الكاتب: مسعود رضائي
الناشر: مركز الابحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية في الشرق الاوسط
المترجم: م. خالد حفظي التميمي
تحليل : م.مؤيد جبار حسن
ان منطقة الشرق الأوسط ليست مثل أوروبا. لقد أظهرت تجربة النقل الاستراتيجي البعيد والقريب لبلدان هذه المنطقة ، مع سقف قصير من الصداقات والعداوات القائمة ، اظهرت الاختلاف الهائل بشكل واضح وصريح. ومع ذلك ، عندما يتعلق الأمر بتقديم إيران وتمثيلها كتهديد وعدو مشترك أيديولوجي , لا يمكن اعتبار الاصطفافات الجديدة التي تشكلت ضدها تافهة ، وافتراضية وقائمة على العلاقات في الفيسبوك أو لا يمكن تجاهل الحقائق الناشئة دون إجراءات فعالة وترتيبات رائدة ، فقط من خلال التنديد اليومي للدول العربية والإدانة لتقرب البلدان الإسلامية من إسرائيل.
ان التعزيز التدريجي للقضايا التي تجعل السياسة الرسمية الإيرانية تدخلية ومعادية للعرب ، وعدم الاهتمام الجاد بالبنى الفكرية في العالم الإسلامي ، ونمو القومية العربية ، واستحالة التغلب على العداوات مع الحكومة الأمريكية ، ومسألة تعميق الخصومات ، زائد ملف الأسلحة الموجود من حجم وتعقيد التهديدات العسكرية والأمنية المعقدة ضد البلاد على مدى العقد الماضي ، ومنذ دخول دونالد ترامب البيت الأبيض – في ضوء انسحابه من خطة العمل المشتركة الشاملة – والجهود لتشكيل ائتلافات عبرية عربية معادية لإيران, وتطبيق سياسة الضغط الأقصى في شكل أقسى نظام عقوبات في العالم بهدف الحد من نفوذ إيران في غرب آسيا ، وتغيير النظام ، والحد من برامجها النووية والصاروخية ، والهجمات الإلكترونية المتعددة ، والإصرار على تمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة. يعد “أكبر حملة حرب مشتركة في القرن” ضد دولة مستقلة في التاريخ الحديث ,لقد باتت حتمية صياغة ونشر وثيقة استراتيجية الدفاع الوطني وضرورة شرح “عقلانية إيران الرادعة” كإجراء معتاد لخفض التصعيد وبناء الثقة العالمية .
تتركز استراتيجية الدفاع الوطني بشكل عام على الخيارات والفرص الاستراتيجية للحفاظ على الميزة العسكرية وتوسيعها وكذلك ردع التهديدات الحالية والتحديات الأمنية المتغيرة. وبناءً عليه ، تلعب استراتيجية الدفاع الوطني دورًا رئيسيًا في تحديد القدرات اللازمة لتشكيل الفرص والحواجز في البيئة الإقليمية والدولية لزيادة الأمن وصد التهديدات دعماً لاستراتيجية الأمن القومي. ومع ذلك ، فإن الوضع الحالي في إيران ، وفي المنطقة والعالم يشير إلى أن نطاق القاموس الاستراتيجي للنخب السياسية والعسكرية في البلاد لم يتم ترسيخه بشكل صحيح حتى بين “الخروج والتراجع” ، بين “الاستراتيجية وطريقة العمل” وهناك فرق فيما بين بين القلوب والعقول و بين التلال والسدود.
لهذا السبب ، فإن العديد من دول الأطراف ، وخاصة في جنوب غرب آسيا ، تعتبر اليوم سياسة إيران الإقليمية والاستراتيجية للدفاع الوطني تتعارض مع أمنها ومصالحها ، بالإضافة إلى الولايات المتحدة .
