الكاتب : بليدي سيلكو و وائل منصور
الناشر : معهد بروكينغز
ترجمة : هبه عباس محمد علي
عرض وتحليل : م.م. حوراء الياسري
المقدمة
غالباً ما تشير لعنة الموارد الى فشل الدول الغنية التي لا يمكنها الاستفادة من ثرواتها الطبيعية ، كما وتعاني من الصراع والفساد وعدم الاستقرار الاقتصادي التي تؤدي بذلك الى تآكل القدرة التنافسية مع ارتفاع سعر الصرف الحقيقي وتزايد البطالة ؛ وتتبع الحكومات سياسات مالية مسايرة للدورات الاقتصادية ويزداد الاعتماد على السلع الأساسية فضلا عن زيادة التعرض للصدمات الخارجية ، وقد تكون هناك العديد من اللعنات بالاضافة الى الحكومات الفاسدة والقطاع الخاص المتهالك، ويعد العراق أحد البلدان التي تعاني من هذا الامر بحسب بعض التقارير.
تحليل المقال
يوضح الكاتب انه على الرغم من امتلاك العراق لثروة نفطية جعلته من الدول الاقتصادية ذات الدخل المتوسط الأعلى الا ان مؤسساته ووضعه الاجتماعي والاقتصادي يشبه إلى حد كبير مؤسسات الدول المنخفضة الدخل ، والنمو فيها مرتبط بإنتاج النفط وليس على الإنتاجية المتنوعة لمختلف القطاعات الاخرى التي تساهم في بناء الاقتصاد الوطني ، وأوضح أن النظام التعليمي في الوقت الحالي تراجع وبشكل ملحوظ بعد ان كان النظام التعليمي في العراق بمقدمة أنظمة التعليم في الوطن العربي ؛ اضافة لتراجع حضور المرأة في سوق العمل واصبح معدل البطالة بين الشباب حوالي ٣٦٪ فضلاً عن تدهور البنية التحتية وسوق العمل ، والشكل رقم (١) يوضح كيف تسببت النزاعات الأخيرة بتكاليف اقتصادية ضخمة حيث قُدر نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018 بأنه أقل وبنسبة 20% مما كان عليه لولا صراع “داعش”.
كما وبين الكاتب انه بعد مضي عقدين من الزمان على حرب عام 2003، لا يزال العراق يعاني من عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات الاجتماعية المتنامية فضلاً عن الانقسام المتزايد بين الموطنين ؛ ففي خضم العديد من الأزمات بما فيها صدمة أسعار النفط ، ووباء COVID-19 ، اضافة للسياسات الاقتصادية غير المدروسة والعجزالتام عن معالجة الفساد جميع ذلك ساعد على ان يصبح أداء العراق السنوي الأسوأ على الإطلاق في عام ٢٠٢٠ منذ سقوط صدّام حسين .
كما ويؤكد الكاتب على وجود إجماع واسع النطاق على أن ايجاد فرص العمل ، وتحسين مستويات المعيشة للعراقيين يتطلب تحقيق الاستقرار، والحد من الاعتماد على النفط ، وهيمنة الدولة و تفعيل القطاع الخاص ، وتحقيق التكامل الإقليمي ، وتحسين الإدارة العامة لعائدات النفط . وبالرغم من أن هذه الأهداف تبقى صالحة من منظور فني (نظري) ، لكن المحاولات المتعاقبة لتحقيقها من قِبَل الحكومة والمانحين (عملياً) أثبتت انها صعبة التحقيق .وقد ارجع الكاتب سبب ذلك وحسب اعتقاده الى ان برامج الإصلاح في العراق كانت مصممة خارج إطار سياسي قوي يكون التغيير فيه من الداخل وليس الخارج .
وقد أوضح الكاتب ضرورة معرفة وفهم وتحليل الهشاشة والعنف والتنمية المحدودة تحليلاً دقيقاً للنظام السياسي في البلد ، وطبيعة العقد الاجتماعي ، اضافة للانقسامات في المجتمع . ومن الممكن أن يتم هذا باستخدام إطار تحليلي ينظر إلى ثلاثة مستويات من النزاع : الاول بين النخب السياسية ، والثاني بين الدولة والمجتمع ، والثالث بين المجموعات الاجتماعية . وإن تطبيق مثل هذا الإطار في البلدان الهشة والمتضررة بالصراع والعنف يساعد في معرفة أسباب فشل الإصلاحات ؛ ففي العراق تحولت هذه النزاعات الثلاث الى نوع من العنف اذ اصبح هناك صراع على السلطة و الموارد ، وانقسامات عرقية وطائفية فضلاً عن التدخلات الخارجية التي جعلت العراق ساحة للتنافس الجغرافي السياسي ، كما واسهم الاعتماد على النفط فقط في تردي الوضع على كافة المستويات مما زاد المنافسة بين النخب وتقويض مسائلة المواطن للدولة وعدم الاستفادة من إيرادات الدولة الأخرى ولاسيما الضرائب الامر الذي اسهم في انتفاء الحاجة الى المساءلة بين الدولة والمواطن والتي تعد من اساسيات بناء الدولة الناجحة .
