معركة مأرب هل تكون مفتاح الحل السياسي في اليمن؟

      التعليقات على معركة مأرب هل تكون مفتاح الحل السياسي في اليمن؟ مغلقة

م.د. حمد جاسم محمد الخزرجي
قسم ادارة الازمات
في مركز الدراسات الاستراتيجية- جامعة كربلاء
آذار 2021
كثرة الدعوات الدولية لحل الازمة اليمنية والتي اصبح لها تداعيات جسيمة على الداخل اليمني وسقوط مئات الالاف من الضحايا والعاقين والمهجرين اضافة الى ملايين اليمنين الذين يعانون من المجاعة والحصار الاقتصادي جوا وبرا وبحرا، ويعود تاريخ ظهور الحركة الحوثية على الساحة السياسية اليمنية الى تسعينات القرن الماضي، فقد بدأت مشاركتهم السياسية عام 1993 وحصولهم على مقعدين في البرلمان عام 1993، الا ان نهجهم الفكري القائم على معادات امريكا واسرائيل القريب من افكار الثورة الاسلامية قد غير مسار حركتهم وحصول صدام مسلح مع القوات الحكومية في عهد الرئيس الراحل (علي عبدالله صالح) (توفي 2017) ادت الى هزيمتهم ومقتل زعيمهم (حسين الحوثي)، واستمرت حركتهم المناهضة لنظام الحكم حتى جاءت الفرصة ابان ثورات الربيع العربي عام 2011، اذ اصبح لهم دور في الانتفاضة ضد حكم الرئيس الراحل (علي عبدالله صالح) وكانوا طرفا في جلسات الحوار الوطني ، حتى سقوط النظام السابق عام 2012، وتولي نائبه (عبد ربه منصور هادي) الحكم، فقام انصار الله الحوثيين بتوسيع مناطق سيطرتهم الى خارج محافظة صعدة، وفرضوا سيطرتهم على العاصمة صنعاء عام 2014 بعد اضرابات عامة واعتصامات فيها، وذلك لمعارضتهم فكرة تقسيم اليمن الى ست اقاليم فدرالية، لأنه لم يأخذ بنظر الاعتبار آرائهم حول تقسيم المناطق، وتمت محاصرة القصر الرئاسي عام 2015 ، وقدم الرئيس (منصور هادي) استقالته وفرض الاقامة الجبرية عليه، وقد انشا أنصار الله الحوثيون بالتعاون مع جزب المؤتمر الشعبي في اليمن المجلس السياسي الأعلى في صنعاء يوم 28 تموز 2016 لإدارة البلاد، وأصبح صالح الصماد رئيسا له يوم 6 أغسطس 2016، وعبد العزيز بن حبتور رئيس حكومة إنقاذ وطني بقرار من رئيس المجلس السياسي الأعلى في 2 تشرين الثاني 2016، وتم تسليم السلطة للمجلس من اللجنة الثورية العليا رسميا في القصر الجمهوري بصنعاء يوم 15 اب 2016 وبدأ في نفس اليوم إصدار قراراته، وبعد مقتل الصماد في 19 نيسان 2018، اصبح مهدي المشاط رئيسا في 16 ايار 2017، ولا يزال المجلس يمارس اعماله.
الا ان تمكن الرئيس المستقيل (منصور هادي) الخروج من صنعاء الى عدن ولجوئه الى السعودية، واعلانه العدول عن استقالته وانه يمثل الحكومة الشرعية في اليمن، وحصوله على الدعم من دول الخليج وعلى راسها السعودية قاد الى تدخل سعودي مباشر وتشكيل ما يسمى بالتحالف العربي لدعم الرئيس هادي، اسمته السعودية (عاصفة الحزم) من اجل إعادة الشرعية على حد قولها، وقد ضمت الى جانب قوات السعودية الامارات العربية المتحدة كقوات رئيسية على الارض ضم التحالف عددا من الدول العربية والاسلامية، واستمرت الحرب بين كر وفر بين الطرفين، وقادت الى تدخل اقليمي ودولي الى جانب الطرفين، كما ادت الى توجيه ضربات عسكرية الى داخل العمق السعودي شمل قواعد عسكرية ومنشئات نفطية، وقد تمكنت القوات العسكرية لانصار الله والجيش اليمني من استعادة اغلب محافظات الشمالية ولم تتبقى سوى مأرب الذي يدور الصراع فيها الان.
