م.م. عبير مرتضى حميد السعدي
قسم إدارة الازمات / مركز الدراسات الاستراتيجية
بعد انتشار جائحة كورونا عام 2020 واستمرار انتشارها هذا العام ، اتخذت البلدان العديد من الإجراءات التقييدية للحد من الهجرة في محاولة للحد من شدة انتشار المرض في بلاد ولتخفيف الضغط على أجهزتها الصحية ،وكذلك تقليل مخاطر انتقال المرض بين المهاجرين. فحسب منظمة الدولية للهجرة ان عدد القيود التي نفذتها في جميع دول العالم على المهاجرين قد وصلت 105000 قيد عام 2021 ، في الوقت نفسه أصدرت 189 دولة أو إقليم 795 استثناء لهذه القيود ، مما أتاح التنقل بين الدول لكن بمعدلات قليلة فقد انخفضت الى 46% في النصف الأول من عام 2020 ومن المتوقع ان ينخفض اكثر خلال هذا العام وخاصة في دول منظمة تعاون الاقتصادي والتنمية .
ان كل تلك القيود وعمليات الاغلاق الحدود تسببت في اضرار بمستويات معيشة المهاجرين فاغلب العاملين المهاجرين قد تم تسريحهم عن عملهم وعودتهم الى بلدهم الاصلية، فضلا عن تعرضهم للإصابة بالفيروس كوفييد 19 بسبب الظروف المعيشية التي يعيشونها في مساكنهم التي غالبا ما تكون مشتركة ومزدحمة ، او نتيجة لعملهم في قطاعات صد الأول أي قطاع الصحي ، ففي المملكة المتحدة تعتمد بشكل كبير على العمال المهاجرين في القطاع الخدمات الرعاية الصحية ، فهناك 33% من الأطباء و22% من الممرضين في هم من المهاجرين .
كما اثرت القيود على الهجرة على اقتصاد البلدان المستضيفة، اذ تشير البيانات ان في منتصف عام 2020 وصل اعداد العمال المهاجرين الفعالين في الاقتصاد الولايات المتحدة ما نسبته 15% بينما المملكة المتحدة ما يقارب 14% ، اما فرنسا واسبانيا وألمانيا(13%، 15%، 19%) على التوالي. لذا تشير بيانات ان خلال عام 2020 لم ينمو عداد سكان في المانيا ولأول مرة خلال العقد الماضي ويعود ذلك الى انخفاض اعداد المهاجرين الى المانيا التي معروفة انها تعتمد على الهجرة من أجل النمو السكاني. ومن المتوقع ان يكون صافي الهجرة في استراليا لعام 2020/2021 سالبًا لأول مرة منذ عام 1945 ليكون ذلك أدنى نمو سكاني منذ قرن . بينما يشير مركز المعرفة التابع للمفوضية الأوروبية بشأن الهجرة والديموغرافيا في تقرير عام 2020 ان احدى النتائج الواضحة للوباء هو انخفاض اعداد الطلبات اللجوء المقدمة الى الاتحاد الأوربي ، فقد انخفض بشكل كبير في اشهر السبعة الأولى من عام 2020 مع انتشار فيروس كورونا في أوروبا ،اذ بلغ عدد الطلبات المقدمة أقل من 233 ألف طلب ، مقارنة بأكثر من 355 ألفًا لنفس الفترة من عام 2019،رافقه أيضا انخفاض كبير في الهجرة غير الشرعية التي انخفضت بشكل عام بمقدار 7,695 (-24٪) بين يناير وأغسطس 2020 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019.
اما اقتصاد البلدان الاصلية للمهاجرين فهي الأخرى قد تأثرت بشكل كبير من انخفاض الهجرة وعودة المهاجرين الى بلدانهم، اذ نجد كل تلك القيود والمخاطر تسببت في انخفاض معدل تحويلات العاملين الى بلدانهم اصلية ففي الدول الخليج مثلا التي تعرف بانها وجهة للمهاجرين من جنوب آسيا وشرق إفريقي ، قد تسببت ازمة كوفييد 19 الى عودة اغلبهم الى بلدانهم الاصلية بسبب اغلاق وقيود السفر وتردي الوضع الاقتصادي . لذا لم يكن هناك عوائد ترسل الى تلك البلدان مما اثر على وضعهم الاقتصادي والصحي والاجتماعي على العائلات والمجتمعات المهاجرة.
كما تشير الدراسات التي أصدرتها اليونيسف أن التحويلات المالية الدولية من المهاجرين إلى عائلاتهم تقلل من عمالة الأطفال وتُبقي الأطفال في المدرسة ، فمع انخفاض تحويلات العاملين التي تصل 109 مليار دولار أمريكي ، فأن المزيد من الأطفال معرضون لخطر إجبارهم على عمل.
فقد توقع البنك الدولي عام 2019 أنه سيتم إرسال 574 مليار دولار أمريكي إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بحلول نهاية عام 2020 ، لكن مع تفشي كوفييد 19و فقدان الوظائف وصعوبة إرسال التحويلات أثناء الإغلاق اثر بشكل كبير. حيث انخفضت التحويلات إلى 445 مليار دولار أمريكي في عام 2020 ، أي بنسبة قدره 20٪ مقارنة بعام 2019.
مما يتطلب ذلك سن تشريعات وقوانين دولية ثنائية تحمي المهاجرين في دول المستضيفة في ظل الازمة الراهنة ، وتقديم المساعدات الكافية لتلك البلدان للحفاظ على مستويات معيشة لائق ، حيث ان معظم الدول التي يهاجر منها العمال هم من بلدان منخفضة الدخول وذات مستوى معاشي متدني ،مما يتطلب تكاتف الدولي عبر تقديم الدعم والمعونات المادية والغذائية والصحية الكافية .