الاثر القانوني لأمتناع الرئيس العراقي عن تصديق مشروع قانون الاقتراض

      التعليقات على الاثر القانوني لأمتناع الرئيس العراقي عن تصديق مشروع قانون الاقتراض مغلقة

الدكتورة روافد الطيار

باحثة في قسم الدراسات القانونية ،مركز الدراسات الاستراتيجية
1 كانون الاول 2020

انتشر مؤخراً موقف الرئيس العراقي السيد (برهم صالح) من مشروع قانون الاقتراض الاخير ، والمتضمن عدم موافقته على التصديق على قانون الاقتراض بسبب عدم تضمين هذا القانون رواتب موظفي إقليم كردستان العراق .
بغض النظر عن سبب رفض التصديق ،السؤال الذي يثار هنا :هل يمتلك رئيس الدولة حق عدم التصديق على مشروعات القوانين المقدمة من قبل مجلس النواب ؟ وماهو الاثر المترتب على عدم المصادقة؟
إن التصديق من قبل رئيس الدولة على مشاريع القوانين المقدمة من قبل مجلس النواب إجراء يتفق ومبدأ الفصل بين السلطات كونه أداة للتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الانظمة البرلمانية ، فلا يكفي لاحترام المبدأ أن تباشر كل سلطة الاختصاصات التي حددها الدستور ، لان تقسيم العمل بين سلطات الدولة المختلفة لا يحول دون مشاركة كل سلطة لإختصاصات الأخرى ، فكثيراً ما يؤدي هذا الحق إلى توجيه نظر البرلمان إلى الاعتداد بملابسات خاصة كان قد أغفلها حينما أقر مشروع القانون . فضلاً عن ذلك فأنه أداة للتعاون كونه يشكل ضرباً من ضروب المساهمة من قبل السلطة التنفيذية في ممارسة جزءً من الاختصاص التشريعي المنوط بالسلطة التشريعية ، إضافة إلى ممارسة قدرا من الرقابة الوقائية من قبل السلطة التنفيذية على العمل التشريعي للسلطة التشريعية والتي تمنع صدور قانون غير مشروع.
أشار دستور جمهورية العراق النافذ لعام 2005 إلى حق رئيس الجمهورية في التصديق على القوانين والاعتراض عليها وذلك في حالتين وهما : الحالة الاولى هي مرحلة الرئاسة الجماعية والمرحلة الثانية هي مرحلة الرئاسة الفردية .
أولا :- مرحلة الرئاسة الجماعية:
نظم المشرع الدستوري العراقي (الرئاسة الجماعية) المادة 138/أولا ضمن الاحكام الانتقالية ،وهي تعد فترة مؤقتة للدورة النيابية الاولى فقط بعد نفاذ الدستور العراقي لعام 2005.
ويتكون مجلس الرئاسة من رئيس الدولة ونائبين ينتخبهم مجلس النواب بأغلبين الثلثين من أعضائه ، ويمارس مجلس الرئاسة التصديق على مشاريع القوانين والاعتراض عليها بالالية الاتية :
– ترسل مشاريع القوانين التي يسنها مجلس النواب إلى مجلس الرئاسة لغرض الموافقة عليها بالاجماع واصدارها خلال عشرة ايام من تاريخ وصولها اليه باستثناء ما ورد في المادتين (118) و(119) من هذا الدستور والمتعلقتين بتكوين الأقاليم.
– و في حالة عدم موافقة مجلس الرئاسة، تعاد مشاريع القوانين إلى مجلس النواب مشفوعة بأسباب رفض التصويت لاعادة النظر في النواحي المعترض عليها والتصويت عليها بالاغلبية وترسل ثانية إلى مجلس الرئاسة للموافقة عليها.
– في حالة عدم موافقة مجلس الرئاسة للمرة الثانية على مشاريع القوانين خلال عشرة ايام من تاريخ وصولها اليه تعاد إلى مجلس النواب الذي له ان يقرها باغلبية ثلاثة اخماس عدد اعضائه،غير قابلة للاعتراض و تعد مصادقا عليها.
بناءا على ماذكرناه أعلاه فأن المشرع الدستوري أخذ بالاعتراض النسبي الموصوف ،حيث يحق له عدم التصديق على مشروع القانون لمرتين ،إلا إنه تبقى الكلمة الاخيرة لأصدار القانون هي لمجلس النواب بأغلبية موصوفة وهي ثلاثة أخماس عدد الاعضاء ،إضافة إلى اشتراط الدستور لأتخاذ أي قرار من مجلس الرئاسة لابد أن يكون بالاجماع فلا يحق تمرير مشروع القانون بصوتين من اعضاء مجلس الرئاسة،وحسنا فعل المشرع الدستوري بتفعيل الاعتراض على مشاريع القوانين من قبل رئيس الدولة وإن لم تطبق ولو لمرة واحدة خلال فترة الرئاسة الجماعية .
ثانيا:- مرحلة الرئاسة الفردية :
يقصد بالرئاسة الفردية شغل منصب رئيس الدولة من قبل شخص واحد يمارس كافة صلاحيات رئيس الدولة التي نص عليها الدستور.
يتمتع رئيس الدولة أستنادا إلى المادة (67) بمجموعة من الاختصاصات منها التصديق على مشروعات القوانين ودون أدنى اشارة إلى حق رئيس الدولة في الاعتراض على القوانين ،حيث يمارس رئيس الدولة حق التصديق وأصدار مشاريع القوانين التي يسنها مجلس النواب، وتعد مصادقا عليها بعد مضي خمسة عشر يوما من تاريخ تسلمهاوفق المادة 73/ثالثا ، ولم يشر المشرع الدستوري العراقي إلى حق الاعتراض على مشاريع القوانين كما هو عليه الحال في الرئاسة الجماعية .