بدأت المعركة في 7 شباط 2021، بهجوم من قبل اللجان الشعبية التابعة لانصار الله الحوثيين والجيش اليمني على قوات التحالف في مارب وتمكنت من استعادة العديد من المواقع وتم محاصرة المدينة، اذ لم يتمكن سلاح الطيران السعودي الاماراتي وقوات الرئيس المستقيل (منصور هادي) من وقف تقدم قوات انصار الله الحوثيين على المدينة، واصبحت المدينة بالون اختبار لكلا الطرفين الذين يحاولون تحقيق تقدم فيها، لا سيما مع ظهور بوادر دولية واقليمية من اجل انهاء حرب اليمن التي مضى عليها ست سنوات بدون اي تقدم سوى الدمار والضحايا، لهذا فان الاعتقاد السائد لدى طرفي الصراع على اهمية المدينة وان السيطرة عليها له اهمية استراتيجية واقتصادية واجتماعية مهمة جدا لهم، ولعة اسباب منها:
1- جغرافيا، موقع المدينة الاستراتيجية في شرق اليمن الشمالي وبمساحة 20 الف كم مربع، وهي تطل على محافظات الجوف وشبوه وحضرموت، وتضم قرابة 350 الف من السكان، فهي تربط غرب اليمن بشرقه، وان استعادتها من جانب انصار الله الحوثيين يعني استكمال السيطرة على كل محافظات شمال اليمن. وخسارتها من جانب حكومة عدن تعني فقدانها اهم موقع قريب من صنعاء العاصمة.
2- عسكريا: ان سيطرة انصار الله الحوثيين عليها يعني سقوط ابرز ورقة مهمة بيد حكومة الرئيس المستقيل (منصور هادي) والتحالف السعودي، وتأمين جبهة الجوف من الجنوب، والقضاء على اخر التهديدات التي كانت تشكلها على العاصمة صنعاء، وان استعادتها في الشرق يجعل منها منطلقا لقوات انصار الله صوب المحافظات الشرقية في جنوب اليمن ونحو عدن الاستراتيجية، وخسارتها من جانب التحالف السعودي تراجعهم يعني ضربة عسكرية ونفسية، اضافة الى اعطاء فرصة وحافز للمجلس الانتقالي الجنوبي للتحرك ضد حكومة الرئيس المستقيل (منصور هادي) والتحالف السعودي لفسلهم في ادارة البلاد.
3- سياسيا: ان استعادة المدينة من قبل حكومة صنعاء يعني استكمال السيطرة على كل محافظات اليمن الشمالي، وكسب ورقة قوية في مواجهة الخصوم المحليين والاقليميين، ويعزز الحضور السياسي لحركة انصار الله الحوثية في مفاوضات قادمة، لا سيما مع تزايد الدعوات الدولية والاقليمية، بل وحتى الادارة الامريكية الجديدة اكدت على اهمية ايجاد حل سياسي في اليمن ينهي الصراع الدموي، وان خسارة مأرب سيجعل موقف حكومة الرئيس المستقيل (هادي) والتحالف السعودي في موقف المدافع والضعيف في فرض اي شروط لإنهاء الصراع، بل سوف يضعهم تحت مطالب جديدة للحراك الجنوبي المطالب بالاستقلال واعادة دولتهم.
