الدكتورة روافد الطيار
رئيس قسم الدراسات القانونية ،مركز الدراسات الاستراتيجية
تشرين الثاني 2021
صوت مجلس النواب العراقي المنحل على تشريع قانون أسس تعادل الشهادات والدرجات العلمية العربية والاجنبية في الثامن والعشرون من تشرين الاول 2020 ،وأصبح نافذا من ذلك التاريخ ،وحسب نص المادة (16) منه والتي تشير إلى ( ينفذ هذا القانون من تاريخ التصويت عليه في 28/10/2020 ….).
تم اصداره من قبل مجلس النواب المنحل تحت ذريعة وكما ذكر في الاسباب الموجبة لتشريعه (أستناداً لإحكام الدستور التي عززت مركز التعليم كونه عامل أساس لتقدم المجتمع وتشجيعاً للبحث العلمي للأغراض السلمية بما يخدم الإنسانية ولرعاية المتفوقين والمبدعين والمبتكرين والحث على الحصول على الشهادات العليا مع الحفاظ على الرصانة العلمية وتبسيط اجراءات معادلة وتقييم الشهادات والدرجات العلمية واعتماد المعايير الموضوعية وكفالة حق الاعتراض والتظلم على قرارات التقييم والمعادلة، شُرع هذا القانون.)
تضمن هذا القانون تنظيم معادلة الشهادات الجامعية لذوي الدرجات الخاصة، فضلا عن إجراء معادلة الشهادات الجامعية خارج وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
إلا إنه أثار غضب واستياء جهات عدة منها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وكذلك نقابة الاكاديميين العراقيين وغيرها كونه قانون يمس برصانة الشهادة العراقية وجودتها وكذلك يمس بمكانة اللقب العلمي للأستاذ الجامعي ، مما ترتب عليه رفع دعوى مشروعية أمام المحكمة الاتحادية العليا للنظر في مدى دستورية هذا القانون ،كون القانون صدر بموافقة مجلس النواب بتفرد ودون مصادقة رئيس الجمهورية عليه إلا إنه نفذ بمضي المدة المطلوبة ،ومن دون الحصول على موافقة الجهة المعنية وصاحبة الاختصاص وهي وزارة التعليم العالي،إضافة الى مساسه ،وقد خالف المواد (47) و(60 /اولا) (80 /اولا –ثانيا) من الدستور .
وبعد نظر المحكمة في الدعوى قضت بعدم دستورية 6 مواد من القانون وهي:
- عدم دستورية عبارة (ذوي الدرجات الخاصة) الواردة في المادة (2 / ثانياً / أ من القانون).
- عدم دستورية عبارة (أو السفارات أو الملحقيات الثقافية) الواردة في الفقرة (ب) من البند (ثانياً) من المادة (2) من القانون”.
- عدم دستورية الفقرة ( أ ) من البند (ثالثاً) من المادة (2) المتعلقة بصلاحية الأمانة العامة لمجلس النواب بمعادلة الشهادات التي تصدر عن معهد التطوير البرلماني”.
- وقضت بعد دستورية “العبارة (إلا اذا تماثلت مدة الحصول عليها مع المدة المطلوبة للحصول على الشهادات المؤهلة لدخول تلك الجامعات أو التدريب فيها) الواردة في الفقرة (ج) من البند (ثالثاً) من المادة (2) من القانون”.
- عدم دستورية الفقرة (د) من البند (ثالثاً) من المادة (2 ) المتعلقة بصلاحية الوزارات والهيئات بمعادلة الشهادات الممنوحة عن طريق معاهد الدراسات فيها.
- وكذلك الفقرة (هـ) من البند (ثالثاً) من المادة (2) المتعلقة بصلاحية الجامعات ومجلس الخدمة الاتحادي بمعادلة الشهادات التدريبية”.
- عدم دستورية البند (ثالثاً) من المادة (3) من القانون المتعلقة بحصر عمليتي المعادلة والتقييم للشهادات باستيفاء الجوانب الإجرائية.
- وعدم دستورية البند (ثالثاً) من المادة (5) من القانون المتعلقة بإهمال شرط الحصول على شهادة الدراسة الثانوية في حال الحصول على الشهادة الجامعية أو الشهادة العليا”.
- عدم دستورية المادة(11) من القانون والتي تنص ( للوزير صلاحية الموافقة على معادلة وتقييم الشهادات غير مستوفية لشرط الإقامة المنصوص عليها في هذا القانون اذا توفرت أسباب مبررة منعت الطالب من اكمال المدة المذكورة في هذا القانون لغير المشمولين بأحكام المادة ( ١٤ ) من هذا القانون.)
- قضت المحكمة عدم دستورية المادة(12/ثانيا) من القانون والتي تنص ( يمنح حملة الشهادات العليا (الماجستير أو الدكتوراه) من الموظفين المدنيين أو المكلفين بخدمة عامة من غير موظفي وزارتي (التعليم العالي والبحث( العلمي ، التربية) اللقب العلمي ……). إلا إن المحكمة ابقت على الفقرة الاولى من المادة ذاتها وهذه الفقرة تسمح لاعضاء مجلس النواب والوزراء واصحاب الدرجات الخاصة باكمال الدراسة اثناء خدمتهم ويعد هذا الامر من الخطورة لانها منحت هؤلاء امتياز لا سند له وغير مبرر ولا يتفق مع مبدأ تكافؤ الفرص ،وكنا نتأمل من المحكمة ألغاء المادة 12 بأكملها.
