تهديدات ترامب العسكرية باستهداف ايران…. قراءة في الاسباب والتداعيات

      التعليقات على تهديدات ترامب العسكرية باستهداف ايران…. قراءة في الاسباب والتداعيات مغلقة

 

م.د. حمد جاسم محمد

قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء

كانون الثاني 2021

تعد منطقة الخليج العربي ضمن ما يسمى حزام او منطقة الازمات الدولية، فهذه المنطقة وبعد اكتشاف النفط فيها باحتياطات ضخمة صبحت ضمن مناطق الصراع الدولية، فقد شهدت عدة ازمات وحروب ولا زالت تواجه العديد من التحديات، ورغم انتهاء الحرب العراقية الايرانية 1980-1988 وحرب تحرير الكويت 1991، وحرب احتلال العراق 2003، الا ان الازمات لا زالت مستمرة والتهديد بالحرب بين ايران وامريكا مستمرة، ورغم امتلاك الولايات المتحدة عدة قواعد عسكرية دائمة في دول الخليج العربية الا انها بين مدة واخرى تقوم بارسال حاملات الطائرات وسفن حربية اضافية، ورغم اقتراب انتهاء فترة رئاسة الرئيس الامريكي الحالي (دونالد ترامب) في 20 كانون الثاني 2021، بعد خسارته في الانتخابات الامريكية امام المرشح (جو بايدن) والتي جرت في 3 تشرين الثاني 2020، ومصادقة الهيئة الانتخابية على فوزه فيها، الا ان ذلك لم يمنع ادارة (ترامب) م ارسال حاملة الطائرات (يو اس اس نيميتز) والغواصة التي تعمل بالطاقة النووية (يو اس اس جورجيا) محملة بالعشرات من صواريخ توماهوك، اضافة الى طائرات قاصفة من نوع (بي 52)، وهذا الحشد يعد الاكبر من نوعه وحجمه لقوات امريكية في المنطقة منذ عام 2008، في ذات الاتجاه فان ايران هي الاخرى بدأت في تحريك قواتها العسكرية في مناطق قريبة من الخليج العربي وخاصة منظومات الصواريخ والطائرات المسيرة والسفن الحربية، كذلك قامت اخيرا بعملية انشاء قواعد عسكرية في جزرها في الخليج العربي وخاصة (طنب الكبرى والصغرى وابو موسى) والتي تعد جزر متنازع عليها بين ايران والامارات من جهة كذلك قربها من القواعد العسكرية الامريكية في دول الخليج العربية من جهة اخرى.

وفي خضم هذا التحشيد العسكري المتبادل بين الطرفين فان هناك اسباب عديدة وراء هذا الحشد العسكري الامريكي في المنطقة والتهديدات المتواصلة ضد ايران،  منها:

  • ان الانتشار العسكري الامريكي الواسع يهدف الى ردع ايران من اي عمل انتقامي ضد مصالح الولايات المتحدة في الخليج العربي ردا على الضربة الامريكية واغتيال اللواء (قاسم سليماني) في الذكرى السنوية له، لا سيما وان اغلب المسؤولين الايرانيين لوحوا باحتمال استهداف مصالح امريكية في هذه الذكرى . كذلك محاولة من ادارة الرئيس (ترامب) لجر ايران الى مواجهة مباشرة من اجل توجيه ضربة عسكرية لمواقعهم النووية والعسكري.
  • محاولات الرئيس (ترامب) البقاء في منصبه من خلال اشعال حرب في المنطقة، فقد فشلت كل المحاولات السابقة في الغاء نتائج الانتخابات من خلال توجيه تهم بالتزوير تارة، وتحريك انصاره تارة اخرى، لهذا فان اشعال حرب في منطقة مثل الخليج العربي ذات الاهمية الكبيرة للولايات المتحدة تعد سياسة اخيرة بيد الرئيس من اجل اعلان حالة الطوارئ التي تمنحه صلاحيات كبيرة وواسعة بنشر القوات العسكرية داخل وخارج امريكا والسيطرة على وسائل الاعلام وعلان الاحكام العرفية، وهو ما يمكنه اخيرا البقاء في السلطة.
  • توجيه ما يشبه رسالة التطمين لدول الخليج العربية وخاصة التي طبعت علاقاتها مع (اسرائيل) من ان الولايات المتحدة ستقف الى جانبها تجاه اي تهديد ايراني محتمل ضدهم مع انتهاء فترة (ترامب) الرئاسية في 20 كانون الثاني، خاصة ان ايران قد هددت اكثر من مرة بان اي استهداف اسرائيلي مباشر ضدها او عمل تخريبي يتبين انطلاقه من احدى دول الخليج المطبعة سوف يدفع ايران للرد العسكري المباشر، كما ان اغلب دول الخليج العربية تعاني حاليا من ازمات ونقاط ضعف داخلية حادة متعلقة بالتنافس بين الامراء على الحكم واعتقال وسجن شخصيات كبيرة من العوائل الحاكمة، كذلك تبعات اغتيال الصحفي (جمال خاشقجي)، واثار حرب اليمن التي لم تحقق دول الخليج اي تقدم يذكر فيها.
  • محاولة الرئيس (ترامب) خلط الاوراق على الادارة الامريكية الجديدة برئاسة (جو بايدن) في حال استلامه السلطة في 20 كانون الثاني، لان هناك بوادر تقارب بين ايران والادارة الجديدة بعد عدد من التصريحات المتبادلة بينهم، كذلك ان الحكومة الايرانية تأمل من ان استقرار المنطقة وعدم اثارة المشاكل مع الولايات المتحدة سوف يقود الى تفاهم اوسع مع الادارة الامريكية الجديدة وحل القضايا العالقة من اجل انهاء العقوبات الاقتصادية، لهذا فان اندلاع مواجهات او استمرار التوتر سوف يصب بصالح المتشددين في امريكا واسرائيل من اجل استمرار التوتر بين الطرفين ومنع اي تقارب مستقبلي بينهما.

