الكاتب: م. مؤيد جبار حسن
قسم الدراسات السياسية – مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
تتصف الدول بطباع شعوبها ، وكيف لا ومكون البلدان هو الانسان ذاته. ومثلما يتصف الانسان بالعديد من الصفات والمزايا فتتصف الدولة أيضا بصفات افرادها، وتمر بما يمر به من تقلبات واحوال ونشاءات، وربما المصير والقدر المحتوم نفسه.
ومن تلك الاحوال والطباع التي تظهر على الدولة :
الدولة الرخوة : وهذا الصنف من الدول يعاني غياب سيادة القانون، وتفشي ظواهر سلبية في المجتمع منها (الواسطة) و (المحسوبية)، إلى جانب تراجع خطير لقيمة الإنسان ومستوى الدخل للمواطن في ظل عجز الدولة عن توفير أبسط متطلبات الحياة الكريمة. وهنا يعاني الفرد من العوز الشديد الذي يدفعه إلى سلوك بعض التوجهات غير المألوفة لتحقيق حاجاته ورغائبه المختلفة.
وهذه الدولة تبدو للناظر لها من بعيد ديمقراطية وعادلة في ظاهرها، من خلال وجود المؤسسات والقوانين والقرارات التي تتخذها، لكن الواقع يثبت غير ذلك، لوجود طبقة متنفذة تسيطر على الأمور، وتعمل على تحقيق مصالحها سواء أكانت على صعيد السياسات الداخلية أم السياسات الخارجية. فالانتخابات ، مثلا ، تجري في موعدها من دون تأخير ، ومن دون تزوير، لكن يتم شراء أصوات البسطاء والفقراء بأبخس الأثمان، وبالتأكيد من يدفع الأموال في أي مشروع يتوقع الأرباح قريبًا وسريعًا.
الدولة الضعيفة: من مواصفات هذه الدولة هو هشاشة الحكومة المركزية في السيطرة على اقليمها وحدودها، وقصور مؤسساتها المختلفة في القيام بواجباتها الوظيفية تجاه المواطنين، مثل الخدمات العامة، فضلًا عن ضعف السياسات الاقتصادية والاجتماعية، فيسود الانهيار في الأسواق والأخلاق.
وتتسم هذه الدولة بطغيان الطابع السلطوي على أنظمتها السياسية، وغياب المشاركة السياسية الفاعلة للمواطنين، وضعف إدارة التنوع الاجتماعي لديها، مما يسبب صراعات عرقية أو دينية تهدد استقرارها ووحدتها، كأن يؤدي حادث ارهابي إلى ايقاظ العنف الطائفي قد يجر الأطراف المتصارعة إلى حرب مذهبية يذهب فيها الأبرياء ضحايا على الهُوية واللقب .
الدولة الفاشلة: هشاشة الحكومة المركزية في هذا الطراز من الدول، سيذهب نحو الأسوأ، فهي غير قادرة أن تسيطر على اقليمها او شعبها ، مما يدفعها أن تلجأ الى الفاعل الخارجي ، من دول أو مؤسسات اقليمية أو دولية، لمعالجة فشلها .
و الفشل هنا سيطال سياسات تلك الدولة في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية، هذا فضلًا عن عدم قدرتها على تقديم الخدمات الاساسية للمواطنين، كذلك ستظهر مشاكل اجتماعية وأمنية خطيرة كانتشار الجريمة المنظمة وتفاقم الصراعات العرقية أو الدينية. وهنا سيلجأ المواطن هو الآخر الى فاعل آخر بعيدًا عن دولتهم، وسيتموضع المواطنون حول اطر طائفية أو مذهبية أو عرقية، للدفاع عن أنفسهم وتحقيق مصالحهم التي فشلت الدولة في تحقيقها، وقد يلجأ الفرد الى المجموع الذي ينتمي له أو ( العشيرة) فيحتمي بظله ويلوذ باعطافه، طلبًا للأمن والسلامة في مجتمع يخاف قانون القبيلة ولا يخاف قانون الدولة .
الدولة المنهارة: عندما يسري سم الفشل في جسد الدولة، ويصل إلى مراحله الأخيرة، عندها تكون الدولة قد وصلت إلى نهاية مغلقة، فلا حلول لازماتها السياسية والاقتصادية والأمنية، ومجتمعها المنهك يدار من قبل فواعل مختلفة تحاول أن تنشئ سلطة بديلة عن الدولة، أو دولة داخل الدولة، وذلك جراء سقوط نظام الحكم وتفكك مؤسساته، والسقوط هنا قد لا يكون بالمعنى الحرفي إنما هو سقوط معنوي و اخلاقي. ومن هذه الفواعل ، هناك قوى قومية أو طائفية أو قبلية أو نخب عسكرية أو حزبية، وهذه القوى تتبع جهات مختلفة.
من هنا، وفي ظل هذا الكيان المنهار، يمكن القول إن الدولة بالمعنى الحقيقي لا وجود لها ، وإنما هيكل مفرغ من محتواه ، يتستر به كل من لا يؤمن بوجود تلك الدولة و أهميتها ، في مفارقة ساخرة تضخك وتبكي في الوقت نفسه.
ويبدو، أخيرًا إن طور الدولة الواحد لا يمنح من يمر به ، كبعض الأمراض، مناعة ضد باقي الأطوار فقد تمر على دولة واحدة، لتعاسة شعبها، كل تلك الأطوار بما تحمله معها من سنوات قحط وتيه وضياع هُوية، وموت للإنسان ، خليفة الله في الارض.