أ . م . حيدر خضير مراد
مركز الدراسات الاستراتيجية/ قسم الدراسات السياسية
يعد الشريف المرتضى من أبرز المتكلمين والفقهاء الشيعة في القرن الخامس الهجري /الحادي عشر الميلادي ، وقد وضع الاسس المتينة للفكر الشيعي الامامي في الفقه والكلام خلال تلك الحقبة الزمنية من التاريخ الإسلامي ، وأن محاولة دراسة الفكر السياسي الذي وجد في طيات آرائه الكلامية والفقهية والتقاط شذراته المتفرقة من خلال استدلالاته العقلية والنقلية لهو أمر جدير بالاهتمام من أجل أبراز أثر هذا العالم في ميدان الفكر السياسي الإسلامي .
- نبذة عن سيرته
هو علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن ابراهيم ، من احفاد الامام الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام ) (1) ، يكنى بأبي القاسم ، ويلقب بالمرتضى ، وعلم الهدى ، وذي المجدين ، والسيد ، والشريف (2) .
ولد سنة 355 هـ / 965 م (3) ، ومن اساتذته الشيخ المفيد (ت 413هـ / 1022 م ) ، وابو عبد الله المرزباني ( ت 384 هـ / 994 م ) ، وعلي بن عيسى الرماني ( ت 384 هـ / 994 م ) (4) ، تلقى علوم ومعارف متنوعة اسهمت في انضاج شخصيته العلمية ، ونتيجة لذلك تمكن الشريف المرتضى من احراز مكانة علمية متقدمة في عصره في علوم الفقه والكلام والأدب والتفسير ، وله مؤلفات كثيرة تناولت شتى فروع المعرفة الاسلامية منها : الشافي في الامامة ، والمسائل الناصرية ، وأمالي المرتضى ، وانقاذ البشر من الجبر والقدر وغيرها(5).
تولى الشريف المرتضى نقابة الطالبيين من قبل الخليفة العباسي القادر بالله ، كما تقلد امارة الحج والحرمين وولاية المظلم وقضاء القضاة لمدة تجاوزت الثلاثين عاماً (6) .
توفي سنة 436 هـ / 1044 م ، بعد ان أسدى الى الحركة العلمية في عصره خدمات كبيرة من خلال مؤلفاته التي تدل الباحث على خصب قريحة هذا المفكر المبدع والهامه لشتى فروع العلم والمعرفة (7) .
- ملامح من فكره السياسي
كان الشريف المرتضى عالماً كبيراً ، ونقيباً للطالبيين ، ومقيماً لعلاقات وطيدة مع الخلفاء العباسيين ومع سلاطين الدولة البويهية ووزرائها (8) ، وعليه يلزم ان تكون مسألة شرعية قبول المنصب في بلاط الحاكم الجائر مقرونة بشخصيته ، ومن المحتمل انه أدرك ضرورة توضيح وتقرير عمله للمجتمع الشيعي آنذاك (9) ، وهذا ما يوضح جانباً من الفكر السياسي عند الشريف المرتضى ، فقد كتب ” رسالة في العمل مع السلطان ” ، نحى فيها منحى استاذه الشيخ المفيد ، وأكُّد على جواز الانقياد للظالم المتُغلَّب ، وأعتبر : ” إنما الكلام في الولاية من قبل المتغلّب ، وهي على ضروب : واجب ، وربما تجاوز الوجوب الى الالجاء ، ومباح ، وقبيح ، ومحظور . فأما الواجب : فهو أن يعلم المتولي او يغلب على ظنه بأمارات لائحة ، انه يتمكن بالولاية من اقامة حق ، ودفع باطل او أمر بمعروف ونهي عن منكر ، ولولا هذه الولاية لم يتم شيء من ذلك ، فيجب عليه الولاية بوجوب ماهي سبب إليه ، وذريعة الى الظفر به ، واستشهد بالقرآن الكريم ، حيث ورد ان ” النبي يوسف ” تولى من قبل “العزيز” وهو ظالم ، وأن أمير المؤمنين ” علي بن أبي طالب ” قد فعل ماله هذا المعنى لأنه دخل في الشورى تعرضاً للوصول الى الامامة .
