الكاتب: سعید رمضانی
https://www.cmess.ir/Page/View/2021-05-18/4765
المترجم: م. خالد حفظي التميمي
الناشر:مركز الابحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية في الشرق الاوسط
بعد الإطاحة بنظام صدام عام 2003 ، كان الشعب العراقي يأمل أنه بعد حوالي 35 عامًا من الاستبداد والديكتاتورية ، ستحدث تغييرات جوهرية في حياتهم ولكن في السنوات التالية لم تؤت هذه التطلعات ثمارها وابتلى الشعب العراقي بالعديد من المشاكل الأخرى.
واجه الهيكل السياسي للعراق بعد عام 2003 العديد من المشاكل ادت الى عدم الاستقرار منها: التوترات العرقية والطائفية ، والتدخل الأجنبي ، والتحديات الأمنية التي خلقتها الجماعات الإرهابية التكفيرية ، وبقايا النظام البعثي ، إلخ. علاوة على ذلك فقد كان النظام السياسي ضعيفا في جميع مراحله ، ولا يمكن إصلاحه هيكليًا. هذا الفشل في بناء الدولة وغياب المؤسسات الفعالة والبيروقراطية الإدارية لم يؤدي سوى إلى زيادة في عدم شرعية النظام السياسي الجديد. لقد تجاهل البيروقراطيون الدستور العراقي الذي تم تبنيه بعد استفتاء عام 2005 ، ولم يتم تطبيق العديد من القوانين والأنظمة ، مما أدى إلى تفاقم الانقسامات والاختلافات والفساد.
لعب سقوط الموصل والعديد من المدن العراقية على يد داعش عام 2014 دورًا مهمًا في تغيير المعادلة السياسية في البلاد. كان التنظيم في العراق والشام هو تهديدًا وجوديًا للعراق ، وهو تهديد لا يمكن مقارنته من حيث النوعية والقوة بالجماعات الإرهابية السابقة مثل القاعدة ، اذ وصل تهديده الى النظام الأمني والسياسي. مما ادى ذلك الى تدخل المرجعية العليا في النجف للمرة الأولى في القرن الماضي بإصدار فتوى بشأن الجهاد ضد داعش .
ومن ابرز التحديات الرئيسية التي تواجه الحكومة العراقية هي تقلص مستوى الثقة العامة. إذ وصل مستوى الإحباط لدى العراقيين إلى نقطة تحول في عام 2019 ، مما أثار احتجاجات شعبية واسعة في بغداد والمدن الجنوبية ، والتي كانت سمة مشتركة بين الناس بعد عام 2003 ، لكن احتجاجات 2019 من حيث مستوى المشاركة والانتشار الجغرافي كانت مختلفة اختلافا جوهريا حتى في عدد القتلى والجرحى .على الرغم من مرور حوالي 18 شهرًا ، إلا أن العديد من المطالب المتراكمة للشعب ظلت دون إجابة ، لذلك إذا لم يتم الاستجابة للمطالب او وضع حلول مناسبة لها بشكل صحيح ، فقد يشكل ذلك تحديات أساسية تواجه استقرار الهيكل السياسي العراقي بمرور الزمان.
الاحتجاجات الشعبية ومطالبها:
ان احتجاجات أكتوبر 2019 في العراق ، والمعروفة بثورة تشرين . تشكلت من مجموعة من المطالب ، تطورت الى احتجاجات , مظاهرات ، مشيا على الأقدام ، اعتصامات و اضرابات . بدأت الاحتجاجات في 1 تشرين الأول 2019 . وأعلن نشطاء مدنيون عن بدء الاحتجاجات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وانتشرت في محافظات وسط وجنوب العراق . وتاتي هذه الاحتجاجات بعد 16 عاما من الفساد والبطالة وضعف الخدمات العامة حيث تبلورت المطالبات بإسقاط الحكومة ووقف التدخل الخارجي في العراق . وكانت الأسباب الرئيسية لهذه الاحتجاجات ظهور الوطنية العراقية، المعاداة لأميركا , المعاداة لأيران ، الفساد الحكومي ، التدخل في شأن العراقي ، البطالة ، تدني الاقتصاد ، الحد الأدنى للأجور ، سوء الخدمات العامة ،وصولا الى تعديل الدستور.
حيث ردّت الأطراف العراقية على الاحتجاجات بثلاث طرق: حاول البعض نكران فشل النظام السياسي ، وانما عده فشل في الهيكل السياسي إلى حد ما ، ونسبه آخرون إلى التدخل ونفوذ القوى الخارجية. وفي الأسبوع الأول من الاحتجاجات ، صرح رئيس الوزراء (المستقيل) عادل عبد المهدي أن 90 بالمئة من مطالب المحتجين كانت مشروعة ، لكنه لم يستبعد وجود متسللين بين قوات الأمن والمتظاهرين لتصعيد الموقف. في غضون ذلك ، طالب مقتدى الصدر وحيدر العبادي وقادة عراقيون آخرون باستقالة الحكومة.
