م. علي مراد النصراوي / مركز الدراسات الاستراتيجية / قسم ادارة الازمات
يقع سد النهضة الاثيوبي على نهر النيل الازرق الذي يلتقي مع النيل الابيض في الخرطوم بالسودان قبل ان يواصل جريانه باتجاه مصر حتى يصب في البحر المتوسط ، ويقع السد في الجزء الغربي من اثيوبيا ويبلغ مجمل ارتفاعه 145 متراً كما وتبلغ كلفته اكثر من اربعه مليار دولار ويثير السد حالة من الخلاف ويسبب قلق كبير لمصر والسودان لكونه يساهم في تقليل حصتيهما من المياه التي ستتأثر بشكل كبير ربما يسبب حالة من الجفاف مع بدء اثيوبيا المرحلة الاولى من عملية خزن المياه والتي تستغرق سنوات ، ويذكر ان تاريخياً قد ابرمت مصر اتفاقيتين جرى توقيعها في عامي 1929 و 1959 بالرغم من عدم اعتراف اثيوبيا بتلك الاتفاقيتين كما وان اديس ابابا كانت قد وقعت اتفاقاً رفضته مصر والسودان في عام 2010 يتيح بموجبه للدول الموقعة اقامة مشاريعها التنموية وتوليد الكهرباء وانشاء السدود.
هذا و تعتمد مصر على نهر النيل بنحو 97 % لاسيما بقطاعي الزراعة والري ومياه الشرب في حين ان اثيوبيا تعتبر ان نصف سكانها بدون كهرباء اما السودان هي الاخرى ستشهد تضرراً كبيراً وجفافاً كما تخشى السودان على سد “الروصيرص”،الذي يعتبر من اهم مصادر الري وتوليد الكهرباء ، إلى جانب التأثيرات المتوقعة على القطاع الزراعي .
ماذا يمثل السد لأثيوبيا ؟
تعتبر اثيوبيا سد النهضة بمثابة الرمز والفخر الوطني والهدف الاستراتيجي والتي بدأت ببنائه 2011 بعد ان راهن عليه رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوي كأحد العوامل التي تساهم بتقليل نسبة الفقر في البلاد ، وقد بدأت منذ ذلك الحين بإصدار سندات لإنشاء السد تستهدف الاثيوبيون من داخل البلاد وخارجه وتعتبر السد وسيلة للتنمية الاقتصادية لاسيما وانها كانت تنظر لمصر والسودان يستوليان على حقها في مياه النيل الامر الذي تسبب في حالة الفقر الكبيرة وترى ان الوقت قد حان للتصرف بممتلكاتها بحسب ما تعتقد وادارة مواردها بالطريقة التي تحقق الرفاه لشعبها ، كما وانها ترى فيه عنوان للوحدة الوطنية .
موقف مصر والسودان
بعد عدة جولات من المفاوضات لم تسفر عن اي تقدم ، اذ ان مصر تنظر للتفرد الاثيوبي عبر السيطرة المطلقة وبدون وجود اتفاقيات تحدد الحصص المائية يمثل تهديداً خطيراً للشعب المصري وقد يهدد بدمار الرقعة الزراعية لمصر والتي تعاني من شحة بالأصل ناهيك عن المساهمة بخفض حصص المياه المخصصة للشرب لاسيما وان مصر تعتمد على اكثر من 90 % من الانشطة الحياتية واليومية على نهر النيل ، اما الخرطوم فترى في نتائج المفاوضات جمود كبير وعبرت عن ذلك عبر بيان لوزارة الري والموارد المائية السودانية، قالت فيه إن “هذا التعنت الإثيوبي يحتم على السودان التفكير في كل الخيارات الممكنة لحماية أمنه ومواطنيه بما يكفله له القانون الدولي” كما ويطالب مصر والسودان بضرورة ضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكذا الأمم المتحدة إلى الاتحاد الأفريقي الذي يرعى المفاوضات، وهو ما ترفضه أديس أبابا.
مدا امكانية الحل العسكري ؟
بعد ان بدأت اثيوبيا بالمرحلة الاولى من عمليات ملئ السد تصاعدت معها حدة التصريحات اذا صرح وزير الري السوداني بقوله “يعد تهديدا للأمن القومي” وأن “مضي إثيوبيا قدماً في ملء خزان السد في يوليو/تموز المقبل ” سيهدد حياة نصف سكان وسط السودان، فضلاً عن المساس بالزارعة وتوليد الكهرباء” اما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فكان اكثر حزماً عبر قوله “نحن لا نهدد أحداً، ولكن لا يستطيع أي أحد أخذ نقطة مياه من مصر ، وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد ” وكما وحذر قائلاً ” لا يتصور أحد أنه بعيد عن قدرتنا (..) مياه مصر لا مساس بها والمساس بها خط أحمر وسيكون رد فعلنا حال المساس بها أمر سيؤثر على استقرار المنطقة بالكامل” كما ولم يستغني عن التفاوض الا انه قال بأن كل الخيارات متاحة .
ويرى بعض الخبراء بأن سد النهضة له تبعات كارثية ستحل على مصر عطش وجوع وفقر وفي الوقت نفسه فأن اغلب الخيارات السياسية والدبلوماسية قد استهلكت سواء للسودان او مصر بعد تعنت الجانب الاثيوبي والذي يعول على عامل الوقت وربما للوصول لعملية ملئ الخزان حتى يتخذ موقف القوي في اية مفاوضات كما وان اسرائيل تعمل بالخفاء اضافة الى دول اخرى على تشجيع ودعم سد النهضة ، لذلك يبقى الخيار العسكري مطروح وبقوة بعد التهديدات المصرية لاسيما وان اثيوبيا لا تقارن قوتها بقوة مصر التي تتصدر قائمة الدول الاقوى عسكرياً الا ان ثمة عوامل تقف عائقاً اما ذلك فالولايات المتحدة وفي ظل الادارة الجديدة بقيادة بايدن تدفع بالحل الدبلوماسي وترفض جر المنطقة لصراع عسكري لذلك هي تعمل على الضغط على الدول الثلاث لإعادة احياء المفاوضات والامر الاخر لاسيما وانهم يحضون بعلاقات جيدة مع الولايات بعد ان عادت السودان لإعادة احياء العلاقات معها مؤخراَ .
وبالرغم من ان مصر تنتهج مبدأ الحل الديبلوماسي لأغلب قضاياها لاسيما مع دول الجوار الا ان الموضوع لا يمكن التغاضي عنه فالإرث التاريخي ومخاطر السد قد تدفعان مصر بتوجيه ضربة عسكرية وبحسب الخبراء العسكريون فأن الخيار العسكري صعب اذا ما ارادت مصر ان تلجأ اليها عليها استخدام الاراضي السودانية لبعد المسافة بين مصر وسد النهضة كما وان استحالة تدمير كامل السد بضربات جوية لخطورة الفيضان وفي الوقت ذاته اسباب فنية ، الا ان الضربة قد تكون محدودة لأحداث تشققات لخروج المياه ومعنى ذلك خروجه عن الخدمة ،ة هذا وتبقى كل الخيارات متاحة اذا فشلت المفاوضات او تعنتت اثيوبيا برأيها وسارعت لمليء السد عبر مراحله المتعاقبة .