فأما ما يخرج الى الالجاء فهو ان يحمل على الولاية بالسيف ويغلب في ظنه انه متى لم يجب اليها سفك دمه فيكون بذلك مُلجئاً إليها ، فأما المباح منها فهو ان يخاف على مال له او من مكروه يقع به يحتمل مثله فتكون الولاية مباحة بذلك ويسقط عنه قبح الدخول فيها … ” (10).
اما فيما يخص نظرته الى ضرورة السلطة فهو يعتقد ان الامامة لطف واللطف هو كل ما يقرب المكلفين الى الطاعة ويبعدهم عن المعصية ، ويستدل على ذلك بقوله : ” ان الناس متى خلوا من الرؤساء ومن يفزعون اليه في تدبيرهم وسياستهم اضطربت احوالهم وتكدرت عيشهم وفشا فيهم فعل القبيح وظهر منهم الظلم والبغي وانهم متى كان لهم رئيس او رؤساء يرجعون اليهم في امورهم كانوا الى الصلاح اقرب ومن الفساد ابعد وهذا امر يعم كل قبيل وبلدة وكل زمان وحال ” (11) .
ويعتقد المرتضى انه لما كانت شريعة النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) غير منسوخة ومستمرة غير منقطعة ، وان فيها المصلحة للمكلفين الى يوم القيامة فانه لابد لها من حافظ ، وان الحافظ للشرع بعد الرسول أنما هو الامام الذي يفسر مجمل الشرائع ويبين اغراضها ويكون الملجأ في حالة الاختلاف في الادلة الشرعية ، وهو الذي يكون من وراء الناقلين في حالة اعراضهم عن النقل ، وقوله هو الحجة في الشرع (12) .
ويبدو مما ذهب اليه المرتضى انه ركز كثيراً على دور الامام في الدولة حين جعل مهمة الحفاظ على الشرع موكولة به بعد النبوة .
ويرى المرتضى ان الامام يجب ان يكون عالماً بجميع الاحكام الشرعية باعتباره حجة في الدين وحافظاً للشرع ، كما يتوجب ان يكون الأفضل بين الرعية في صفاته لقبح جعل المفضول رئيساً للفاضل ، ولكي تقبل الرعية بقوله ولا تنفر منه (13) ، كذلك يعتقد بتنزيه الامام عن ارتكاب الكبائر والصغائر قبل توليه الحكم وبعده (14) .
ويرى الشريف المرتضى ان طريق انعقاد الامامة أنما هو النص على الامام ، والنص قد يكون بالفعل والقول ، وقد يكون بالقول فقط ، والنص بالقول قد يعبر عنه في ظاهر القول ولفظه فيعتبر نصاً جلياً او يكون بالقول استنتاجاً فيعتبر نصاً خفياً (15) ، وهو بذلك يعارض مبدأ الاختيار كطريق لتولي الحكم في الدولة العربية الاسلامية .
هذه بعض ملامح الفكر السياسي عند الشريف المرتضى التي يمكن استنتاجها واستنباطها من اراءه الفقهية والكلامية التي دونها في بعض مؤلفاته ، وخلاصة القول ان الشريف المرتضى كان أبرز الفقهاء والمتكلمين الشيعة خلال القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي وقد تمكن من وضع الاسس المتينة للفكر الشيعي حول مفهوم الامامة بالاستناد الى العقل في الفقه والكلام ، وانه كان يمثل احد اقطاب الاتجاه السياسي – الكلامي في الفكر السياسي الاسلامي(16) ، إذ ان افكاره واراءه السياسية كانت موجودة ضمن طيات طروحاته الكلامية وقد تضمنت ادلة متينة على مستوى الافكار الكلامية تثبت احقية الامامة في مقابل الخلافة ، لكنه أكد على مبدأ المسالمة السياسية مع السلطة الحاكمة بإقامة علاقة تعايش وتعاون معها بهدف حماية الطائفة الشيعية وتأمين مصالحها ، وتوفيراً لحالة الاستقرار للمجتمع المسلم وانتظام أمره تلافياً للفوضى والفراغ المرفوضين ، كما يظهر في رسالته التي بعنوان ” مسألة في العمل مع السلطان ” ، كما أكد على ضرورة السلطة وعلاقتها باللطف الالهي وأهميتها في المحافظة على الشرع في المجتمع الاسلامي .
