أ.م.د. حمد جاسم محمد
قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
حزيران 2021
ينظم الفصل التاسع من الدستور الايراني المعدل لعام 1989، السلطة التنفيذية في ايران، وحدد في المواد من (114الى 121) طريقة انتخاب رئيس الجمهورية والترشيح والشروط الواجب توفرها فيه، وقد جرت في ايران اثنا عشر دورة انتخابية لرئاسة الجمهورية في موعدها المحدد رغم كل الظروف التي مرت بها ايران منذ العام 1979، وفي الدورة الثالثة عشر تجري الانتخابات الرئاسية الإيرانية في موعد 18 يونيو/حزيران 2021، ويتنافس فيها سبعة من المرشحين تمت الموافقة على قبول ترشيحهم من قبل مجلس صيانة الدستور وهم كلا من (رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق للحرس الثوري، ( محسن رضائي، ومحسن عليزاده، وسعيد جليلي، وعليرضا زاكاني، وعبد الناصر حماتي، وأمير حسين غازيزاده هاشمي)، من اصل اكثر من 600 مرشح، وقد جاء الاختيار حسب تصريح المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور وفق الشروط التي نصت عليها المادة 115 من الدستور، والتي تنص ان يكون المرشح ايراني الاصل و يحمل الجنسية الايرانية، ذو كفاءة في مجال الادارة ، وذو تاريخ جيد، تتوفر فيه الامانة و التقوي، واخيرا ، مؤمناً و معتقداً بمبادئ جمهورية ايران الاسلامية و المذهب الرسمي للبلاد.
وتأتي المفاوضات النووية على راس اوليات اي حكومة ايرانية قادمة، فقد عقدت ايران اتفاقا نوويا عام 2015 من ما تسمى بمجموعة 5+1، بعد مفاوضات استمرت لاكثر من عامين، الا ان هذا الاتفاق لم يرى النور الا لوقت قصير قبل ان تنسحب الولايات المتحدة منه في عهد ادارة الرئيس السابق (دونالد ترامب)، وتعيد اغلب العقوبات الاقتصادية على ايران، وضغوط شديدة عليها من اجل اعادة التفاوض من جديد ليشمل قضايا مثل البرنامج الصاروخي الايراني ونفوذها في المنطقة ودعمها فصائل المقاومة وخاصة في فلسطين، في حين عارضت الحكومة الايرانية كل هذه الاجراءات وقامت بتقليل الالتزام بتقييد الانشطة النووية ورفعت سقف تخصيب اليورانيوم حتى وصل الى 60%، بعد ان كان محدد بـ(3.6%) حسب الاتفاق النووي السابق، وبعد الانتخابات الامريكية عام 2020 ومجيء ادارة جديدة للبيت الابيض برئاسة (جو بايدن) الذي اعلن ان الولايات المتحدة مستعدة للعودة للاتفاق النووي مع ايران في حالة التزام ايران به، وبعد تدخل الدول الاوربية بدأت مفاوضات نووية جديدة في فيينا في نيسان 2021 بين ايران ومجموعة 4+1، ولكن بصورة غير مباشرة بين ايران والولايات المتحدة، اذ يتم عرض وجهات النظر بينهم عن طريق اطراف الاتفاق النووي الاخرى ، وعلى الرغم من اعلان الاطراف بعدم وجود شروط مسبقة الا ان كل طرف يحاول ان يعلن عنها، فايران تشترط رفع جميع العقوبات التي فرضتها ادارة الرئيس السابق (دونالد ترامب)، في حين تريد الولايات المتحدة ان تشمل المفاوضات البرنامج الصاروخي ونفوذ ايران في المنطقة، وقد دخلت المفاوضات عدة جولات للوصول الى حلول وسط لحل ازمة البرنامج النووي الايراني ورفع العقوبات.
واهمية الانتخابات الرئاسية الايرانية 2021 تأتي كونها محكومة بعدد من المحددات، والتي تلعب دورا في توجهات ايران الداخلية والخارجية، والتي ستقود الى انبثاق قيادة سياسية جديدة سيكون لها دور في طريقة ادارة المفاوضات النووية مع دول 5+1، والموقف من الولايات المتحدة، والملفات الاقليمية، وتكون هذه الحكومة قوية ومنسجمة مع توجهات المرشد الاعلى من الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة، ومن وجهة نظر المحللين فان توجهات القيادة الايرانية القادمة ترغب في حكومة من التيار المحافظ المعتدل، والذي يجمع بين التشدد تجاه الولايات المتحدة وفي نفس الوقت اخذ مصالح البلد في نظر الاعتبار في المفاوضات الجارية، ومن اهم اسباب سير الانتخابات بهذا الاتجاه هي:
- ان عقد الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 عام 2015، لم يحسن من وضع الاقتصاد الايراني الذي لا زال يعاني من تراجع في اغلب قطاعاته، وخاصة قطاع المصارف والطاقة، وتراجع قيمة العملة، وما سببه تراجع الوضع الاقتصادي واثاره على كاهل المواطن الايراني وسوء الحالة المعيشية لهم، والسبب الاساس هو العقوبات الامريكية والتي فرضتها ادارة الرئيس الامريكي السابق (دونالد ترامب)، والتي شملت معظم القطاعات وخاصة قطاع الطاقة، هو ما دفع القيادة الايرانية وقطاعات من الشعب بالقاء اللوم على الولايات المتحدة وعلى جهات داخلية داعمة للاتفاق النووي، والاتجاه نحو التشدد في اي مفاوضات جديدة وعدم تقديم اي تنازلات فيما يخص البرنامج الصاروخي او النفوذ الاقليمي، لعدم ثقتهم بالولايات المتحدة والتي انسحبت من الاتفاق النوي عام 2018، وكانت هي السبب في تدهور الوضع الاقتصادي في ايران، لهذا فان الاتجاه العام هو في اختيار حكومة ايرانية محافظة تمكنها من اجراء مفاوضات جديدة من اجل رفع هذه العقوبات مع ضمان حقوق ايران النووية، اذ سوف تضع القيادة الايرانية مفاوضات عام 2013، والتي اسفرت عن الاتفاق النووي لعام 2015 امامها وعدم الوثوق بالولايات المتحدة والغرب في اي اتفاق جديد لا يستند على ارضية قوية، لا سيما بعد فشل حكومة الاصلاحيين برئاسة (حسن روحاني) في جني اي فائدة من الاتفاق السابق.