4- اقتصاديا: تعد محافظة مأرب من المحافظات ذات الاهمية الاقتصادية فهي تضم حقولا منتجة للنفط والغاز، اضافة الى وجود محطة كهرباء غازية، وفيها اراضي زراعية واسعة ومهمة، لهذا فان السيطرة عليها سوف يمد حكومة صنعاء بموارد مهمة هي بحاجة لها في مواجهة العقوبات والحصار السعودي عليها، وفي نفس الوقت سوف يحرم حكومة الرئيس المستقيل (هادي) من موارد ه بحاجة لها ايضا اداة ضغط ضد حكومة صنعاء.
5- مجتمعيا، تعزيز ما يسمى باللّحمة القبلية التي عملت قيادة انصار الله الحوثية على نسجها حول عملية تحرير مدينة مأرب، واستخدامها كسلاح ضد القوات الموالية للتحالف السعودي، وبالتزامن مع تصاعد الضغوط الدولية لوقف المواجهات المحتدمة عند تخوم مدينة مأرب، انطلق انصار الله الحوثين بالتواصل مع شيوخ قبائل المحافظة، في محاولة سحب البساط من تحت القوات الموالية للرئيس المستقيل (منصور هادي)، والتفاوض مع القبائل في المحافظة والتي حققت نجاحات كبيرة خلال الأيام الماضية، ودخول معظم القبائل اليمنية في مارب الى جانب حكومة صنعاء في قتالها لاستعادة المدينة ورفضهم لأعمال حزب الاصلاح وحكومة الرئيس المستقيل (عبد ربه منصور هادي) الموالية للسعودية والتي لم تحقق لهم اي شيء سحق لهم الاستقرار والمعيشة.
ان خسارة حكومة الرئيس المستقيل (عبد ربه منصور هادي) لشمال اليمن وتراجع قواته وضعفها، مع تصاعد الحراك الجنوبي المدعوم من الامارات في مطالبه باستقلال جنوب اليمن وسيطرت قواتهم على اغلب مدن الجنوب، يضاف اليه دعوات الولايات المتحدة الى انهاء حرب اليمن بعد ست سنوات من القتال وعدم تحقيق اي شيء يذكر على الارض يمكن ان يحقق مصالحها، لهذا اتجهت الى اطراف اخرى لحر انصار الله الحوثيين الى مفاوضات معها تنهي الحرب وتحقق بعض اهدافها، كذلك ان الاوضاع الداخلية في السعودية اصبحت غير ملائمة للاستمرار بالحرب، لاسيما بعد الانتقادات الامريكية لولي العهد (محمد بن سلمان) وتحميله مسؤولية مقتل الصحفي (جمال خاشقجي)، وعوة ادارة الرئيس الامريكي (بايدن) الى احداث اصلاح في السعودية يتلاءم مع مصالحها في المنطقة، كذلك لا يمكن ان ننسى الصراع الخفي بين حليفين الامس السعودية والامارات على النفوذ في اليمن، فقد عملت الامارات على بناء قاعدة من الاتباع موالية لها من خلال دعم الحراك الجنوبي ومشايخ الجنوب بالمال والسلاح وبناء قاعدة عسكرية في جزيرة سقطري المهمة في بحر العرب، يضاف اليه الدعوات الدولية للحل السياسي وعده الحل الوحيد للازمة، ظهور اتجاهات في اليمن للتنديد بالتدخل الدولي والاقليمي والتركيز على التوافق الحل الداخلي، وظهر ذلك جليا في ازمة تدخل الامارات في سوقطرة اليمنية اذ وقف اغلب اليمنين وعلى المستوى الشعبي والرسمي ورفضهم من سيطرة اي قوة على اي جزء من ارض اليمن، وانضمام معظم مشايخ مأرب الى جانب كومة صنعاء، لهذا فان الاحداث تتجه نحو انفراج سياسي يجنب كل الاطراف اراقة الدماء والدمار، ويكون مفتاح الاستقرار، ويكمل مسار التغيير السياسي الشامل، لتثبيت أُسس الدولة المدنية ومرتكزاته.