أدى الوضع المضطرب وانخفاض مستوى ثقة الجمهور في النظام إلى التحقيق في أسباب هذه الاحتجاجات ، مما أدى إلى الاستنتاج التالي:
- التوترات والانقسامات العميقة بين التيارات والأحزاب السياسية قد أثرت في منع جهود الحكومة في الاصلاح و اعطاء أولويات للحكومات السابقة في تغير مسارها للأحسن و خاصة في الأمور الاقتصادية والمالية والخدمية.
۲. إحباط رغبة الشعب من قيام دولة مستقرة تقوم على اساس تبني حقوق المواطنة والتوزيع العادل للثروة ورفع مستويات الرخاء والأمن والشفافية وكفاءة الحكومة والشركات التابعة لها.
أثر نقص الخدمات والبطالة على الاضطرابات:
– يبلغ الان عدد سكان العراق حوالي 40 مليون نسمة ، أي ضعف ما كان عليه قبل 25 عامًا ، ووفقًا لوزارة التخطيط العراقية ، إذا استمر معدل النمو السكاني الحالي ، سيتضاعف عدد سكان العراق في السنوات الـ 15 المقبلة ، و لذلك سيتعين على الحكومة العراقية أن تخلق بيئة أعمال مواتية وبحلول نهاية هذا العقد يجب أن تخلق ما لا يقل عن مليون فرصة عمل في السنة ، ومن الواضح أن هذه المشكلة لن تحل إذا ظلت الحكومة هي صاحب العمل الرئيسي. وبحسب قانون الموازنة 2021 الذي أقره مجلس النواب مؤخرًا ، يوجد حاليًا 3.26 مليون موظف حكومي رسمي وما يصل إلى 9 ملايين شخص يستفيدون بشكل مباشر وغير مباشر من الحكومة (4 ملايين متقاعد + 1.5 مليون تحت تغطية الدعم الاجتماعي والمئات آلاف المتعاقدين في الوزارات) وفي هذا العام تم تسجيل ما يقرب من مليون شخص في نظام العمل والشؤون الاجتماعية وينتظرون الدعم الحكومي.
الوضع الحالي في البلاد هو أن الحكومة الحالية غير قادرة على خلق فرص عمل في القطاع الخاص ، وفي كل عام يرغب ما يقرب من 700,000 شاب من الحاصلين على شهادات جامعية وتعليمية ما بعد التخرج في دخول سوق العمل ؛ لذلك ، فإن الإحباط الناجم عن نقص فرص العمل يوفر مصدر وقود للاحتجاجات المتكررة. كما أن الحكومة غير قادرة على مواكبة الطلب المتزايد على الخدمات الأساسية ، بما في ذلك توفير المياه والكهرباء المستدامة في المدن ، خاصة في فصل الصيف ، لذلك يجب أن نشهد موجة من الاحتجاجات كل عام في الصيف.
تقليل الإيرادات وزيادة التكاليف:
في السنوات الأخيرة ، استحوذت رواتب وأجور الموظفين والمقاولين على جزء كبير من ميزانية العراق ، ارتفاعا من 12,5 في المائة من إجمالي الميزانية العراقية في عام 2004 (حوالي 4 تريليونات دينار). وقد زادت هذه النسبة بشكل سريع على مر السنين. وزاد عدد الموظفين ومبلغ الرواتب ، حيث وصل إلى 30٪ من إجمالي الموازنة في 2005 و 2006 و 38٪ في 2010 و 2011 ، وزادت الميزانية من 30 تريليون دينار عام 2005 ، وارتفعت إلى 70 تريليون دينار في عام 2005. في عام 2010 وفي عام 2013 وبسبب ارتفاع أسعار النفط ، وصلت ميزانية العراق إلى 119 تريليون دينار. وفي موازنة 2019 ، خصص نحو 44 تريليون دينار لرواتب الموظفين و 18 تريليون دينار للمتقاعدين والمشمولين بالحماية الاجتماعية.
وفي موازنة 2021 خُصص نحو 54 تريليون دينار للرواتب و 31 تريليون دينار للمتقاعدين والفئات المشمولة بالحكومة ، أي ما مجموعه 85 تريليون دينار وهو ما يفوق الايرادات المتوقعة من الصادرات النفطية ، مما ادى بالحكومة ان تواجه عجزا بالميزانية.
تمثل عائدات النفط الحصة الأكبر من صافي إيرادات الحكومة العراقية ، حيث وصلت الى 98٪ عام 2003 و 80٪ عام 2021 ، وهو هدف أصبح من الصعب للغاية تحقيقه في ظل البيانات والظروف الاقتصادية للبلاد. وبالتالي ، فإن اعتماد العراق على النفط باعتباره السلعة الأساسية وفي بعض الأحيان السلعة الوحيدة لتغطية نفقاته يشكل مخاطرة متزايدة ، وسيؤدي إلى مشاكل جديدة للحكومات المستقبلية ما لم تقم بإصلاحات هيكلية واقتصادية.
