ايران وادارة الرئيس الامريكي (بايدن)… التعاون ام الصراع

      التعليقات على ايران وادارة الرئيس الامريكي (بايدن)… التعاون ام الصراع مغلقة

م.د. حمد جاسم محمد

قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء

شباط 2021

 

ينظر الى ايران من قبل الولايات المتحدة كدولة مهمة في الشرق الاوسط، لا سيما وانها كانت قاعدة اساسية لحماية المصالح الامريكية في عهد الشاه محمد رضا بهلوي وتسمى شرطي المنطقة، وعلى الرغم من غنى دول الخليج العربية بموارد الطاقة وعندها اكبر مخزون للنفط في العالم، وسوقا للبضائع الامريكية المدنية والعسكرية الى جانب موقعها، الا ان ايران تبقى لها اهمية خاصة للعالم الغربي، فهي اضافة الى امتلاكها الصفات اعلاه، فإنها ايضا تملك ميزات اخرى وهي موقعها الاستراتيجي المهم وتقدمها الصناعي والعلمي قياسا بدول المنطقة، اضافة الى تفوقها البشري التي يعد رافد لقوتها العسكرية، فهي لا تحتاج الى قوة تحميها كما في دول الخليج العربية، بل تمتلك ترسانة عسكرية امريكية غربية كبيرة  يمكنها حماية الخليج العربي والمصالح الغربية، لهذا كان اندلاع الثورة الايرانية عام 1979 له تأثير كبير على الولايات المتحدة خاتصة والغرب عامة، والتي ما انفكت تحاول اعادة ايران الى نفوذها بكل الوسائل الممكنة، بدأً من العقوبات الاقتصادية الى التهديدات العسكرية ودعم المعارضة الداخلية من اجل احداث تغيير في النظام السياسي الاسلامي او تغيير توجهاته على اقل تقدير بما يتلاءم مع مصالح الولايات المتحدة.

واصبحت الادارات الامريكية المتعاقبة تنظر الى سياسات النظام الايراني الجديد بعدائية وانها ضد مصالحها في المنطقة، واتبعت اساليب تكاد تكون متشابه في التأثير عليها من خلال العقوبات الاقتصادية بأشكالها المختلفة كذلك التهديدات العسكرية بالحرب او بقصف مراكز عسكرية ومدنية فيها، الا ان المختلف ان الادارات الجمهورية كانت اكثر تشددا وعدائية تجاه ايران، وكانت دائما تهدد بالعمل العسكري ضدها، فقد وضعها الرئيس الاسبق (رونالد ريغن) في قائمة الدول الداعمة للإرهاب بعد تفجير بيروت 1983، ووقفت ضدها في الحرب العراقية الايرانية، وحدثت مناوشات بين القوات البحرية للطرفين، واسقطت القوات الامريكية طائرة ركاب مدنية إيرانية في الخليج العربي ، ثم عد الرئيس الاسبق (جورج بوش ) ايران معرقلا لعملية السلام في الشرق الاوسط، وفي عهد الرئيس الاسبق (جورج دبليو بوش) فقد اعتبر ايران ضمن محور الشر ضمن العراق وكوريا الشمالية، ثم جاءت ادارة الرئيس السابق (دونالد ترامب) الذي انسحب من الاتفاق النووي المعقود عام 2015، ثم فرض عقوبات اقتصادية شديدة على ايران وصلت الى الغذاء والدواء، ثم محاولات في استفزاز ايران من خلال اغتيال قائد فيلق القدس (قاسم سليماني) في العراق عام 2020، وارسال طائرات مسيرة في الاجواء الايرانية، ودعم المعارضة الايرانية، ثم الضغط على دول الخليج العربي لعقد اتفاقات سلام مع اسرائيل التي تعدها ايران عدوها الاول في المنطقة، ان الادارات الديمقراطية لم تكن علاقاتها ودية مع ايران أيضا ، الا انه قد توصلت الى بعض الاتفاقات مثل البرنامج النووي في عهد (باراك اوباما)، كذلك تقاربها من الاصلاحيين في ايران من اجل احداث تغيير سلمي فيها، الا انها في نهاية المطاف كانت كل الادارات ترغب في تغيير جذري في ايران يعيدها الى نفوذها السابق.

