الدكتورة روافد الطيار
رئيس قسم الدراسات القانونية – مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
كانون الثاني 2021
تكاد تكون سابقة تأريخية من قبل مجلس النواب الامريكي التصويت على عزل الرئيس الامريكي للمرة الثانية، ولكنها ليست الحالة الاولى لمساءلة رئيس الدولة في أمريكا حيث يعد الرئيس (دونالد ترامب) ثالث رئيس يتعرض للمساءلة.
والتساؤل الذي يثار هنا ،من يمتلك الحق في مساءلة واتهام الرئيس الامريكي ومحاسبته عن طريق عزله من المنصب؟
يتمتع مجلس النواب الامريكي بالسلطة المنفردة لأتهام الرئيس الامريكي بموجب القسم 2 من المادة الأولى من الفقرة 5 لدستور الولايات المتحدة لعام 1787″ يختار مجلس النواب رئيسه والمسؤولين الآخرين، وتكون لهذا المجلس وحده سلطة اتهام المسؤولين.” .
وبعد اتخاذ هذا الإجراء، يتمتع مجلس الشيوخ الأمريكي بالسلطة الوحيدة لعقد المحاكمة على جميع التهم وذلك بموجب القسم الثالث من المادة الأولى من الفقرة السادسة من الدستور ” لمجلس الشيوخ وحده سلطة إجراء محاكمة في جميع تهم المسؤولين… وعندما تتم محاكمة رئيس الولايات المتحدة، يرأس رئيس القضاة الجلسات: ولا يجوز إدانة أي شخص بدون موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين “.
وفي حالة ثبوت الادانة فالعقوبة تكون العزل استناداً إلى الفقرة الرابعة / المادة الاولى من الدستور:
” يعزل الرئيس ونائب الرئيس وجميع موظفي الولايات المتحدة الرسميين المدنيين من مناصبهم إذا وجه لهم اتهام نيابي بالخيانة أو الرشوة أو أية جرائم أو جنح خطيرة أخرى وأدينوا بارتكاب مثل تلك التهم”.
وقد حذر الكونغرس من أن أسباب العزل «لا يمكن إدراجها بشكل دقيق ومنطقي ضمن تصنيفات» لأن إجراء العزل يهدف إلى «الوصول إلى مجموعة واسعة من السلوكيات الخطيرة للمسؤولين وغير المتوافقة مع واجبات المنصب». فتم تحديدها بثلاثة أنواع عامة من السلوكيات التي تشكل أرضية للعزل، على الرغم من أنه لا ينبغي فهم هذه التصنيفات على أنها شاملة:
تجاوز سلطات المنصب أو إساءة استخدامها.
سلوك لا يتوافق مع وظيفة وغرض المنصب.
إساءة استخدام المنصب لغرض غير لائق أو لتحقيق مكاسب شخصية.
وقد أُثٌيرت مسؤولية الرئيس الامريكي (دونالد ترامب ) للمرة الاولى أمام الكونكرس الامريكي ،عندما طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي) التحقيق في قضية سابقة تخص ابن منافسه المرشح جو بايدن، الامر الذي اثار غضب البرلمان الامريكي ،فتم محاكمة الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة (دونالد ترامب) في مجلس الشيوخ الأمريكي في 16 كانون الثاني 2020 وحتى 5 شباط 2020، وجاء ذلك بعد نجاح عزله من قبل مجلس النواب الأمريكي في 18 كانون الاول 2019، الذي اعتمد على تهمتين أساسيتين وهما “إساءة استخدام السلطة” و”ازدراء الكونغرس”. بعد مرحلة تحقيق استمرت من أيلول إلى تشرين الثاني 2019.
أنهى مجلس الشيوخ المحاكمة في 5 شباط 2020، بتبرئة دونالد ترامب من التهمتين الموجهتين إليه، حيث صوت 52 عضوا لصالح تبرئته من تهمة إساءة استخدام السلطة فيما صوت 48 عضوا ضده، أما تهمة إزدراء الكونغرس فصوت 53 عضوا لصالح تبرئة ترامب مقابل 47 عضوا ضده.
ومن ثم في 13 كانون الثاني 2021، وافق مجلس النواب الأمريكي على دعوى عزل الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة دونالد ترامب، وهي الدعوى الثانية التي تقام ضده. وتبنى مجلس النواب مادة واحدة من إجراءات العزل ضد ترامب، وهي: التحريض على العصيان و اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني ، واتهامه بمحاولة التمرد على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، التي أعلنت المرشح الديمقراطي جو بايدن رئيسًا منتخبًا للولايات المتحدة. ليصبح ترامب بذلك الرئيس الأمريكي الوحيد الذي تعرّض لإجراءات إقالة من منصبه لمرتين.
وفي حالة إدانة مجلس الشيوخ الأمريكي دونالد ترامب قبل انتهاء ولايته الرئاسية في 20 يناير 2021، فسيُعزل ترامب من منصبه، وسيصبح نائب الرئيس مايك بنس الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، وهذا سيجعل ترامب أول رئيس في التاريخ الأمريكي يُدان في محاكمة عزل وإقالة من منصبه. أما في حالة إدانة ترامب في مجلس الشيوخ بعد تركه منصبه، فانه يترك الباب مفتوحًا أمام إمكانية تقييد رئيس سابق مُدان بشكل دائم من تولي أي منصب عام. على الرغم من أن الدستور الأمريكي لا ينص على إمكانية إجراء محاكمة عزل في مجلس الشيوخ للمسؤولين السابقين الذين لم يعودوا يشغلون مناصب عامة، إلا أن هناك سابقة حدثت في عام 1876، حين استقال وزير الحربية (وليم دبليو بيلكناب) من منصبه إثر فضيحة فساد، ثم جرى عزله من قبل مجلس النواب ومحاكمته من قبل مجلس الشيوخ الذي برأه من التهم بأغلبية بسيطة، وليس أغلبية الثلثين المطلوبة في التصويت عند الإدانة.
في العشرين من الشهر الجاري انتهت ولاية ترامب وتسلم الرئيس الجديد (جو بايدن ) وفي ذات الوقت تبنى مجلس الشيوخ في الكونغرس الأمريكي محاكمة الرئيس دونالد ترامب بعد 13 ساعة من مناقشات محتدة في أول يوم للمحاكمة ،وتم الاتفاق على بدءالمحاكمة في الثالث من شباط .وبما إنه تم أنتهاء ولاية الرئيس الامريكي مما ترتب عليه عدم امكانية عزله من منصبه في حالة أدانته ،وانما يقتصر الامر على عدم الأهلية لشغل أي منصب فيدرالي مستقبلاً.