م. علي مراد النصراوي / قسم ادارة الازمات
تشرين الاول/ 2020
شهدنا في الآونة الاخيرة تطبيعاً ما بين عدة دول عربية و اسرائيل الامر الذي احدث ضجة كبيرة لاسيما وان اسرائيل كانت تصنف ضمن العدو الاول للعرب باعتبارها احتلت اراضي عربية واستوطنت ورحلت وشردت مئات الالاف، اضافة الى دخول العرب الحرب معها مرتين ناهيك عن المواجهة المستمرة مع فصائل المقاومة الفلسطينية والحروب التي خاضتها مع لبنان والسيطرة على هضبة الجولان في سوريا. لذلك فقد كانت التنشئة العربية تقوم على معاداة اسرائيل وهذا يتضمن الخطاب الرسمي والشعبي والديني والثقافي والسياسي ، فالسؤال ماذا حدث اذن كي تهرول بعض الدول نحو التطبيع مع اسرائيل ؟ اذ يعرف التطبيع بأنه مصطلح سياسي يهدف ل «جعل العلاقات طبيعية» بعد ان مرت بمرحلة من التوتر أو القطيعة لأي سبب كان، اذ بموجبه تعود العلاقة طبيعية وكأن لم يكن هناك خلاف أو قطيعة سابقة ، كما وان للتطبيع اشكال عدة كالبدء بمشاريع واتفاقيات ومبادرات مشتركة بين الطرفين، وإبراز الجهود الثقافية والفنية والعلمية والإنسانية بشكل متبادل .
وعلى هذا الاساس شرعت اسرائيل ومنذ مدة لإقامة علاقات وهي لم تكن جديدة اذ ان التعاون مع الامارات والبحرين والسودان لم يكن الاول من نوعه، بل تشير كثيراً من التقارير ان اسرائيل وهذه الدول شهدت تعاوناَ في مجالات عدة ، كما وان هذه الدول كانت قد ايدت حرب اسرائيل بالضد من لبنان، كما وان مصر طالما توسطت لحل كثيراً من الازمات والمعارك ما بين فلسطين واسرائيل كذلك وجود تبادل للسفارات هناك، اما عن الاعلان او الصراحة او الجرأة بالطرح يعود لأسباب عدة يأتي في مقدمتها اندثار الصوت القومي الموحد والخطابات الرنانة والتظاهرات والتجمعات المطالبة بتحرير فلسطين الا ما ندر وفي نطاق ضيق. فالزعامات القومية التي كانت تنادي بتحرير فلسطين قد رحلت او جرى تغييبها وغاب معها الصوت العالي، كذلك الربيع العربي الذي اتى على اغلب الجمهوريات العربية والدخول بمرحلة صراع جديد داخلي نخر لب تلك الدول كما في ليبيا وتونس واليمن وحربها المستمرة وسوريا وازمتها الراهنة ولبنان ووضعه الملتهب ومصر في ظل حكم العسكر ومن قبلهم احداث العراق ومشاكله السياسية ، كذلك تصاعد حدة الخطاب الديني وما رافقه من توتر طائفي ما بين العرب وايران وبالذات دول الخليج وعلى رأسها السعودية طالما دخلت مع ايران في خطاب رسمي متشنج والموضوع انسحب حتى للمستويات الشعبية العربية من تصاعد خطاب الكراهية على اسس طائفية. التدخل الامريكي لاسيما بعد وصول الرئيس ترامب وفرض العقوبات على ايران ونقل السفارة للقدس وتأييده المستمر لإسرائيل على حساب حل الدولتين او حقوق الفلسطينيين كذلك رعايته لما يسمى بصفقة القران للتطبيع مع اسرائيل والذي اولى خطواته العملية تمثلت بتطبيع الامارات والبحرين وبحسب ترامب هناك سبع دول في طريقها للتطبيع ربما عمان والسودان في القريب العاجل وقد تشمل جميع دول الخليج العربي.
وعلى هذا الاساس فأن خطوة التطبيع الاولية يراها البعض تسويق اعلامي ذات دعم معنوي اكثر من نتائجها العملية لكون الدولتين الامارات والبحرين لم يدخلان بحرب مع اسرائيل من قبل ولا هما من الدول المجاورة، اضافة الى ان الامر ليس بالجديد مجرد التحول من السر للعلانية. فهدف اسرائيل الدول القوية والمجاورة لها فربما خطوة ترسيم الحدود البحرية مع لبنان يكاد يضاهي اتفاق التطبيع مع الدول المذكورة انفاً ، ايضاً فأن الخطاب الاوربي لايزال مؤيد للقضية الفلسطينية في موضوع حل الدولتين وفرض بعض القيود للحد من الاستيطان الاسرائيلي كذلك لا ننسى التهديد الايراني المباشر لإسرائيل او الدول المطبعة معها بانها ستكون ضمن الاهداف المشروعة لإيران في اية مواجهة عسكرية حسب تصريح القادة الايرانيون اضافة الى دعم ايران للفصائل الفلسطينية وحزب الله والموضوع اليمني والعراقي بالرغم من تشديد العقوبات وهو ما قد يجعل اسرائيل في خطر اذا ما نفذت ايران تهديدها خصوصاً انها في ظل الحصار المفروض وتضائل الفرص امامها قد تلجأ لاستخدام ورقة اسرائيل او الدول المطبعة كورقة تراوغ بها ، لذلك فالخطوة الاسرائيلية الاخيرة هي ليست كما صاغها الاعلام الاسرائيلي بل تعتبر طبيعية في ظل الظروف المحيطة التي تم ذكرها .