ان كل العقوبات الاقتصادية والتهديدات العسكرية لايران لم تقود الى تغيير جذري في السياسة الايرانية تجاه الولايات المتحدة الامريكية، بل ان ايران قد استثمرت تدخلات الولايات المتحدة في المنطقة مثل احتلال افغانستان 2001 والعراق 2003، كما مدت نفوذها الى سوريا واليمن، وطورت من قوتها العسكرية وخاصة البرنامج الصاروخي، وتمكنت من اقامة اقتصاد الاكتفاء الذاتي، اضافة الى سياستها البراغماتية مع الدول الاوربية التي رفضت كل الضغوط الامريكية لتشديد التعامل مع ايران او الانسحاب من الاتفاق النووي، بل عملت الدول الاوربية جاهدة من اجل تخفيف العقوبات الامريكية على ايران بفتح مجالات للتعامل المالي والاقتصادي معها، واستمرار بعض الشركات الاوربية في العمل في مجال الطاقة الايرانية.

كما يلاحظ ايضا ان تجنب الادارات الامريكية المتعاقبة مع ايران منذ عام 1979 الى اليوم المواجهة العسكرية المباشرة، حتى في اصعب الاختلاف بينهم، كما في حالة احتجاز الرهائن في السفارة الامريكية عام 1979، واتهام ايران بالتدخل في افغانستان والعراق ضد الاحتلال الامريكي، اتهامها كذلك بدورها غير المباشر في استهداف محطات تصدير النفط السعودية في بقيق وخريص عام 2019 وتوقف نصف الصادرات السعودية، كذلك تفجيرات في موانئ الامارات في نفس العام، وقصف ايران المباشر للقاعدة الامريكية في العراق عام 2020 بعد مقتل قائد فيلق القدس الايراني (قاسم سليماني) في غارة امريكية، والدعم الايراني المتواصل لفصائل المقاومة في المنطقة والتي تعدها واشنطن معارضة لمصالحها في المنطقة، وهنا فأن ادارة الرئيس الحالي (جو بايدن) سوف لن تخرج عن هذا الاتجاه خاصة بعد اتخاذها عدد من القرارات التي تؤكد على سلمية خطط هذه الادارة في التعامل مع ايران، فقد اكد الرئيس الحالي ان الولايات المتحدة سوف تجمد مبيعات الاسلحة الى دول التحالف على اليمن ودعا الى وقف الحرب فيها، كما ان تصريحاته حول انظمة الحكم في المنطقة كانت مؤثرة وادت الى اعلان المصالحة الخليجية مع قطر، وتصريح المسؤولين الامريكيين بعودة الادارة الامريكية للاتفاق النووي مع ايران ضمن شروط محددة، ورفع الحوثيين من قائمة الارهاب، والتأكيد على ان وجود الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا هو مؤقت من اجل محاربة الارهاب وان مساعدتها لأكراد سوريا هو من اجل مقاتلة الارهابيين وليس دعم سيطرتهم على شمال سوريا او اقامة كيان مستقل، اضافة الى دعوته الى حل الدولتين في فلسطين، والدعوة من بعض اعضاء الكونغرس الامريكي بكشف عملية اغتيال الصحفي (جمال خاشقجي) في قنصلية السعودية في تركيا، وعلى الرغم من تصريحات الرئيس (بايدن) حول بقاء القوات الأمريكية في العراق وافغانستان، الا انه يفكر في إنهاء الحروب، وهو يعني ان تأخذ دول المنطقة دورها كوسطاء لتحقيق السلام، من خلال تقديم تنازلات، لإنهاء الصراعات.