ان أساس سياسة إيران الإقليمية دفاعي وليس هجومياً. لكن ، عن حق أو خطأ ، فإن صورة إيران التي يتم تشكيلها في العالم والتي أصبحت أكثر بروزًا هي صورة نمطية تصورها بأنها على شكل وحدة أمنية لا فكرية . قال جوليان أسانج ، مؤسس موقع ويكيليكس: “كل الحروب التي حدثت خلال الخمسين عامًا الماضية” كانت نتيجة مباشرة لأكاذيب وسائل الإعلام. [كان يعتقد] وسائل الإعلام يمكن أن تمنع الحروب. “لو لم ينشروا دعاية حكومية”. وعليه ، لا شك في أن وسائل الإعلام الأجنبية ومراكز الفكر أصبحت اليوم الناطقين باسم الحكومات والدول التي تعاني من ضعف وسائل الإعلام وعدم القدرة على توجيه الرأي العام العالمي. لذا يتعين على طهران إنفاق المزيد من الأموال وكذلك الطاقة الإضافية لتحييد ذعر أعدائهم ومواجهة سوء الفهم المتبادل.
تتفاقم الأبعاد والنتائج السلبية لهذه القضية خاصة في مجال السياسة الخارجية والدفاعية عندما لا تستطيع إيران ، في بيئة الشرق الأوسط غير المستقرة ، أن تشرح مخاوفها المشروعة من خلال خلق سياسة واستراتيجية دفاعية متماسكة وشفافة لإقناع جيرانها ، وتشجعهم على الاستفادة من حسن الجوار والتعاون الأمني المستدام.
على الرغم من الأهمية الحيوية لهذه المسألة ، في إيران ، فإن وزارة الدفاع أو هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة غير ملزمة بموجب القانون بتجميع ونشر الوثائق المتعلقة “بسياسة واستراتيجية الدفاع” بشكل دوري ولعدة سنوات , كما هو شائع في بعض دول العالم الكبيرة. لذلك ، لم يتم تجميع ونشر أي وثيقة رسمية أو عسكرية دفاعية رئيسية بشكل عام حتى يتمكن المجتمع الدولي من اكتساب فهم أفضل على الفور لأهداف إيران ومخاوفها لبناء دفاع صاروخي قوي وله نفوذ لا يقهر, لكن ما نراه الآن من الظروف الداخلية والخارجية المختلطة للبلاد يشير إلى أن إيران بحاجة إلى فترة من الهدوء في أسرع وقت ممكن للتغلب على نطاق واسع من ذعر إيران الإقليمي مع تحييد التهديدات الأمنية، بعيدًا عن الحساسيات. وتغطية احتياجاتها الدفاعية الحالية ، مع التركيز على الدبلوماسية ، وتحسين علاقاتها السياسية والأمنية مع الدول العربية في المنطقة.
ومع ذلك ، فإن جزءًا من السياسة الرسمية والمبدئية لإيران تجاه الشرق الأوسط يهدف إلى “استئصال إسرائيل” كنظام احتلال وغدة سرطانية ،واساسا فان الجانب الايراني يتبع هذه السياسية الاقليمية بشكل احادي ، وهو جزء كبير قد كرس نفسه من الخلافات والصراعات بين إيران والغرب. كان الجهد والرغبة الإيرانية خلال العقود الأربعة الماضية هو تركيز محور الشيطاين الكبير والصغير (أمريكا وإسرائيل) كأعداء للعالم الإسلامي. وانه يجب أن يتخذ الخليج العربي خطوات مهمة لقطع التعاون الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة أو لتفكيك القواعد العسكرية الأمريكية والأوروبية من أراضيه ، مع مراعاة المصالح والاعتبارات الأمنية لإيران , وتشارك أمنهم بضمانات إيرانية. غير مدركين أن هذه الدول تدين بالكثير من استقلالها السياسي وأمنها وبقائها وتطورها الاقتصادي للغرب (خاصة الولايات المتحدة). وينطبق هذا أيضًا على بعض جيران إيران الآخرين ، مثل أفغانستان وجمهورية أذربيجان ، مع وجود اختلافات طفيفة في التوقعات والأداء. وبما أن الوقائع تغلب على الميول وعلى عكس التوقعات ، فإن اليوم وبوساطة الولايات المتحدة فان بعد الإمارات والبحرين ،هناك دول من مجلس التعاون الخليجي – مثل السعودية وسلطنة عمان – في طريقها لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. .
