التوظيف السياسي للفكر الجهادي في التاريخ الإسلامي

      التعليقات على التوظيف السياسي للفكر الجهادي في التاريخ الإسلامي مغلقة

 

أ . م . حيدر خضير مراد
قسم الدراسات الدولية / مركز الدراسات الاستراتيجية
تشرين الأول 2021م
تحتل المفاهيم الدينية مكانة سامية في نفوس المجتمعات البشرية على مر التاريخ، ومنذ عصور موغلة في القدم والحكام وأرباب السلطة السياسية يستغلون بعض تلك المفاهيم والافكار الدينية في التأثير على المحكومين وتوجيههم لخدمة اغراضهم ومآربهم السياسية، وهي ظاهرة متكررة في التاريخ الانساني في كل زمان ومكان.
وقد شهدت عصور التاريخ المختلفة استخدام السلطة السياسية بعض مفاهيم الدين لتبرير العدوان على الشعوب واغتصاب اوطانها من اجل تحقيق غايات سلطوية واطماع توسعية، وهو ما يدخل ضمن مصطلح التوظيف السياسي الذي يقصد به استخدام جهة معينة غالباً ما تكون سياسية لقضية ما لتحقيق غاية أو هدف سياسي يصب في مصلحتها، ويطلق هذا المصطلح على الشيء ويراد به الدلالة على معنى سلبي، إذ يكون استغلاله دون القناعة به، أنما من أجل تحقيق مصلحة خاصة، او إقحامه في غير سياقه وطبيعته، او المزايدة به نظرياً دون تبنيه عملياً.
وقد حاول بعض المستشرقين تشويه مفهوم الجهاد وتصوير ان الإسلام قد انتشر بحد السيف ، وان المسلمين استلوا سيوفهم لإرغام الناس على عقيدة الإسلام، امثال جورج ويلز(1) وتوماس هوبس وهانس كونغ(2) وهاملتون جب(3) مصورين اعمال الخلفاء وامراء المسلمين الجهادية في سبيل نشر الإسلام وإعلاء كلمة الله في الأرض، على انها توظيف واستغلال سياسي لمفهوم وفكرة الجهاد محاولين ان يخمدوا في حس المسلمين روح الجهاد ويهونوا من شأنه، بل يحقروه وينفروا منه حتى يصلوا في النهاية الى أنه لا ضرورة مطلقاً اليوم ولا غداً للاستعانة بهذه الأداة المخيفة او الهمجية على حد تعبيرهم(4)، وحاولوا هدم فكرة الجهاد من القرن الأول الهجري / السابع الميلادي وحتى القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي، ورغبوا في القضاء على النماذج التاريخية الإسلامية لفكرة الجهاد من أجل ان يكون الإسلام وابنائه جثث هامدة لا ترد الغزاة في كل عصر، فالهدف ليس دحض الفكرة في التاريخ الإسلامي على نحو خاص، بل ان الهدف أعمق وأخطر وهو القضاء على الفكرة في الماضي وتشويهها من أجل الا يكون لها وجود في المستقبل(5)، فحاولوا ان يصوروا أعمال الخلفاء الامويين والعباسيين على انها غزوات وحروب توسعية ضد الشعوب الآمنة من أجل نهب ثرواتها وسبي نسائها واطفالها، متناسين ومتغافلين عن سماحة المسلمين وعدالتهم في معاملة الشعوب التي يقومون بفتح بلدانها، وخير دليل على ذلك ما ذكره المستشرق الإنجليزي المنصف توماس ارنولد من “إن الفكرة التي شاعت بأن السيف كان العامل في تحويل الناس إلى الإسلام بعيدة عن التصديق، إن نظرية العقيدة الإسلامية تلتزم التسامح وحرية الحياة الدينية لجميع أتباع الديانات الأخرى، لقد ظل الكفار على وجه الإجمال ينعمون في ظل الحكم الإسلامي بدرجات من التسامح لم نكن نجد لها مثيلاً في أوربا حتى عصور حديثة جداً، وإن التحول إلى الإسلام عن طريق الإكراه محرم طبقاً لتعاليم القرآن، وإن مجرد وجود كثير من الفرق والجماعات المسيحية في الأقطار التي ظلت قروناً في ظل الحكم الإسلامي لدليل ثابت على ذلك التسامح الذي نعم به هؤلاء المسيحيون” (6).
لذلك نحن اليوم بحاجة ماسة الى مراجعة التراث الفقهي الإسلامي المتعلق بالجهاد واعاده قراءة لنصوصه من أجل تنقية هذا المفهوم مما علق به من تصورات خاطئة وتأويلات مغلوطة، وتشويه متعمد من قبل بعض الجهات، أن خطورة عدم تبني توجه نقدي عام نحو قطاعات من الباحثين الغربيين، ان تستشري أفكارهم، وان تلقى رواجاً لدى باحثينا من غير قصد ودون ادراك خطورة مثل تلك التوجهات الغربية على هويتنا ذاتها، وهكذا فإن الأمر ليس مجرد كتابات تاريخية والرد عليها، بل أن الأمر يتعدى ذلك نحو قضية الهوية ذاتها، التي من المفروض ان تعبر عنها كتاباتنا التاريخية وان تدافع عنها وعن المفاهيم السامية التي جاء بها الاسلام كمفهوم الجهاد الذي شرع اساساً للدفاع عن النفس والأرض، قال تعالى: “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ”(7).
الهوامش :
حيث يقول :” كان دين الله الوحيد ، قد بدأ بتعدد هجوم وغارات نحو قوافل مكة ” . ينظر :
Wells, H.G., The Outline of History, London: Garden City Books, 1949,p.600.
(2) Kung, Hans, Religion, Violence and “Holy Wars”, International Review of the Red Cross, volume. 87,2005,p.261;
حمزي ، حاتم ، التوظيف السياسي للجهاد بين الماضي والحاضر ، مقال منشور بتاريخ 20 كانون الاول 2017 م في جريدة هسبريس الإلكترونية المغربية وعلى الرابط : https://www.hespress.com/writers/375293.html
(3) الذي يقول :” ان الحروب الإسلامية عدوانية توسعية ” . ينظر: دراسات في حضارة الاسلام ، تحرير: شتاتفورد شو ووليم بولك ، ترجمة: احسان عباس وآخرون ، ط3 ( بيروت : دار العلم للملايين ، 1979م) ، ص 50 وما بعدها .
(4) التميمي ، حيدر قاسم مطر ، الجهاد الإسلامي في الدراسات الاستشراقية دراسة تحليلية نقدية ، مجلة دراسات استشراقية ، العدد العاشر ، 2017م ، ص103 .
(5) عوض ، محمد مؤنس ، الحروب الصليبية دراسات تاريخية ونقدية ، ط1 (عمان : دار الشروق ، 1999م) ، ص 160 – 161.
(6) الدعوة إلى الإسلام ( بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية) ، ترجمة : حسن إبراهيم حسن وآخرون ،(القاهرة : مكتبة النهضة المصرية ، 1971م)، ص 62.
(7) سورة البقرة ، الآية 19