ان استمرار التواجد العسكري الامريكي الكبير في المنطقة ورفض الرئيس (ترامب) سحب حاملة الطائرات، او احتمال نشوب مواجهة مباشرة مع ايران، وحتى لو تحققت طموحات الادارة الامريكية في توجيه ضربات عسكرية الى منشآت ايران النووية او العسكرية او البقاء في الحكم، الا ان هناك تداعيات واسعة لذلك العمل سوف تطال الولايات المتحدة  ومصالها  في المنطقة وقد تستمر اثارها لسنوات قادمة، ومنها:

  • ان توجيه الولايات المتحدة ضربات عسكرية على ايران سواء للمنشآت النووية والعسكرية او المدنية سيقود حتما الى رد فعل ايراني واسع او ما يسمى بالرد الانتقامي من كل شيء له علاقة بالولايات المتحدة، فبالإضافة الى المصالح الامريكية وقواعدها العسكرية، سوف يمتد ليشمل الدول التي قدمت تسهيلات لها وخاصة دول جوار ايران باستهداف البنى التحتية ومصانع الطاقة وتصديرها لدول الخليج العربية ، كذلك فان ايران لن تتوقف في ردها المباشر على قواتها فقط، بل سوف يشمل بعض الفصائل المسلحة في المنطقة في لبنان وفلسطين واليمن وسوريا التي تربطها بإيران علاقات متبادلة الى التحرك ضد المصالح الامريكية و(اسرائيل)، وهو ما قد يقود الى نشوب حرب واسعة مدمرة تشمل كل دول المنطقة والتي قد لا يمكن السيطرة عليها.
  • تأثير اي مواجهات في المنطقة على الاستقرار والسلام العالمي، فمنطقة الخليج العربية تعد مركز الطاقة الدولية فهي تساهم في 60% من انتاج الطاقة العالمية، وان مضيق هرمز يمر منه 40% من الطاقة المصدرة في الاسواق الدولية، وان اي توقف في امدادات النفط العالمية ستقود الى ازمات اقتصادية حادة وارتفاع في الاسعار الى مستويات عالية جدا، لاسيما وان معظم دول العالم لا زالت تعاني من مشاكل اقتصادية سببتها ازمة (كوفيد 19) وتراجع الاقتصاد الدولي، لهذا فان اقدام ادارة (ترامب) على مواجهات مباشرة مع ايران له تداعيات اقتصادية خطيرة، فقد ذكرت بعض التقارير ان عدد من الشركات الامريكية الكبرى طالبت مجلس الشيوخ الامريكي الى التصويت على تنصيب (جو بايدن) وذلك لمنع اي تدهور امني في العالم قد يقود الى اثار اقتصادية خطيرة.
  • مشكلة الارهاب، رغم انتهاء الحرب على الارهاب في المنطقة بعد هزيمة تنظيم داعش في العراق وسورية، الا ان خلايا ارهابية لا زالت تتحرك في المنطقة بين الحين والاخر مستغلة حالة انعدم الاستقرار في المنطقة، لهذا فان اخطر ما يواجه اي حرب في المنطقة هو ظهور المجموعات الارهابية مجددا، لا سيما وان اغلب دول المنطقة تعاني من ضعف في بنيتها الامنية والتي تعتمد في اغلبها على الدعم الدولي وخاصة الامريكي، وان اي سيطرة جديدة للمجموعات الارهابية سيكون له عواقب وخيمة على شعوب المنطقة وتعريض الملايين للإبادة الجماعية مجددا.