اين تكمن الاولية هل في الإصلاح السياسي أم الإصلاح الاقتصادي؟
يبدأ الإصلاح الاقتصادي بالإصلاح السياسي. تشكلت الحكومات في العراق منذ عام 2004 بتحالفات سياسية وتوافقية. تمتنع حكومات التحالف أيضًا عن الإجراءات التي من شأنها أن تعرض بقاءها للخطر ، ولا يمكنها تنفيذ إصلاحات أساسية ضد إرادة ومصالح الكتلة الأكبر ومتابعة سياساتها دون اعتبار لها. لذلك ، تركز معظم الحكومات ، عن طيب خاطر أو كره ، على الحالات التي لا تؤثر على مصالح الكتلة الأكبر ، وبالتالي فإن أي إصلاح ليس جوهريًا.
وعليه ، فإن نجاح الإصلاحات الأساسية يتطلب وجود حكومة فعالة ومتماسكة تدعمها الفصائل والمعارضات الأكبر ، فضلاً عن البرلمان والسلطة.
الحاجة إلى الإصلاح السياسي:
من المفارقات السياسية في العراق أن هيكله الحزبي لا يمكن وصفه بأنه ديمقراطي ، لذلك من الطبيعي أن هذا النظام الحزبي لا يمثل الشعب حقًا. انخفض إقبال الناخبين بمرور الوقت ، حيث وصل إلى 44 بالمائة في عام 2018.الأحزاب الرئيسية في العراق يقودها نفس الأشخاص على مدى العقدين الماضيين ، على الرغم من أننا شهدنا بعض الانقسامات ، لكن غالبية هذه الأحزاب الجديدة ليست ديمقراطية. ما يميز جميع الأحزاب العراقية أنها تدور حول شخصية واحدة وقائد واحد ، يحل محله في النهاية أحد أفراد عائلته ، وإذا عقد المؤتمر فهو احتفالي تمامًا. إن غياب الشفافية بين الأحزاب العراقية وعدم قدرتها على إجراء تغييرات حقيقية وذات مغزى في قيادة الحزب هو عامل آخر في عدم الرضا والإحباط لدى العديد من الفئات الاجتماعية ، وخاصة الشباب ، الذين يمثلون ثلثي سكان العراق.
يعد تعديل قانون الأحزاب شرطا مسبقا لإصلاح العملية الانتخابية حتى يتمكنوا من تشكيل حكومة مستقرة وفعالة وبرلمانية. لذلك ، فإن تعديل قانون الأحزاب لا يقل أهمية عن تعديل قانون الانتخابات. وجود عدد كبير من الأحزاب في الانتخابات لا يشير إلى نضج سياسي ، بل يشير إلى اضطراب سياسي. الغالبية العظمى من الأحزاب العراقية تفتقر إلى التمثيل الوطني والشامل وغالبا ما تقوم على الهويات الإقليمية والدينية والعرقية والطائفية. فاذما أصبحت الأحزاب أكبر ووطنية ، فسوف تسهل تشكيل حكومات فعالة وقوية ومنسقة ، وستكون العملية بدون خوف من الأقليات السياسية.
مقترحات لإصلاحات جادة في العراق:-
- إعادة تصميم وتغيير الهيكل السياسي الفعال لخلق حكومة متماسكة وممثلة للشعب.
۲. إصلاح الأنظمة القضائية والتنظيمية والتشريعية القادرة على مكافحة الفساد المنظم. (يأتي العراق في ذيل قائمة والمؤشرة للفساد ، ويحتل المرتبة 160 من أصل 180. كانت محاربة الفساد هي إحدى أولويات المحتجين).
- تكامل النظام الأمني - العسكري واحتكار السلاح في يد الحكومة وإعطاء السلطة للحكومة. (المادة 32 من قانون الأحزاب تحظر على الأحزاب السياسية الانخراط في نشاط عسكري).
- تقديم الخدمات العامة وإنتاج الثروة وتوزيعها بشكل عادل وفعال.
- إدارة اقتصادية لتسهيل وتحفيز وخلق فرص عمل للمجتمع العراقي المتنامي.
- التخطيط ووضع رؤية عشرية لعملية الإصلاح.
وعلى الرغم من أن الجهود المبذولة لتحقيق مثل هذه الإصلاحات الشاملة قد تواجه عقبات سياسية وقيود قانونية ، وفي بعض الحالات تتطلب تغييرًا في الدستور ، فإن هذه الإصلاحات الشاملة يجب إجراؤها في أسرع وقت ممكن ، وإلا فإن العراق سيتكبد المزيد من الخسائر.