركي الذي قال ” ان آذربيجان ليست وحدها وان تركيا تمدها بكامل الدعم ” ، وقد لاقى موضوع الحرب الأخيرة تعاطف كبير في الأوساط الشعبية والاعلامية التركية . لكن في المقابل صرح وزير خارجية ارمينيا زوهراب مناتسكانيان ” ان تركيا تعمل على نقل مقاتلين أجانب الى آذربيجان ” وجاء هذا الرد بعد أن استحضر للرئيس اردوغان حديث سابق في ان تركيا لن تتردد ابداً في التصدي لأي هجوم على حقوق وأراضي آذربيجان ، وهذا ما نفاه الرئيس الآذري الهام علييف في تصريح له :”ان دور تركيا هولأحلال السلام والاستقراروهو يقتصر على الدعم المعنوي وليس كما ادعت ارمينيا بإن تركيا تشارك بصفة طرف للنزاع وان الطرف الآذري لديه القدرة الكافية للدفاع عن شعبه ” وفي خضم هذه المناورات والتصريحات الأعلامية ، كانت المعارك لا تزال مستمرة في المناطق الحدودية بين الدولتين وكان آخرها تدمير للمنظومات الدفاعية الأرمينية واستعادة السيطرة على اراضي جبراييل والقرى المجاورة قابلها قصف ارمني للقرى الآذرية.
لكن التساؤل الذي يدور في الأذهان لماذا تدعم تركيا آذربيجان الى هذا الحد ؟ فالجواب على ذلك في ان العلاقات الآذرية – التركية تنطلق من عدة منطلقات يأتي في مقدمتها القومية واللغة ، فالقومية الآذرية (التركية ) تشكل غالبية السكان وكذلك الحال بالنسبة للغة بالتالي انعكس ذلك على الروابط الثقافية والسياسية والأقتصادية . وتجدر الأشارة الى ان آذربيجان ليس لها حدود مباشرة مع تركيا الأمن خلال مكتنف ناخجوان وهي حدود قصيرة لاتتعدى9كلم . بالإضافة الى ان آذربيجان مهمه بالنسبة لتركيا من الناحية الأقتصادية فهي البوابة التي يتم من خلالها نقل النفط والغاز الطبيعي من بحر قزوين عبر جورجيا الى موانئها على البحر المتوسط والأسود وبالتالي ينقل الى أوربا ، وبالفعل ومنذ استقلال اذربيجان تم انشاء العديد من خطوط الانابيب منها خط باكو – تبليسي – جيهان ومشروع خط الأنابيب الآذرية – التركية العابرة للأناضول المعروفة بإسم (Tanap ) ، لذلك فإن وجود ارمينيا الذي يعتبره البعض حجز الزاوية في السياسة التركية وهو المعرقل لهذه المشاريع بسبب احتلالها للكثير من المناطق الآذرية وهذا ما حدث عندما مدت آذربيجان خط انابيب باكو – تبليسي – جيهان ، عبر جورجيا وهو ما ادى ذلك الى اطالة خطوط النقل والامداد فيما لو تم مد هذا الخط عبر اراضي اذربيجان الى تركيا بشكل مباشر لكن وجود هذا الصراع حال دون ذلك . وفي المقابل هنالك عقدة تاريخية من ارمينيا متمثة بأتهام تركيا بارتكاب مجازر ضد الارمن أبان فترة حكم الدولة العثمانية . بالتالي ان مواقف تركيا الداعمة لآذربيجان فيما يخص الصراع في ناغورنو قراباغ ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وهذا يدعونا اكثر للتعرف على طبيعة هذا الصراع الدامي . فمنطقة القوقاز بشكل عام تتميز بتنوعها الديني والعرقي وبالتالي فإن خلق بؤر للصراعات في هذه المنطقة هو الحل الأمثل لكي يسهل السيطرة عليها من قبل الأتحاد السوفيتي ، فناغورنوقراباغ كانت وحدة من هذه البؤر فعمل الاتحاد السوفيتي منذ العام 1922 على ضم مجموعة من المناطق الى ارمينيا من ضمنها ناخجوان وقراباغ الجبلية هنا تدخلت تركيا التي كانت قد تأسست حديثاً وعقدت اتفاقية مع الأتحاد السوفيتي واعيدت هذه المناطق مرة اخرى الى اذربيجان ولخوف اتاتورك في ذلك الوقت من مطالب الارمن الاقليمية في تركيا ، بعد ذلك بعشر سنوات تقريباً أعطى الاتحاد السوفيتي حكم ذاتي لما يقارب من 30 دولة كانت من ضمنها ناغورنو قاراباغ لكنهابقت ضمن اراضي جمهورية آذربيجان . كانت مساحتها الجغرافية مايقارب 4,400 كلم2 اي ما يقارب 1,5% من اراضي آذربيجان ، وفي نهاية الثمانينيات ومع ضعف الدولة المركزية ( الاتحاد السوفيتي) بدأ الصراع يتجدد مرة أخرى داخل الاقليم المتنازع عليه ، وفي العام 1989 تم الاعلان عن سيادة ارمينيا على هذا الاقليم ، حاولت آذربيجان استعادة سيطرتها على قراباغ الجبلية في العام 1992 وكانت هذه بداية لحرب دامية انتهت بسيطرة ارمينيا على المدن الآذرية واخراج سكانها منها بعدما سيطرة على مدن مهمه مثل شوشا ولاشين ونتيجة ذلك قطعت الاتصال الجغرافي لأراضي قراباغ مع اراضي آذربيجان ومع وقف اطلاق النار في العام 1994، كانت نهاية للحرب وليس للصراع نفسه فخسرت آذربيجان 20% من اراضيها وهي للآن تحت السيطرة الأرمنية . أما الموقف التركي في تلك المرحلة فبعد ان انهار الاتحاد السوفيتي 1991 عملت تركيا على توسيع علاقاتها مع آذربيجان التي اعلنت عن اعتمادها النموذج التركي العلماني في الحكم ومنذ ذلك الوقت ظهرت فكرة ” امة واحدة في دولتين ” في الخطاب الرسمي للآذرين والاتراك على حد سواء . وعملت تركيا على فتح جسر يربط بين تركيا ومكتنف ناخجوان او ما يسمى اليوم ناخيتشيفان وهي خطوة مهمه اسهمت في فك الحصار المفروض عليها في ذلك الوقت من قبل ارمينيا وايضاً تدخلت تركيا بشكل مباشر في ارسال ضباط كان لهم دور كبير في الحرب ، وايضا عملت تركيا على فرض حصار اقتصادي ورفضت وصول المساعدات الى ارمينيا عبر تركيا. وعملت ايضا ومنذ ذلك الوقت على دعم هذه القضية في المحافل الدولية من خلال تبنيها للموقف الآذري . وبالتالي فإن دور تركيا اليوم هو امتداد لتلك المواقف الداعمة لآذربيجان والهادفة الى انهاء الصراع على الأقل بالطرق السلمية .