- عدم دستورية المادة(14/ثانيا) من القانون .
يتضح لنا إن قرار المحكمة الاتحادية العليا ، قضى بعدم دستورية بعض المواد وليس القانون بمجمله ، بمعنى إن القانون مازال ساري مع حذف بعض فقراته ، وإن كانت هذه الخطوة لا تفي بالغرض إلا إنها تبقى خطوة نحو الامام، فهو يعد انتصارا للتعليم العالي ومكسبا لرصانة الشهادة العراقية وجودتها ،حيث إن القرار أعاد مشروعية إجراءات الوزارة وحافظ على مكانة اللقب العلمي لأساتذة الجامعات.
وقد يثار تساؤل ماهو الاثر القانوني لحكم المحكمة ،وهل يطبق بأثر رجعي ، وما مصير من أستفاذ من هذا القانون؟
في البدء لابد من بيان إن آثار الأحكام القضائية تختلف تبعاً لطبيعة الحكم فيما إذا كان كاشفاً أو مقرراً لحق قائم من قبل ولا ينشئ وضعاً جديداً، أو إذا كان منشئ لحق أو حالة قانونية لم تكن موجودة قبل صدور الحكم، فقي الحالة الأولى فإن الأثر الكاشف للحكم القضائي يرتبط بالضرورة بموضوع الرجعية فالحكم عندما يكشف عن حق قائم فإن ذلك ينسحب إلى وقت نشوء الحق ويذهب البعض الآخر إلى يوم رفع الدعوى ، في حين أن الحكم المنشئ تترب أثاره من وقت صدور الحكم، وطبقاً لنص المادة (4 / ثانياً) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة (2005) المعدل فإن الآثر المترتب على صدور الحكم بعدم الدستورية هو إلغاء القوانين التي تتعارض مع الدستور، لذا فإن طبيعة رقابة المحكمة الاتحادية العليا على دستورية القوانين هي رقابة إلغاء لاحقة لصدور التشريع، ويترتب على صدور الحكم بعدم دستورية القانون هو إلغاء القانون المخالف للدستور، إلا أن المشرع العراقي لم يحدد النطاق الزمني لسريان حكم الإلغاء فأختلف الفقه العراقي في ذلك، ذهب جانب من الفقه إلى أن الإلغاء يرتب آثاره اعتباراً من تاريخ صدور الحكم ، في حين يذهب جانب آخر من الفقه إلى ضرورة أعمال القواعد العامة في حالة سكوت المشرع والتي تقضي بأن الأحكام الصادرة بعدم الدستورية هي أحكام كاشفة للمخالفة الدستورية وبالتالي فإن أثر الإلغاء ينعطف إلى تاريخ صدور التشريع مع مراعاة الحقوق المكتسبة والمراكز القانونية المستقرة .
وازاء هذا الاغفال التشريعي في تحديد النطاق الزمني لسريان قرارات المحكمة الاتحادية العليا باثر رجعي،ام باثر فوري، ذهبت المحكمة الاتحادية العليا في قرارها المرقم (28/اتحادية/2018) في 12/2/2018 الى تحديد النطاق الزمني لسريان قرارات المحكمة الاتحادية العليا تلافياً لهذا الاغفال ، حيث جاء في حيثيات قراراها ما ياتي (… لدى التدقيق والمداولة حول الطلب الوارد الى المحكمة الاتحاديه العليا من الامانه العامة لمجلس الوزراء/ الدائرة القانونية بالكتاب المشار اليه في اعلاه تجد المحكمة الاتحادية العليا ان الاحكام والقرارات التي تصدر من المحكمة الاتحادية العليا تكون نافذه اعتباراً من تاريخ صدورها مالم ينص في تلك الاحكام على سريان نفاذها من تاريخ محدد بالحكم او القرار او ينص على سريانها على واقعه محددة كما هو وارد بالحكمين بالعدد (6/ اتحادية/2010) والعدد (7/ اتحادية/2010) المؤرخين في 3/3/2010 وفي الحكم المرقم (12/اتحادية/2010) في 14/6/2010 المشار اليه في الطلب المنوه عنه في اعلاه ، وصدر القرار بالاتفاق في 12/2/2018 ).
وعليه نرى إن قرار المحكمة الاتحادية العليا اعلاه له مبرراته القانونية والعمليه ومن ابرزها الحفاظ على المراكز القانونية المكتسبة بصورة مشروعة وهذا من شانة تعزيز استقرار المراكز القانونية وثقه المواطن بهذه المؤسسة الدستورية .
إلا إن ذلك لا يمنع أن ندعو المشرع العراقي الى تنظيم موضوع نطاق سريان الاحكام الصادرة بعدم الدستورية زمنياً بشكل دقيق حسماً للاتجاهات الفقهية المتعارضة ،وأن يكون الالغاء بأثر رجعي مع احترام الحقوق المكتسبة.