وبذلك كانت له اراءه وافكاره المتميزة في مجال الفكر السياسي والتي تعتبر مصدراً مهماً من مصادر التراث السياسي الاسلامي ، ونحن اليوم بحاجة الى دراسة هذا التراث الفكري السياسي المستنير لعلماء وفقهاء المسلمين والقاء المزيد من الضوء عليه من اجل الاستفادة منه في معالجة مشاكل واقعنا الاسلامي الراهن ومحاربة الفكر الارهابي المتطرف .
الهوامش :
- ابن خلكان ، أحمد بن محمد (ت 681 هـ / 1282 م ) ، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، تحقيق : أحسان عباس ، ( بيروت : دار صادر ، 1414 هـ / 1994م) ، ج3 ، ص313 ؛ الزركلي ، خير الدين ، الأعلام ، ط16 (بيروت : دار العلم للملايين ، 2005 م ) ، ج 4 ، ص278 .
(2) الطوسي ، محمد بن الحسن ( ت 460 هـ / 1067 م ) ، الفهرست ، ط2 ( النجف : المطبعة الحيدرية ،1380 هـ / 1960 م ) ، ص 125 .
(3) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ج 3 ، ص 316 .
(4) الشمري ، رؤوف أمجد محمد ، اعتزالية الشريف المرتضى بين الوهم والحقيقة ، مجلة رسالة التقريب ، العدد 25 ، ( قم : المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ، رمضان 1420هـ / 2000 م ) ، ص138 – 139 .
(5) الزركلي ، الأعلام ، ج 4 ، ص 278 .
(6) المعتوق ، أحمد محمد ، الشريف المرتضى حياته وثقافته أدبه ونقده ، ط1 ( بيروت : دار الفارس ، 2008 م ) ، ص 37 – 38 .
(7) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ج 3 ، ص 316 ؛ الشمري ، اعتزالية الشريف المرتضى ، ص 139 .
(8) فياض ، علي ، نظريات السلطة في الفكر السياسي الشيعي المعاصر ، ( بيروت ، 2010 م ) ، ص 124 .
(9) الشريف المرتضى ، علي بن الحسين الموسوي ( ت 436 هـ / 1044 م ) ، مسألة في العمل مع السلطان ، تحليل ودراسة : ولفرد مادلونج ، ترجمة : هاشم مرتضى ، مجلة العقيدة ، العدد الثالث ، ( ربيع الأول ، 1436هـ ) ، ص 291 .
(10) المصدر نفسه ، ص 295 – 296 .
(11) الشريف المرتضى ، الشافي في الامامة ، تحقيق : عبد الزهراء الحسيني ، ط2 (طهران: مؤسسة الصادق ، 1407هـ/1986 م ) ، ج 1 ، ص 47 .
(12) المصدر نفسه ، ج 1 ، ص 276 – 284 .
(13) المصدر نفسه ، ج 2 ، ص 7 – 8 .
(14) الشريف المرتضى ، تنزيه الانبياء ، ط2 ( د . م : دار الاضواء ، 1409 هـ /1989م) ، ص 23 – 24 .
(15) الشريف المرتضى ، الشافي في الامامة ، ج 2 ، ص 65 – 67 ؛ صادق ، جهاد تقي ، الفكر السياسي العربي الاسلامي ، ط1 ( بغداد ، 1993 م ) ، ص 119 .
(16) صادق ، الفكر السياسي العربي الاسلامي ، ص 107 – 119 .