م. م. تمارا كاظم مناتي
باحثة مشاركة في قسم الدراسات السياسية
المقدمة:
يمثل انشاء المناطق الخالية من الاسلحة النووية أحد اهم المداخل الرئيسة للتعامل مع المشكلات التي اثارتها الاسلحة النووية منذ العام 1945، ومنها مشكلة منع انتشار الاسلحة النووية، عن طريق اقامة ترتيبات أمنية بين دول اقليم معين، لتقليص التهديد النووي لدول الإقليم، وحمايتها من التعرض لمخاطر استخدام الاسلحة النووية والمساهمة في منع الانتشار الأفقي، وتعزيز الثقة وتحسين العلاقات بين الدول، فضلاً عن تسهيل وتشجيع التعاون في مجال تنمية الطاقة النووية واستخدامها في الأغراض السلمية.
أولاً:- مفهوم المناطق الخالية من الأسلحة النووية.
تعد المنطقة الخالية من الاسلحة النووية منطقة لا يجوز فيها للدول بناء، أو امتلاك أو نقل،أو نشر أو اختبار الاسلحة النووية ، وعلى الرغم من وضوح فكرة المناطق الخالية من الاسلحة النووية، إلا أن هناك اختلاف بين الباحثين في تحديد تعريفها ، وأن كان هذا الاختلاف في المضمون، بيد انه ثابت ومتفق عليه في الجوهر، وهو الاخلاء الشامل للأسلحة النووية، إذ يعرفها (سافيتا باند) على انها كيان قاري محدد، واقليم جغرافي معترف به عادة يحظر فيه صناعة وتلقي وتخزين وتركيب الاسلحة النووية، في حين يعرفها كل من (جان بولدن وديفيد كوكس) بانها مناطق محددة جغرافياً يتم فيها حظر وجود، أو صناعة، أو اختبار الاسلحة النووية، أما(جان براوتز وجيمس ليونارد) اللذين يشيران إلى أنها مفهوم مختصر يعبر عن منظومات للأمن الإقليمي، مستقلة، أو مكملة للترتيبات العالمية أو الإقليمية الأخرى، على أن التعاريف السابقة وان كانت تختلف في تناولها للمفهوم بيد انها بصورة عامة تؤكد على الاتي:-
- نطاق محدد اي وجود منطقة جغرافية محدد قد تكون قارة او اقليماً او اي مساحة ما، وتحدد إطراف هذه المنطقة في اطار هذا النطاق.
- الخلو النووي اي الحظر العام للأسلحة النووية بموجب التزامات تتحدد بها الأطراف في المنطقة المعنية.
وفضلاً عن هذهِ التعاريف فأن الجمعية العامة للأمم المتحدة أقرت تعريف للمناطق الخالية من الاسلحة النووية بناءً على اقتراح مكسيكي، في قرارها المرقم(3473) في كانون الأول 1975، إذ عرفت المنطقة الخالية من الاسلحة النووية كقاعدة عامة: اية منطقة تعترف بصفتها هذه الجمعية العامة للأمم المتحدة وتنشئها اية مجموعة من الدول على سبيل الممارسة الحرة لسيادتها، وذلك بمقتضى معاهدة او اتفاقية يجري بموجبها ما يأتي:-
- تحديد نظام الخلو التام من الأسلحة النووية الذي تخضع له المنطقة المعنية، بما في ذلك الإجراء الخاص بتعيين حدود المنطقة.
- إنشاء جهاز دولي للتحقق والمراقبة لضمان الامتثال للالتزامات الناشئة عن ذلك النظام.
ثانياً:- المفاهيم المقاربة.
- نزع السلاح: وهي محاولة القضاء على التسلح أو الحد منه بصورة جذرية، عندما تتوصل الدول إلى اجماع على أن امتلاك أسلحة معينة لم يعد مبرراً، لذلك تعد المناطق الخالية من الأسلحة النووية احدى التطبيقات النوعية للمناطق المنزوعة من السلاح، على ان المناطق المنزوعة من السلاح تعني اخلاء منطقة معينة من الاسلحة والمعدات والمنشآت والقواعد العسكرية، وتحريم مباشرة اي نشاط عسكري فيها من اي نوع دون غيرها، وفقاً لاتفاق دولي بين اطراف المنطقة المعنية، أي أن المناطق المنزوعة من السلاح هي اطار شامل يجرد منطقة ما من بكل أنواعها، في حين المناطق الخالية من الاسلحة النووية هي اطار جزئي لذلك الاطار الشامل يجرد منطقة ما من الاسلحة النووية ونشاطاتها.
