م. علي مراد النصراوي / قسم ادارة الازمات
تحدثنا في مقال سابق عن طبيعة الصراع ما بين المغرب وجبهة البوليساريو والمشاكل التي ادت لتفاقم ذلك النزاع حول الاعتراف بالصحراء الغربية ، وحجم التحديات التي تحول دون الوصول لاتفاق شامل ينهي تلك الحقبة مع تراجع الدعم الخارجي المقدم لجبهة البوليساريو لاسيما من قبل ليبيا والجزائر اللتان انشغلتا كثيراً بالمشاكل الداخلية التي حالت دون استمرار الدعم للجبهة ، وحتى مع تدخل الامم المتحدة ولعدة مرات الا انها باءت بالفشل ودون اللجوء لحسم ينهي حقبة طويلة من الصراع ، ومع تحرك المغرب مؤخراً نحو فرض السيطرة على الصحراء ظهر عامل قوي يدعم تلك التحركات لاسيما بعد ان اعلن الرئيس ترامب عن تطبيع بالعلاقات ما بين المغرب واسرائيل وهنا لابد من اخذ الموضوع من زواياه المختلفة .
منذ ان تولى ترامب الرئاسة ومن اولى القرارات التي اتخذها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة الولايات المتحدة اليها ، فيما سعى وبكل الادوات المتاحة والضغط والاقناع والمساومة نحو انفتاح بعض الدول العربية للتطبيع مع اسرائيل ، وكانت اولى الدول هي الامارات العربية المتحدة لتتبعها كل من البحرين والسودان في حفل جمعهما مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بحضور الرئيس الامريكي ترامب ، والذي اعتبر ان تطبيع هذه الدول هي بداية الطريق نحو السلام في المنطقة معلناً عن توجه دول جديدة نحو التطبيع ، وبعد ردود فعل شعبية في بعض الدول الرافضة لمثل هكذا خطوة ، تقدمت المملكة المغربية باتجاه التطبيع وجاء الاعلان ايضاً من الرئيس ترامب وهو في اخر ايام ولايته الرئاسية بعد خسارته امام جوبايدن ، عن هذا التطبيع وبمختلف الدول لم يكن بإرادة تلك الدول ولا شعوبها وهو ما ينذر باحتمالية الرجوع عنها متى ما انتهت عوامل الضغط فالحكومات تتغير والشعوب باقية ، فالإمارات والبحرين هما ليستا بأهمية العراق وسوريا بالنسبة لإسرائيل ولا يملكان حدود مشتركة ولا مصالح تاريخية او دينية ومعنى ذلك هو تطبيع اعلامي اكثر من كونه استراتيجي او مصلحي ، في مقابل ذلك فالسودان ما ان اعلنت التطبيع حتى سارعت الولايات المتحدة لرفعها من القوائم السوداء او من قوائم الدول الراعية للأرهاب وهنا عامل المساومة والضغط يظهران بقوة .
اما حالة المغرب قد تكون مشابه لحالة السودان فالولايات المتحدة وبعد يوم واحد من اعلان التطبيع ما بين المغرب واسرائيل سارعت لإعلان احقية السيادة المغربية على الصحراء الغربية دون الاكتراث للطرف الاخر ومطالب ونضال وتضحيات الصحراويين ، ولا اكترثت لأهمية ودور الامم المتحدة الساعية لحل الازمة بالطرق المتعارف عليها بما يرضي طرفي النزاع ، وهذا يدل على ان ادارة ترامب تود وبشتى الطرق ان تدفع هذه الدول نحو التطبيع مهما كان الثمن وقبل مغادرة ترامب الرئاسة ، وهناك تصريحات عن قرب تطبيع السعودية وعمان وهو ما قد يحدث فعلاَ نظرا للتصريحات والمبررات التي تطلقها تلك الدول ، فيما تبقى الجزائر التي اعترضت وانتقدت خطوة المغرب الاخيرة من اشد معارضي التطبيع كذلك العراق وسوريا هذه الدول الثلاث لا تمتلك أي تمثيل دبلوماسي مباشر او غير مباشر ولا تربطهما اية علاقات مع اسرائيل بعكس البقية ، ولبنان ايضاً التي دخلت في مفاوضات لترسيم الحدود البحرية قد نشهد مستقبلاً اتفاقيات اكثر عمقاً ما بين الطرفين .
في نهاية الامر فأن المغرب قد سارع للتطبيع لأمرين اولها الاعتراف والزحف والسيطرة على الصحراء واعلان السيادة عليها والامر الاخر نكاية بالجزائر وتوجيه ضربة جديدة لها وقد تأتي ادارة امريكية جديدة تلغي الاعتراف بسيادة المغرب وتدعو لإيجاد حل يرضي الصحراوين وهذا ما قد يحدث في عهد الرئيس الامريكي المنتخب .