وذكر الكاتب خط الصدع الجديد الذي ظهر مؤخراً وهو مقاومة المجتمع الحكومي اذ فشل الاتفاق الاجتماعي بين النخبة الحاكمة في العراق والشعب العراقي في تلبية مطالب الشعب وتأجيج السخط المتزايد على رداءة الخدمات وفساد الدولة ، كما وأظهرت الاحتجاجات الأخيرة ان الانقسام السياسي المتزايد أدى إلى تفاقم الصراع على السلطة واتساع الفجوة بين النخبة الحاكمة وبين دوائرها الانتخابية . وأوضح الكاتب أن 64% من العراقيين يرون إن بلادهم منقسمة بدلاً من ان توحدها ؛ ويؤكد الكاتب ، ان التوازن السياسي في البلاد سيصبح اكثر هشاشة في السنوات القادمة بسبب ديناميكيات الديموغرافيا والفوارق الإقليمية من حيث الفقر وتقديم الخدمات ، كما ان الروابط والثقة الاجتماعية تشهد انخفاضاً في المناطق المحررة من “داعش” كما وان معدلات الفقر هي الأعلى في الجنوب على الرغم من وجود الثروات النفطية الهائلة .
ويقترح الكاتب عددا من النماذج التي اعتبرها الافضل في التحولات الثلاث في التفكير التي يساعد هذا الاطار في تحديدها وهي :-
1-إعادة تركيز السياسة على التطور : على الرغم من ان الإصلاح المؤسسي عملية بطيئة ، لكنها تتطلب تشكيل تحالفات اصلاحية بين الحكومة والمواطنين من جميع الفئات الاجتماعية ولن يحدث التقدم في العراق مالم تتحول حوافز النخبة وتتبنى البلاد رؤية سياسية مشتركة تدرك الحاجة الفعلية الى نظام قادر على تحقيق التقدم والتطور لجميع فئات الشعب العراقي .
2-استعادة العقد الاجتماعي : بناء وتعزيز الثقة بين المواطن و الحكومة يتطلب رفع الظلم وتقديم الخدمات الاجتماعية و بث روح الأمل ، ويتطلب هذا تطوير المؤسسات لتتمكن من مكافحة الفساد الذي يخشاه المواطن ، وتعزيز مشاركته في تقديم الخدمات الأساسية و البنية التحتية ، وتأسيس عقد مالي مع المواطنين، وإيجاد السبل لخلق مناخ استثماري يؤدي إلى خلق فرص العمل للشباب العراقي .
3-إعادة النظر بالنموذج الاقتصادي : التركيز على تنويع محفظة الأصول الاستثمارية في العراق أولاً وقبل كل شيء الاستثمار في الناس ، وتحسين البنية التحتية ، وتعزيز قدرة المؤسسات على تقديم افضل الخدمات الاجتماعية و إدارة تقلب الاقتصاد الكلي وتنظيم المشاريع الخاصة .
خلاصة
في ضوء ما تقدم يتضح لنا مقدرة الكاتبين على وضع الاسس الرئيسية التي قد تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تردي الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق ؛اذ أرجعا سبب ذلك الى تفشي الفساد في اغلب مؤسسات الدولة وعدم وجود العدالة الفعلية في توزيع الدخل ومقدرات البلد اضافة لعدم استثمار الموارد المتاحة بصورة صحيحة وفعلية قد تساعد على احداث نهضة فعلية للبلد وعلى جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، اضافة لوضع الكاتبين ثلاثة نماذج قد يمكن المعني من خلالها الى ايجاد نوع من التوازن او اعادة الاستقرار في بناء الدولة للمساهمة بأحداث نهضة فعلية للبلد .
رابط المقال باللغة الانكليزية
https://www.brookings.edu/blog/future-development/2020/10/27/what-will-it-take-to-bring-back-growth-in-iraq/