  • مشكلة اللاجئين، تعد مشكلة اللاجئين من اكثر المشاكل المثارة في المنطقة، فقد كانت لموجات النزوح والهجرة من الشرق العربي وخاصة سوريا ولبنان والعراق الى أوروبا تأثيرا كبيرا على دول اوروبا او على دول المهاجرين، من خلال تعرض اعداد منهم للغرق في البحر، كذلك تعرضهم الى المعاملة السيئة في دول المهجر، لهذا فان اندلاع حرب بحجم الحرب بين الولايات المتحدة وايران واتساعها في المنطقة سيكون لها وقع ارثي على شعوب المنطقة وهو ما يفتح الباب الى ملايين المهاجرين نحو مناطق آمنة، مما يتسبب في مشاكل كبير لدول اوروبا، لهذا فان العديد من دول الاتحاد الاوربي دعت الى حل سلمي للمشاكل بين ايران والولايات المتحدة بعيدا عن المواجهات، كذلك كانت من ضمن الدول المتمسكة بالاتفاق النووي لعام 2015 وعده الطريق الوحيد والامن لحل مسالة البرنامج النووي الايراني.
  • ان اي استهداف امريكي للمنشآت النووية والعسكرية الايراني القريبة من الخليج العربي سيقود حتما الى انبعاث اشعاعات نووية يكون لها اثار بيئية مدمرة على المنطقة، والتي تشمل السكان المياه والزراعة، لهذا نرى ان اغلب دول الخليج العربية وحتى التي لها خلافات مع ايران ترفض اي ضربة عسكرية امريكية لإيران لخشيتها من تداعيات ذلك على امنها واستقرارها .
  • المواجهات قد تتطور الى مناطق اخرى في العالم ولا تقتصر على منطقة الخليج العربي، خاصة وان للولايات المتحدة خلافات مع دول في مناطق اخرى، كالصين في شرق اسيا وروسيا في اوروبا. لهذا فان هذه الحرب قد تكون سابقة تعطي بعض دول العالم بالتدخل في دول اخرى لحل نزاعاتها وهو ما يود الى فوضى دولية.

من الناحية العملية ان اي عمل عسكري امريكي مباشر ضد ايران غير ممكن الحدوث، لوجود عدة عقبات، منها ما هو داخلي بوجود معارضة داخلية امريكية وعلى مستويات رسمية ضد اي تحرك عسكري في المنطقة وهو ما ظهر جليا في عدد التغييرات في مناصب وزارية في اواخر فترة الرئيس (ترامب) الرئاسية وخاصة التغييرات التي شملت وزارة الدفاع والقادة العسكريين، كذلك وجود عقبات اقتصادية لا سيما مع تراجع الاقتصاد الامريكي بسبب جائحة كورونا وما خلفته من خسائر مادية ، والحاجة الى اموال طائلة لانعاش الاقتصاد ودفع الاعانات، يضاف الى ذلك وجود معارضة دولية واسعة لاي عمل عسكري في المنطقة وخاصة من جانب دول المنطقة نفسها، من جانب ايران ورغم تهديدها المستمر بالانتقام من قتلة قائد فيلق القدس اللواء (سليماني) المتكررة، الا انها في نفس الوقت تحاول الابتعاد عن مواجهات مباشرة مع الولايات المتحدة وتفويت الفرصة على خطط ادارة (ترامب) بجر ايران الى هذه المواجهة، كذلك ان ايران ترغب الى استقرار المنطقة حتى نهاية فترة ادارة (ترامب) الرئاسية وتسلم الادارة الجديدة برئاسة (جو بايدن) وهو ما يفتح الباب الى اجراء مفاوضات معها لإنهاء العقوبات الاقتصادية، ومنع تدهور الاوضاع اكثر في ايران.