إذا هل يتمتع رئيس الدولة بحق الاعتراض على القوانين استنادا إلى المادة (138) ؟؟
أجابة المحكمة الاتحادية العليا ،وهي الجهة القضائية المختصة بتفسير نصوص الدستور على هذا التساؤل بناءا على طلب الاستفسار المقدم من قبل مكتب نائب رئيس الجمهورية في 29/3/2009 ، وقد أصدرت المحكمة قرارها بهذا الخصوص والمتضمن أن المادة (73) من الدستور قد أوردت الصلاحيات التي يتولاها رئيس الجمهورية ومنها ما ورد في الفقرة (ثالثاً) من المادة أنفة الذكر التي تنص ((يصادق ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب وتعد مصادقاً عليه بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها))، أما الصلاحية المنصوص عليها في المادة (138/خامساً) من الدستور فإنها انيطت حصرياً بمجلس الرئاسة المشكل بموجب المادة (138) ولم يرد ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في المادة (73) من الدستور وأن المادة (138/ سادساً) من الدستور نصت على ((يمارس مجلس الرئاسة صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في الدستور)) . أي أن مجلس الرئاسة يمارس أضافة إلى الصلاحيات المنصوص عليها في المادة (138) من الدستور صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في المادة (73) ولدوره واحدة وبناء عليه فان رئيس الجمهورية في الدورات القادمة لا يملك الصلاحية المنصوص عليها في الفقرة (خامساً) من المادة (138) لأنها لم ترد في المادة (73) من الدستور ولهذا نخلص إلى أن موقف القضاء ممثلاً بالمحكمة الاتحادية العليا بأنه لا يمتلك رئيس الجمهورية صلاحية النقض المنصوص عليها في المادة (138/ ثانياً) في الدورات القادمة والمنوطة بمجلس الرئاسة.
إلا إنني لاأتفق مع رأي المحكمة الاتحادية العليا حيث عدم الاشارة إلى حق الاعتراض لا يعني عدم تمتعه بهذا الحق ، وإن لم يذكر بشكل صريح عدم تمتع رئيس الدولة بحق الاعتراض على مشاريع القوانين ، وبالتالي فإن فقدان النص الصريح يحمل الاتجاهين منح الحق لرئيس الدولة بالاعتراض بسبب عدم النص على خلاف ذلك والعكس صحيح عدم منح رئيس الدولة حق الاعتراض بسبب عدم ذكر ذلك صراحةً ، وبما إن المشرع الدستوري أخذ بحق الاعتراض في مرحلة الرئاسة الجماعية فمن باب أولى تطبيقه على مرحلة الرئاسة الفردية، إلا إننا في هذه الحالة نكون أمام عائق آخر وهو ما الأجراء المتبع في حالة عدم مصادقة رئيس الدولة على مشروع القانون .
أما من حيث الواقع العملي نجد أن رئيس الجمهورية السابق جلال طالباني قد امتنع عن تصديق مشروع قانون لتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة1971 في عام 2010 ،عندما رفض نص المادة (136/ب) كونها توفر حماية للمسؤولين عن جرائم الفساد المالي والإداري في الوزارات، ولقد اخذ مجلس النواب بملاحظات واعتراضات رئيس الجمهورية وقام بإعادة النظر في مشروع القانون وألغى المادة (136/ب) من مشروع تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية، أي إنه أخذ بالاعتراض التوقيفي أي أيقاف المصادقة على مشروع القانون ، وكذلك رفض الرئيس العراقي السابق ( فؤاد معصوم ) المصادقة على قانون الموازنة المالية لعام 2018 ، معللا رفضه بوجود (31) مادة في مشروع القانون تعارض التشريعات النافذة و قرر إعادة الموازنة إلى مجلس النواب ، مشيرا إلى أن البرلمان عليه أن يعيد النظر ببعض فقرات الموازنة إذا كانت لا تتوافق مع الدستور.
ونظراً لأهمية الاعتراض الذي يقدم من قبل رئيس الدولة على مشاريع القوانين ،ودوره في خلق نوع من التوازن بين السلطتين نوصي مايأتي:
1 –       معالجة المشرع الدستوري العراقي النقص الدستوري الخاص بضرورة منح رئيس الجمهورية حق الاعتراض على مشروعات القوانين ، لما له من أهمية كبيرة في تعزيز وتقوية مكانته في النظام السياسي العراقي ، فضلاً عن ذلك فأنه يجسد التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الدولة  .
2- أن يكون الاعتراض توقيفي نسبي ويقدم مشفوعا بأسباب الاعتراض لغرض إعادة النظر به من قبل مجلس النواب ولمرة واحدة.
3-  تعديل المادة 73 / ثالثا بحيث تكون كالاتي (يصادق ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب، وتعد مصادقا عليها بعد مضي خمسة عشر يوما من تاريخ تسلمها. وفي حالة عدم موافقة رئيس الجمهورية ، تعاد القوانين والقرارات إلى مجلس النواب لاعادة النظر في النواحي المعترض عليها والتصويت عليها بالاغلبية المطلقة وترسل ثانية إلى رئيس الجمهورية للموافقة عليها).