إن علاقات إسرائيل المفتوحة مع جيران إيران المباشرين تعني التعاون والتنسيق في جميع المجالات ، بما في ذلك التعاون العسكري والأمني ، وبالنظر لا امتداد هذه العلاقات السلمية إلى جيران إيران الجنوبيين الآخرين ، فإن توقيع اتفاقيات السلام اللاحقة سيضمن بشكل فعال بان أمن إسرائيل هو مرتبط بامن دول مجلس التعاون الخليجي . تطور قد يتغير في المستقبل مع إطلاق وربط نظام دفاع جوي متكامل من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج العربي ، وسيؤدي اعلاه الى اختلال توازن القوى واتساع الفجوة التكنلوجية العسكرية في البيئة الأمنية المباشرة ، وسيكون ذلك على حساب إيران.
وبهذه الطريقة ، تظهر حالات عدم الأمان في البيئة المحيطة بإيران بطرق أكثر وأحدث من أي وقت مضى. منع المنافذ التجارية والسوق الدولية وقطع العلاقات المصرفية ومنع موارد النقد الأجنبي من صادرات النفط والغاز للبلاد ،وترك ترامب لمجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات اقتصادية أشد وخيبة أمل تدريجية من قدرة أوروبا الاقتصادية على مساعدة إيران (حتى الغذاء والدواء) وتعزيز اللجنة الرباعية من واشنطن – الرياض – تل أبيب – أبو ظبي لمواجهة النفوذ الإقليمي الايراني وكذلك آمالهم في انعدام الأمن الداخلي وإدراك فكرة “تغيير النظام” والتوازن الأمني الإقليمي وحاجة الصين إلى تجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة لضمان نموها الاقتصادي في المستقبل وفي نهاية المطاف رغبة روسيا في موازنة العلاقات مع الولايات المتحدة ودعم أمن إسرائيل لتعزيز قوتها العالمية ، كلها تشير إلى حقائق ناشئة من ان زيادة تكاليف الردع العسكري تؤدي في النهاية الى اضعاف المؤشرات الردعة لإيران في المجالين الاقتصادي و الجيوسياسي.
أن هناك شعور عام بأن الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني 2020مقارنة بالانتخابات الرئاسية الإيرانية في مارس 2021، لها تأثير أكبر وأهم على مصير الإيرانيين , وهذا يدل على ظهور مثل هذه المشاكل المعقدة والمتعددة الأوجه لإيران اليوم.
من هذا المنظور ، فإن إحدى الطرق التي تنظر فيها الدول للحد من المفاهيم الخاطئة لمنافسيها وأعدائها الإقليميين , تستند لصياغة ونشر وثيقة استراتيجية الدفاع الوطني الجديدة ، والتي تهدف إلى تعزيز الواقعية في سياق التركيز الحصري على المصالح الوطنية والاعتماد على إرسال إشارة “بناء الثقة العالمية”. في الواقع ، على الرغم من أن العداء وعدم التوازن في أمن إيران يعتبر أداة في غاية الأهمية لكبح التنافس والعداء. لكن لا ينبغي أن ننسى أن هذه القوة “سلبية” بشكل أساسي ولا تستخدم إلا في حالات الصراع المباشر. وفي الوقت نفسه ، تحتاج إيران إلى تدابير “إيجابية” جديدة ؛ وبهذه الطريقة ، من خلال تعديل تلك الأهداف غير المتوافقة والخالية من القيم الأمنية والاقتصادية التي تتعارض مع القوة الدفاعية والمصالح الوطنية للبلاد ، ستكون قادرة على تنظيم سياستها الخارجية والدفاعية مع أقرانها ومن النزاعات مع الجيران. والقوى العظمى تنأى بنفسها. بعبارة أخرى ، من الضروري تحرير السياسة الإقليمية والدفاعية للبلاد من نفوذ القوى العظمى من أجل إنفاق طاقتها الضعيفة وقدرتها على التنمية والانتقال من استراتيجية البقاء إلى استراتيجية النمو والتنمية. في الواقع ، من المتوقع أن تؤدي استراتيجية الدفاع الوطني الجديدة إلى أكثر من ردع الحرب ومنعها ، ومن الناحية الواقعية ، فإن ناتجها سيزيد من ظروف التعايش الدولي من خلال زيادة عدد الأصدقاء وتقليل عدد الأعداء (خاصة في منطقة الجوار). بما يتوافق مع المصالح طويلة المدى لمواطني إيران.
