ايران واذربيجان … المصالح تتغلب على الصراع
- أ.م.د. حمد جاسم محمد
قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
14 تشرين الاول 2021
تجمع إيران وجارتها الشمالية جمهورية أذربيجان، قواسم ثقافية واجتماعية ودينية، فجمهورية اذربيجان كانت جزءا من إيران (مملكة فارس قديما)، قبل ان تخسرها في حروب القوقاز (1808-1824) مع روسيا القيصرية وعقد معاهدة (تركمانجاي) 1928, اضافة الى ان 85% من السكان من المسلمين الشيعة، الا ان التوترات الاخيرة دفعت كلا الدولتين الى تحشيد عسكري للطرفين على الحدود، واجراء مناورات عسكرية، فقد اجرت اذربيجان مناورات مشتركة مع تركيا وباكستان، بينما اجرت ايران مناوراتها منفردة وبمختلف الاسلحة، مع تصريحات من مسؤولي الدولتين ، وعلى اعلى المستويات، ضد بعضهم البعض، وطلاق اتهامات مختلفة كادت ان تقود هذه التحشيدات العسكرية والتصريحات الى حدوث مواجهات عسكرية بن الدولتين.
اضافة الى نقاط الخلاف القديمة بين الدولتين ومنها: النظام السياسي في جمهورية أذربيجان هو نظام علماني وذات توجه غربي, ووجود شكوك ايرانية بوجود تعاون بينه وبين الولايات المتحدة فيما يخص برنامج ايران النووي وانشاء قواعد عسكرية لها، كذلك وجود مطامح للقوميين الاذريين في جمهورية أذربيجان في توحيد الاذريين وتكوين أذربيجان الكبرى وخشية ايران من ان يشكل ذلك خطرا على وحدتها الاقليمية, واختلاف وجهات النظر حول تقسيم الحدود البحرية في قزوين، فان اسباب التوتر الاخيرة اختلفت من طرف لأخر، فجمهورية اذربيجان تتهم ايران بانها تنتهك سيادتها وخاصة ارسال شاحنات الوقود الى اقليم (ناغورني قرة باغ) المعلن باسم جمهورية (ارتساخ) من طرف الارمن، وهو ما ترفضه اذربيجان، وبدأت بفرض رسوم عليها مما اثار حفيظة ايران، اما ايران فتتهم اذربيجان بانها اصبحت قاعدة للنفوذ الاسرائيلي وان العمليات الارهابية والتفجيرات التي حصلت في ايران كانت بدعم اسرائيلي عبر الاراضي الاذربيجانية، عندها حشدت ايران قواتها العسكرية وهددت باتخاذ اجراءات عسكرية لمواجهة التواجد الإسرائيلي ولحماية امنها القومي، الا ان السبب الاهم للتوتر بين الدولتين هو اقتصادي، فقد تمكنت اذربيجان في حربها الاخيرة مع وارمينيا الى السيطرة على جزء من طريق المواصلات (جوريس-كابان) الرابط بين إيران وأرمينيا، واقامة نقاط تفتيش عسكرية، مما اعاقة وصول شاحنات الوقود الى ارمينيا والى اقليم (ناغورني قرة باغ)، اذ بدأت اذربيجان باستيفاء رسوم عبور كبيرة على هذه الشاحنات وحجز بعضها، كذلك فتح ممر (زنغزور) والذي يربط بين تركيا وجمهورية اذربيجان عبر الاراضي الارمنية، والذي سيكون مهما جدا من الناحية الجيوسياسية والجيو اقتصادية، فهو يربط تركيا اقتصاديا بأسيا الوسطى والقوقاز، ويعزز العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، ومن خلال هذا الطريق سوف يتم نقل النفط والغاز من اذربيجان بسعر ارخص الى تركيا، كذلك اقامة انابيب لنقل الغاز من دول بحر قزوين الى اوروبا عن طريق تركيا، كذلك نقل بضائعها الى اسيا الوسطى والقوقاز، وهنا ستكون تركيا منافس قوي لإيران في المنطقة، فالعقوبات الاقتصادية الامريكية على ايران ولاسيما في قطاع الطاقة حرم ايران الكثير من الاسواق الدولية، ولم يتبقى لها سوى اسواق دول الجوار ومنها تركيا وارمينيا، اذ تعد ايران مورد اساس من النفط والغاز الى الدولتين، وان انتصار اذربيجان في حربها مع ارمينيا وفتح ممرات من تركيا الى اذربيجان كذلك قطع طريق ارمينيا ايران، هذا التبدل في الوضع على الارض تنظر اليه ايران على انه سيكون عائق امامها مستقبلا للوصول الى اوروبا عن طريق تركيا، وظهور منافسة جديدة لها في مجال تصدير ونقل الطاقة عبر تركيا، كذلك سيزيد من ضغوط العقوبات الامريكية على ايران.