وهناك عدة اسباب ستكون ضاغطة على ادارة الرئيس (جو بايدن) واتباعها الاسلوب السلمي مع ايران خلال فترة الاربع سنوات القادمة، ومنها:

  • داخليا: ورثت ادارة (بايدن) مشاكل داخلية اقتصادية وامنية واجتماعية كبيرة، اضافة الى مرض كورونا الذي وصلت الاصابات فيه الى 15 مليون اصابة و 292 الف وفاة، وخسائر اقتصادية بسبب الحظر وتوقف الاعمال، كذلك قضايا اجتماعية ومحاولة الادارة ردم الهوة بين افراد المجتمع خاصة من جانب السكان السود لشعورهم بالاضطهاد من جانب ادارة الرئيس (ترامب)، وحدوث العديد من الاحتجاجات، اخرها اقتحام مبنى الكونغرس الامريكي من قبل محتجين ضد نتائج الانتخابات وهي حادثة تعد الاولى من نوعها في بلد يعد نفسه الديمقراطي الاول في العالم، والانقسام داخل اعضاء الكونغرس بين مؤيد ومعارض لنتائج الانتخابات. وهذه كلها تحتاج الى جهد من ادارة الرئيس (بايدن) من اجل مواجهتها وتحسين اوضاع المجتمع بعيدا عن الصراعات الدولية.
  • كان اهتمام ادارة الرئيس السابق (ترامب) الاقليمية هي كسب الاموال من دول الخليج العربية عن طريق بيع الاسلحة والاستثمارات التي قدرت بمئات المليارات سنويا، بغض النظر عن وضع هذه الدول الداخلي او الاقليمي، وخاصة انتهاك حقوق الانسان داخل هذه الدول مثل اعتقال المعارضين وسجنهم واعدامهم، وقضية الصحفي (جمال خاشقجي)، وانتهاكات حرب اليمن، لهذا فان ادارة (بايدن) تحاول تحسين سمعة الولايات المتحدة في المنطقة وخاصة في مجال حقوق الانسان من اجل كسب ود شعوب المنطقة لحماية مصالحها.
  • ازدياد الخلافات بين الولايات المتحدة وحلفاءها من الدول الاوربية وكندا والمكسيك، حول العديد من القضايا الدولية، وفرض تعريفات تجارية كبيرة على منتجات هذه الدول واتباع سياسات تهتم بمصالح الولايات المتحدة بغض النظر عن مصالح حلفاءها، هذه السياسة التي ادت الى نفور العديد من الدول الاوربية منها واتجاهها للعمل باستقلالية بعيدا عن الولايات المتحدة، فقد التزمت الدول الاوربية بالاتفاق النووي مع ايران رغم انسحاب ادارة (ترامب) منه عام 2018، كذلك القيام بخطوات مهمة لتخفيف العقوبات عنها، عدم تدخلها في الصراع السوري، لهذا فان ادارة (بايدن) تحاول ان تغير من هذه السياسة وخاصة مع حلفاءها الاوربيين في محاولة لإعادة العلاقات معهم والتعاون في القضايا العالمية، لان قيام الولايات المتحدة باي عمل ضد ايران هو بحاجة الى تعاون دولي واسع وخاصة من طرف الدول الاوربية والحلفاء الاخرين.
  • من الملاحظ على السياسات العسكرية للرئيس الامريكي السابق (دونالد ترامب) في العديد من الازمات الدولية هي الابتعاد عنها وتجنب الانغماس فيها وعدم التدخل، لهذا جاء اعلانه الانسحاب العسكري من العراق وافغانستان، والتركيز على الخليج العربي من ناحية الحصول على الاموال والتطبيع مع اسرائيل، وترك الاهتمام بمناطق مهمة للمصالح الامريكية وخاصة في جنوب شرق اسيا وبحر الصين الجنوبي، وصعود الصين كثاني اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة، وعدم التدخل في ازمة اقليم (ناغورنو قره باغ) بين ارمينيا واذربيجان في منطقة مهمة للمصالح الامريكية في بحر قزوين، وتفرد تركيا في شرق