لذلك ، يجب صياغة استراتيجية الدفاع الوطني الإيرانية ، والتي كانت مبعثرة وغير مكتوبة ولها جانب كامن ومفترض ، ونشرها في أقرب فرصة لتجنب سوء الفهم وأيضًا من أجل تقليل تكلفة التفاهم مع جيرانها. يمكن تسمية وثيقة استراتيجية الدفاع الوطني “وثيقة منهجية وأساسية تهدف إلى تغيير العقلية وزيادة جودة السيطرة على الأزمات”. يجب أن يُنظر اليها على أنها أداة لتفعيل الثقة ، وليس إجراءً رمزيًا محددًا ؛ لأن تغيير الوقت والظروف في المنطقة جعل تغيير الإجراءات أمرًا لا مفر منه.
التحــــليل: تعد ايران من ابرز القوى المطلة على الخليج العربي ، وخاضت سابقا حربا دامت لثمان سنين مع العراق ، انتهت باتفاق وقف اطلاق النار بعد ان كلفت الطرفين خسائر جسيمة. وبعد سقوط نظام صدام حسن في العراق وما رافقه من احداث ، كانت الفرصة سانحة لطهران لتعزيز قوتها الداخلية والخارجية والتخطيط للتوزيع نفوذها في المنطقة بهدوء .
وهنا في هذا المقال ، يقترح الكاتب مسعود رضائي ، وضع استراتيجية لما اسماه الدفاع الوطني الايراني ، أي الدفاع عن ما حققته بلاده من انجازات داخلية وخارجية ، وانتشار نفوذها في الدول الشرق الاوسطية ، في خضم هجمة مرتدة عنيفة يقودها ترامب امريكا ومعه اسرائيل ودول الخليج العربي .
فالعقوبات الامريكية ضد ايران والانهيار الاقتصادي العالمي نتيجة انخفاض اسعار البترول وهجمات وباء كورونا المدمرة على الشعوب، كلها قضايا ملحة تتطلب من صانع القرار الايراني اخذها بعين الاعتبار وتغيير الخطط الحالية التي لم تعد مناسبة لهذه الاوضاع المستجدة.
الكاتب يدعو بلاده الى (تهدئة اللعب ) مع الكبار في المنطقة، فالحرب بالتالي كر وفر ، وليس يعيب الدولة من اجل بقاء منجزاتها ان تنحني للعاصفة كما تنحني الشجرة المحملة بالثمار. بل ان السيد رضائي يدعو الى نشر الاستراتيجية الخاصة بالدفاع الايراني كما تفعل بعض الدول ، وذلك من اجل ازالة حالة عدم الوضوح والضبابية التي تحيط بالنشاط الايراني والتي تستغلها بعض القوى المعادية لاثارة الخوف والرعب والريبة من المشروع الايراني في المنطقة.
وهنا يلمح كاتب المقال الى حاجة بلاده الى بحبوحة من الهدوء كما حصل سابقا ، بعيدا عن الضغط الامريكي والاقليمي ، لكي تستعيد انفاسها وتعيد ترتيب اورقها مرة اخرى . كما انه يشير ، ولو بصورة خفية، الى منفعة العداء مع اسرائيل ، وكيف ان الاخيرة ، ومن خلال التطبيع واقامة العلاقات المتبادلة مع جيران ايران ، فانها بذلك تضيق الخناق على طهران وان أي استهداف لاحدى تلك الدول العربية من طرف ايران ، يعطي المبرر لاسرائيل لضرب طهران .
واخيرا، تدعو هذه المقالة الجريئة للسيد مسعود رضائي ، الى اتخاذ اجراءات مصيرية ومؤلمة ، والتخلي عن اخرى كانت من المسلمات، وهو بالتالي حال السياسة والعمل في جنباتها ، حيث لا وجود لعدو او صديق دائم ، هناك فقط مصالح دائمة.
رابط المقال الاصلي
https://www.cmess.ir/Page/View/2020-09-13/4592