وتنظر ايران الى علاقات اذربيجان مع اسرائيل تهديدا امنيا ضدها، ووصول اسرائيل الى حدود ايران الشمالية، الى جانب تواجدها في اقليم كردستان سيعطيها ميزة تفوق اضافية، فهي قادرة بسهولة على اختراق الحدود الايرانية وتجنيد عملاء لها، كذلك نصب اجهزة تنصت وطائرات مسيرة، كما يمكنها استهداف منشئات ايران النووية بسهولة، يضاف الى ذلك ان تواجد اسرائيل على حدود ايران سوف يضعف الميزة التي كانت تتمتع بها من خلال تواجدها في سوريا.
رغم كل ما جرى من توتر بين الدولتين والمشاكل التي تثار بين مدة واخرى، الا ان كلا الدولتين لا تريد ان تنجر الى صراع عسكري سيكون له امتدادات داخلية واقليمية ودولية خطيرة، فأذربيجان التي حققت انتصارات مهمة في حربها مع ارمينيا واستعادت اراضيها تحاول جاهدة الحفاظ على هذا المكسب وتتجنب اي توتر او صراع قد يجعل ارمينيا تتفوق عليها، لاسيما وان حدوث اي صدام مع ايران سيكلفها الكثير ولن تستطيع مجابهته، وهو ما سيكون ايضا في صالح ارمينيا، اضافة الى ان اذربيجان ورغم علاقاتها المتميزة مع تركيا فهي لا تريد ان تقع تحت النفوذ التركي كليا، وتحاول ان تكون لها رؤية مستقلة وعلاقات متميزة مع جيرانها.
اما ايران فهي الاخرى ترى بان اي صراع في المنطقة سيكون لصالح اطراف اقليمية محددة مثل تركيا واسرائيل، وان تفوق ايران العسكري مقارنة بجمهورية اذربيجان لن يكون في صالح ايران على المدى الطويل، اذ ان منطقة القوقاز منطقة نفوذ روسية تقليدية وان روسيا لن تسمح بوجود اي عدم استقرار فيها، والذي قد يفتح الباب لتدخل دولي على حدودها، لاسيما وانها هي من اوقف الحرب بين ارمينيا واذربيجان، لهذا فايران لا تريد ان تتوتر علاقاتها مع روسيا التي تعدها مفتاح علاقاتها الخارجية والداعم الاساس لها، كما ان ايران تحاول ان تحافظ على تماسكها القومي ومنع اي انفراط او تتوتر بين أثنياتها القومية، فالقومية الآذرية هي ثاني اقلية قومية في ايران من حيث عدد السكان، ولها تأثير واضح في كل مفاصل الدول سياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا، وهم مع الفرس متحدين في حماية وحدة الدولة الايرانية.
كما ان اهمية المنطقة استراتيجيا واقتصاديا ووجود خطط مستقبلية لتكون بوابة الصين وشرق اسيا الى اوروبا والعالم عن طريق الحرير، جعل ايران واذربيجان تتجنب اي مواجهة عسكرية يمكن ان يكون مدمرا ويقود للفوضى، وان انهاء التوتر والصراع هو مفتاح التقدم والنمو والتعاون في المنطقة ككل.