- ضبط التسلح: وهو احدى طرائق التعامل مع انتشار الأسلحة هي اتفاقيات ضبط التسلح، والسبب وراء ذلك هو ظهور الأسلحة النووية والخطر المتمثل بالحرب النووية بين القوى العظمى، فضبط التسلح يعد الطريقة الوحيدة لضمان سلامة العلاقات الدولية عن طريق إلغاء الأسلحة ومنها ضمنها الأسلحة النووية من حسبان الدول.
- اللانووية: أن مصطلح المناطق اللانووية يعد بدايات لظهور مفهوم المناطق الخالية من الأسلحة النووية، والذي يخدم عملياً أغراض منع حيازة المزيد من الدول الأسلحة النووية وباقي أسلحة التدمير الشامل، وكذلك منع أو إزالة ونزع الأسلحة في مناطق جغرافية وبيئات معينة.
ثالثاً:- تطور فكرة أنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية.
أن فكرة إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية تطورت عبر مراحل تاريخية مختلفة، إذ ظهرت فكرة انشاء هذهِ المناطق كجزء من مشاريع فك الاشتباك في اوربا من خلال مواجهة بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي، فمنذ عام 1958 وقبل عشر سنوات من توقيع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية تقدمت الحكومة البولندية بإقتراح اطلق عليه اسم (خطة راباسكي) من أجل إقامة منطقة خالية من السلاح النووي في اوربا الوسطى، ولم تكن هناك فرصة امام خطة راباسكي لكي تصبح موضوع معاهدة دولية، ومع ذلك فأن العديد من العناصر التي تضمنها هذا الاقتراح اعتمدت كخطوط ارشادية من أجل إقامة المناطق منزوعة السلاح النووي، فقد أكدت المادة السابعة من معاهدة عدم الانتشار على وجود خمس مناطق خالية من الأسلحة النووية وهي أمريكا اللاتينية ( معاهدة تلاتيلولكو لعام 1967)، وجنوب المحيط الهادي (معاهدة راروتونغا لعام 1985)، وجنوب شرق أسيا ( معاهدة بانكوك لعام 1995)، وافريقيا (معاهدة بليندايا لعام 1996)، وآسيا الوسطى (معاهدة سيميبالاتينسك لعام 2006).
في حين أدرج موضوع إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط لأول مرة في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1974 بناءً على طلب مقترح من إيران التي انضمت إليها مصر في وقت لاحق، إذ اشتركت مصر وإيران في تقديم مشروع قرار اعتمدته الجمعية العامة في ما بعد بوصفه القرار (3263) (د-29) بتاريخ 9 كانون الأول 1974، وقد ذكرت إيران بأنه لا يمكن إنشاء مثل هذهِ المنطقة في هذا الجزء من العالم إلا في وجود جو من الثقة، بينما ركزت مصر على أن الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية هو شرط مسبق لإنشاء أي منطقة خالية من الأسلحة النووية تكون فعالة ومحددة، مما جعل الجمعية العامة تدعو جميع الأطراف المعنية بالقرار الى الإعلان فوراً عن عزمها على الامتناع على أساس متبادل عن انتاج أسلحة نووية، أو اقتنائها على أي نحو آخر.
الخاتمة:
أن مفهوم المناطق الخالية من الأسلحة النووية ظهر من الادراك أن عدداً من الدول في مناطق لديها القدرة أو يمكن أن تكون لديها القدرة على أن تكون لها قوة نووية في فترة قصيرة نسبيا، الأمر الذي يمكن أن يشكل تهديدات، وأن يعجل بحدوث سباق تسلح نووي في هذه المناطق، وبنظرة أوسع تعتقد الباحثة إن الغرض من المناطق الخالية من الأسلحة النووية هو توفير وسيلة أخرى للحيلولة دون انتشار الأسلحة النووية ولإيقاف سباق التسلح النووي ، أو يمكن استعماله كأداة لخلق اطار للتعاون الاقليمي في مجال استعمال الطاقة النووية في الأغراض السلمية؛ وبالتالي هذه من شأنه أن يحقق المصالح القومية والاقليمية في هذه المناطق.
المصادر:
- إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط النظم الدولية لمنع الانتشار والتجارب الإقليمية، وثيقة الأمم المتحدة، معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح، جنيف – سويسرا، 2004.
- د. تيسير الناشف، المناطق الخالية من الأسلحة النووية المفهوم والاهداف، دراسة منشورة، موقع البيان، 28 شباط 1999، على الموقع الالكتروني:
https://www.albayan.ae
- كرار أنور ناصر، معوقات اخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، دراسة بحثية منشورة، المركز الديمقراطي العربي، برلين- المانيا، 27 أيلول 2014.
- مارتن غريفيثس ، وتيري أوكالاهان، المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية، مركز الخليج للأبحاث، الامارات العربية المتحدة، 2008.
- مجموعة مؤلفين، الخيار النووي في الشرق الأوسط، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، 2001.
