م. ميثاق مناحي العيسى
قسم الدراسات السياسية
تشرين الثاني/ 2020
يعد الاتفاق النووي بين إيران ودول (5+1) الذي أُبرم في عهد الرئيس الأمريكي الاسبق باراك اوباما في العام 2015، من أكثر الاتفاقات الدولية إثارةً، سواء في مرحلة المفاوضات أو ما بعدها، وكان محط نقاشات وتكهنات مطولة ومختلفة على المستويين الرسمي وغير الرسمي. إذ يعد احدى النقاط الاساسية التي ركز عليها الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب في دعايته الانتخابية ووصفه بالخطأ التاريخي، وتوّعد بإلغائه حال فوزه في ولايته الأولى، وهذا ما تم بالفعل بعد توليه رئاسة الولايات المتحدة خلفا لأوباما، إذ اعلن الرئيس الأمريكي في 8 أيار 2018 عن انسحاب بلاده من الاتفاق، رافضاً صيغته وبنوده، التي تمكن الجانب الإيراني من حيازة السلاح النووي “حسب رأيه”. مطالباً بقية اطراف الاتفاق بالانسحاب منه، ومخيراً طهران بين الجلوس لإعادة التفاوض حول برنامجها النووي أو فرض المزيد من العقوبات. في هذا المقال سنحاول أن نستقرأ مستقبل الاتفاق ما بعد ترامب وفقاً للمتغيرات التي احدثتها نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة.
بعد قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي كتبتُ مقال([1]) عن مصير الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأمريكي، وكانت خلاصته تقول: “هناك رؤية شاملة للاتفاق لا يمكن أن تتحدد خلال الفترة الحالية، ولا يمكن أن تتوقف على طرف دون غيره، وربما الدول الأوروبية ستسعى للحفاظ عليه، لحين انتهاء ولاية الرئيس دونالد ترامب الاولى، وعدم التجديد له لولاية ثانية، ومن ثم النظر في مستقبل الاتفاق وفقاً لتطلعات الإدارة الأمريكية الجديدة، ولاسيما مع الاعتراضات الداخلية والخارجية التي قوبل بها قرار الانسحاب من الاتفاق على الصعيد الرسمي وغير الرسمي… ولهذا فأن مصير الاتفاق النووي لا يمكن أن يتحدد خلال الفترة الحالية، وإنما سيتحدد بمرور الوقت”. هذه الفرضية تأكدت لحد الآن، وربما تؤكد أكثر من خلال تطلعات الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن ومنهجه السياسي العام المتمثل بسياسة ونهج الحزب الديمقراطي، ولاسيما أن بايدن كان ضمن الفريق السياسي والحكومي في الإدارة الأمريكية التي توصل إلى هذا الاتفاق في عهد الرئيس باراك اوباما.
على الرغم من أن بايدن تعهد خلال حملته الانتخابية وفي حال فوزه بان يتبني سياسة ثلاثية الأبعاد تتضمن الالتزام بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وعرض طريق واضح للعودة إلى الدبلوماسية والتفاوض، بحيث يعمل مع حلفاء بلاده على تعزيز وتوسيع بنود الاتفاق النووي، فضلاً عن مواصلة العمل ضد أنشطتها “المزعزعة للاستقرار التي تهدد أصدقاء وشركاء الولايات المتحدة في المنطقة”. فهو يتفق مع ترامب في رؤيته لإيران باعتبارها قوة “مزعزعة للاستقرار” في المنطقة، ولا يجب السماح لها بتطوير أسلحة نووية، لكنه يتبنى نهجاً مختلفاً في التعامل مع هذا الخطر. إلا أن الأمر لا يبدو بتلك السهولة، ولاسيما أن طهران قد استأنفت أجزاء من البرنامج النووي الذي فككته خطة العمل المشتركة الشاملة، وما يزال نفوذها في المنطقة يهدد استقرار الكثير من العواصم العربية، فضلاً عن مشروعها الصاروخي الباليستي وتهديدها للمصالح والنفوذ الأمريكي وحلفاءهُ في المنطقة. وبهذا الاتجاه تحدث بايدن أمام مجلس العلاقات الخارجية قائلاً: “إذا عادت إيران إلى الامتثال لالتزاماتها النووية، فسأعاود الدخول في خطة العمل الشاملة المشتركة كنقطة انطلاق للعمل جنبًا إلى جنب مع حلفائنا في أوروبا والقوى العالمية الأخرى لتمديد القيود النووية للاتفاق”. إلا أن إيران رفضت العودة إلى الاتفاق مرة أخرى، وهذا الرفض ربما يكون المراد منه الحصول على تنازلات من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة لصالحها والاتفاق النووي، بما يضمن عدم تضمين مشروعها الصاروخي ودورها المزعزع لأمن المنطقة، والملفات التي لم تضّمَن في بنود الاتفاق السابق، فضلاً عن ذلك، ربما طهران تريد أن تتعكز في رفضها للجلوس على طاولة المفاوضات مرة ثانية، من أجل الحصول على تنازلات أكثر من قبل الادارة الأمريكية الجديدة، ولاسيما فيما يتعلق بتعويضها اقتصادياً جراء الانهيار الذي تعرضت له نتيجة العقوبات الأمريكية التي فرضتها إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، وهناك من يرى بأن وعود بايدن، هي السبب وراء الرفض الإيراني في العودة إلى طاولة المفاوضات مع واشنطن.
بالمجمل، يبدو بان مستقبل الاتفاق في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة افضل من ذي قبل ومن الممكن أن يعاود الطرفان الجلوس على طاولة المفاوضات، إلا أن العودة إلى الاتفاق النووي بصيغته السابقة لن تكون بالأمر السهل، ولاسيما أن طهران قد استأنفت انشطتها النووية منذ عامين، وهذا ما يعكسه حديث مستشار بايدن للشؤون الدولية “أنتوني بلينكن” الذي كان نائباً لوزير الخارجية في إدارة أوباما بقوله: “إن أوضاعاً كثيرة اختلفت منذ انسحاب واشنطن من ذلك الاتفاق النووي”. لهذا يعتقد الكثيرون بأن بايدن وفريقه السياسي قد يذهب إلى ما هو أبعد من خطاب العودة للاتفاق النووي، بالتفاوض على اتفاق جديد، قد يعالج من خلاله الثغرات التي تضمنها الاتفاق السابق، وتمديد الفترة الزمنية التي تمّكن طهران من الحصول على برنامج نووي سلمي،
ويرى بعض المتفائلين، من الممكن أن يناقش الاتفاق النووي الجديد دور إيران في المنطقة؛ وذلك من أجل تطمين دول الخليج وحلفاء الولايات المتحدة، وهذا بالتأكيد لا يعجب طهران، التي تحاول فرض صيغة الاتفاق القديمة دون تضمين أي ملفات أخرى من شانها أن تعيق دورها في المنطقة؛ ولهذا قد يكون رفضها المعلن للجلوس على طاولة المفاوضات مرة ثانية نابع من تلك الاسباب، ألا أنها في الأخير ستكون مجبرة في الجلوس على طاولة المفاوضات حتى وأن تضّمن الاتفاق معالجة الثغرات التي اغفلها الاتفاق السابق؛ وذلك لصعوبة وضعها الداخلي، الذي ارهقته العقوبات الأمريكية.
[1])). رابط المقال على موقع مركز الفرات: http://fcdrs.com/polotics/1051