أ.م.د. حمد جاسم محمد
قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
11 تشرين الثاني 2021
في يوم 3 تشرين الثاني 2021 قامت وحدات من بحرية الحرس الثوري الايراني بأنزال على ناقلة نفط كانت البحرية الامريكية قد احتجزتها وافرغت حمولتها في سفينه اخرى لمصادرتها، ورغم تضارب الانباء حول الحادثة الى ان سلسلة المواجهات البحرية بين الدولتين كانت مستمرة منذ الثورة الايرانية عام 1979، اذ تمتلك الولايات المتحدة الامريكية عشرات القواعد العسكرية المختلفة في دول المنطقة اضافة الى السفن الحربية وحاملات الطائرات وعشرات الالاف من الجنود المنتشرين في هذه القواعد، اضافة الى ان ايران هي الاخرى تمتلك ساحل يمتد من شمال الخليج الى بحر العرب في الجنوب وعدد من القواعد العسكرية والموانئ المهمة وخاصة منصات تصدير النفط والغاز. ان توتر العلاقات بينهم واكتشاف البرنامج النووي الايراني عام 2003، وتوسع الدور الايراني في المنطقة بعد احتلال العراق واحداث الربيع العربي وحرب اليمن، قاد الى قيام الادارات الامريكية المتعاقبة من فرض عقوبات شاملة واهمها الاقتصادية على ايران والتي اثرت على اداء الاقتصاد وعلى معيشة الشعب وعمل قطاع المصارف وانخفاض قيمة العملة وتراجع كميات النفط المصدرة وعزوف الشركات العالمية الكبرى عن الاستثمار في حقول النفط والغاز الايرانية رغم غناها، وذلك خشية من العقوبات الامريكية، ورغم عقد الاتفاق النووي عام 2015 ورفع بعض العقوبات عنها عام 2016، الا ان هذه العقوبات مستمرة الى اليوم.
العقوبات والتهديدات الامريكية المستمرة قابلها انتشار ايراني واسع في الخليج العربي وبحر عمان ووصل الى البحر الاحمر والمحيط الهندي كذلك مد نفوذها في اغلب دول الاقليم بصور عدة، وهو ما قاد الى حدوث مواجهات محدودو ومتفرقة بين قوات الدولتين في الخليج العربي، كان اولها في ثمانينات القرن الماضي من خلال قيام الولايات المتحدة عام 1980 بعملية عسكرية فاشلة لإنقاذ الرهائن في سفارتها في طهران، وبضرب بعض منصات النفط الايرانية عام 1987، واسقاط طائرة مدنية ايرانية في الخليج العربي عام 1988، ثم قيام الولايات المتحدة في يوم 3 كانون الثاني 2020، في توجيه ضربة جوية استهدفت كلا من قائد فيلق القدس الايراني (الجنرال قاسم سليماني، ونائب قائد الحشد في العراق ابو مهدي المهندس) قرب مطار بغداد الدولي، وهي اكبر عملية امريكية ضد ايران، هذه العمليات قابلها قيام القوات البحرية الايرانية بعمليات مراقبة ومضايقات للقوات البحرية الامريكية، واسقاط طائرة مسيرة امريكية عام 2011، وفي عام 2016 تم اسر 10 من افراد القوات البحرية الامريكية كانوا في دورية في الخليج العربي، اطلق سراحهم لاحقا، كذلك ضرب قاعدتي عين الاسد وكركوك التي تضم قوات امريكية في العراق ردا على استهد\اف قائد فيلق القدس، وهناك عمليات عسكرية غير مباشرة نفذها الطرفان ضد بعضهم تمت على اراضي دول المنطقة، ومنها كما في اليمن ومساعدة الحوثيين في استهداف منشئات نفط في السعودية، وفي سوريا والعراق ولبنان.
ان المواجهات الامريكية الايرانية في المنطقة سوف تقود الى مشهدين للمفاوضات النووية مع ايران يتمثل المشهد الاول: ان وصول المواجهات البحرية بين الطرفين الى مرحلة حرجة، وانسحاب ايران من القيود التي فرضها اتفاق عام 2015 والمتعلقة بالرقابة على المنشأة النووية ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم الى مستويات وصلت الى 60%، اضافة الى تأثير العقوبات الاقتصادية الامريكية الشاملة على ايران كما حصل عام 2010، سوف يقود للعودة الى المفاوضات النووية بين ايران ومجموعة 5+1 ، والمقرر اجراءها في 29 تشرين الثاني 2021، لا سيما وان الولايات المتحدة سوف تشارك فيها بوفد يترأسه المبعوث (روبرت مالي)، وان هناك جدية من قبل الدول الاوربية وروسيا والصين في اجراء المفاوضات والخروج بنتيجة مرضية لكل الاطراف.
اما المشهد الثاني: فهو يقود الى تعقيد مسالة العودة للاتفاق النووي او عدم الوصول الى نتائج مجدية حتى في حالة عودة المفاوضات النووية، لاسيما وان هناك قلق اوربي امريكي وتحريض اسرائيلي على زيادة ايران لإنتاج اليورانيوم كما ونوعا، اذ وصلت نسبة التخصيب الى 60% بكمية بلغت 10 كغم، ، وكمية 83 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، وهي اعلى من نسبة التخصيب المسموح بها (3.67%)، كما طورت ايران من صناعة وتطوير الطائرات المسيرة والتي اصبحت تهديد كبير للمصالح الغربية في الخليج، كذلك زيادة نفوذها في المنطقة ولاسيما على حدود اسرائيل في سوريا ولبنان، وتقدم الحوثيين في حرب اليمن وعدم قدرة التحالف السعودي عن تحقيق اي تقدم يذكر، اضافة الى قيام البحرية الايرانية بعمليات مراقبة دقيقة واقتراب من السفن الامريكية، ودعم ايران للمطالب بسحب القوات الامريكية من العراق، هذا سيجعل من المفاوضات وفق رؤية الفريق المتشددة واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة غير مجدية او ذي فائدة، لاسيما وان بعض التقارير تؤكد قرب ايران من انتاج سلاح نووي اذا استمرت على هذه الوتيرة من التخصيب.
خلاصة القول: ان مواجهات البحرية الامريكية الايرانية في الخليج العربي مع تسارع بعض الاحداث في المنطقة وخطورتها سوف تدفع كل الاطراف لاستئناف المفاوضات للخروج بحل وسط حتى لو كان مؤقتا كما في الاتفاق النووي السابق وذلك لتجنب مواجهات عسكرية مفتوحة غير محسوبة العواقب كما في رؤية بعض السياسيين في الغرب ، يضاف اليه خوف دول الخليج العربية من اية مواجهات عسكرية في المنطقة والتي ستكون اراضيها ساحة حرب لها، لهذا فان الحل الجزئي والمؤقت قد يكون مناسبا لكل الاطراف.