- حدوث بعض الخروقات الامنية والتي ادت الى مقتل عدد المسؤولين الكبار مثل قائد فيلق القدس (اللواء قاسم سليماني)، و(محسن فخري زادة) احد علماء البرنامج النووي، كذلك وجود تذمر شعبي اقليمي تقوده دول خليجية مدعومة من الولايات المتحدة ضد نفوذ ايران في المنطقة، فقد وضعت هذه الاحداث ايران امام معضلة امنية كبيرة، وان تضع الخطط والقادة القادرين على مواجهة هذه الخروقات، خاصة وان للحرس الثوري مواقف ثابتة من الولايات المتحدة والغرب في المفاوضات السابقة، وهو كان من المعارضين لهذه المفاوضات بدون ضمانات قوية تمنع الولايات المتحدة من التراجع عنها او استهداف ايران مستقبلا، لهذا فان الحفاظ على المكاسب وتقليل الخسائر يحتاج الى قيادة سياسية محافظة قادرة على الخروج الآمن من هذا الوضع.
- ان التيار المحافظ المعتدل هو الاقرب الى منصب القيادة الايرانية مستقبلا، وان هذه الانتخابات سوف تهيئة الارضية المناسبة لوجود شخصيات قيادية قادرة على خلافة المرشد الاعلى الحالي (آية الله علي خامنئي)، لهذا فان الاختيار في هذه المرحلة سيتركز على اشخاص محددين عندهم القدرة على حل مشكلات إيران الداخلية والخارجية، مع المحافظة على التوجهات الفكرية والأيديولوجية النظام السياسي، كذلك ان يسير المرشد الاعلى الجديد على نفس طريق القيادة السابقة لاسيما الموقف من الولايات المتحدة والغرب والموقف من المنطقة والعالم .
- تراجع حظوظ التيار الاصلاحي والمحافظ المتشدد من الوصول الى سدة الرئاسة الايرانية لا سيما بعد استبعاد اغلب شخصيات هاذين التيارين، مما مهد الساحة للتيار المحافظ المعتدل الذي تم قبول شخصيات مؤثرة للترشيح لهذه الانتخابات، اذ لا يوجد بين من تم قبول ترشيحه من الاصلاحيين والاصوليين لرئاسة الجمهورية من لديه القدرة على منافسة التيار المحافظ المعتدل في هذه الانتخابات، اضافة الى وجود مؤشرات على عزوف المواطنين عن المشاركة السياسية في هذه الانتخابات.
- المنافسة الشديدة بين الاقطاب الدوليين (الولايات المتحدة والصين وروسيا) جعل ايران تخرج من حالة الدفاع الى المواجهة مع الولايات المتحدة، من خلال اتكائها على حلفاء اقوياء (روسيا والصين) وهم بحاجة لإيران كقاعدة مهمة في المنطقة ومورد اساس للطاقة، كذلك قوت حلفاءها الاقليميين وتأثيرهم على موازين القوى في المنطقة، لفقد تمكن الحوثيين من الصمود امام التحالف العربي الذي تقوده السعودية واصبحوا عامل دعم لإيران في البحر الاحمر، وفي سوريا اصبح لإيران دور مهم في تغيير موازين القوى لصالح النظام السوري، وفي غزة تمكنت فصائل المقاومة في المواجهة الاخيرة في ايار 2021، في توجيه ضربات صاروخية مؤثرة على اسرائيل وتكبدها خسائر لم تكن تتوقع حدوثها، وهو ما جعل دول المنطقة تنظر لإيران كقوة اقليمية لا يمكن تجاهلها في ترتيبات امنية في المنطقة مستقبلا.
ان الظروف الخارجية والداخلية المعقدة والتي تمر بها ايران، سوف تفرض عليها نوعية القيادة الجديدة للسلطة التنفيذية والتي سوف تدير البلاد لأربع سنوات قادمة بعد انتهاء فترة رئاسية (حسن روحاني)، ان هذه الظروف هي التي تحدد لصانع القرار الايراني من اي طرف كان محافظ او اصلاحي او اصولي الطريق الذي يسلكه في التفاوض من الغرب والامم المتحدة حول البرنامج النووي، كذلك عليهم ايضا ان يأخذوا بنظر الاعتبار الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه ايران والذي اصبح يلقي بظلاله على الشارع الايراني ويحتاج الى حلول جذرية للازمة الاقتصادية، كما ان ايران تسعى ايضا الى الحفاظ على نفوذها الاقليمي وعدم التراجع بقوة امام الولايات المتحدة، كل هذه ستكون محددات لاختيار رئيس جديد لإيران.