المتوسط، وضعف الدور اللاكمريكي في الاحداث السورية، لهذا فان اهتمام الادارة الامريكية الجديدة الحالية هو ينصب على بحر الصين الجنوبي كمنطقة مهمة للمصالح الامريكية واعادة ثقة حلفاء الولايات المتحدة بها، وان تركيز الولايات المتحدة الوقوف بوجه الخطر الصيني في المنطقة كتهديد جدي ومحتمل للولايات المتحدة لان هذا الخطر يفوق تهديد مصالحها في الخليج العربي من جانب ايران من جهة، وان قواتها في المنطقة كافية لحماية مصالحها بدون الدخول في مواجهات مباشرة.
  • اصبحت الولايات المتحدة في وضع لا يمكنها الاستمرار في الهيمنة منفردة على العالم الآن، اذ اصبحت مرغمة على تقاسم النفوذ مع القوى المهتمة بالمنطقة الاخرى، وعلى الرغم من سعي الولايات المتحدة الى حماية منابع النفط وتدفقه الى الاسواق العالمية لازال حيويا، ومنع الصين من التفوق في جنوب شرق اسيا، الا ان نفط الخليج لم يعد سلعة استراتيجية لأمن الولايات المتحدة كما كان في السابق، وذلك لوجود النفط والغاز الصخري فيها وبكميات تجارية، اضافة الى اكتشافات مكامن جديدة للطاقة قريبا منها، وهو ما يدفعها الى عدم الدخول في صراعات عسكرية من اجل الابقاء على نفوذها وانما البحث عن وسائل ضغط اخرى ومنها الدبلوماسية لحماية مصالحها في المنطقة.
  • بالنسبة لتعهدات الولايات المتحدة في حماية (اسرائيل)، فان الوضع في الشرق الاوسط اختلف عن ما كان عليه سابقا، وان معظم دول المنطقة وخاصة المجاورة لإسرائيل اما اقامت علاقات معها وخاصة عملية التطبيع بين دول الخليج العربية واسرائيل وتلاقي هدفهم في مواجهة الدول التي يرونها معادية لهم، او غير مستعدة للمواجهة العسكرية، وبعضها تعاني من عدم استقرار داخلي يجعلها غير مهتمة بالقضية الفلسطينية كما في سوريا ولبنان، وبعضها لم يعاد معارض لعملية التسوية في المنطقة اذا حظيت بالموافقة الفلسطينية كما في حالة ايران، لهذا وحسب التصورات هذه لم يعد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني محط اهتمام السياسة الامريكية تجاه اسرائيل، وان مطالبات حل الدولتين وفق اي صورة هي محمور النقاشات .

خلاصة القول، ان ايران وعلى عكس دول الخليج العربي الاخرى لا تركز على شكل الادارة الامريكية في تعاملها مع الولايات المتحدة، وانما التعامل مع سياساتها الخارجية ككل بغض النظر عن الحزب الحاكم او الشخص، لان الاشخاص والاحزاب متغيرة اما السياسات فهي باقية ولا تتغير، لهذا فهي تمكنت من مقاومة سياسات الولايات المتحدة والصمود وعدم التأثر بهذه الادارة او تلك في سياساتها الاقليمية والدولية، وعملت باستقلالية في قراراتها، ففي تصريحات المسؤولين الايرانيين كافة على قضية واحدة وهي عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي بدون شروط او اضافات، كذلك قولهم بعدم اهمية العودة من دون رفع العقوبات الاقتصادية ضدها وهي سياسات تعد ناجحة في عالم التفاوض ورفع سقف المطالب للوصول للحلول. كما ان فوز ( بايدن) بالرئاسة الامريكية سوف سيتبنى بطريقة ما اسلوب الرئيس الاسبق (أوباما) الدبلوماسي في التعامل مع طهران، وهي الطريقة الأكثر أماناً لاحتواء طموحات إيران النووية من دون مواجهة عسكرية.