إستراتيجية بايدن الجديدة للأمن القومي

      التعليقات على إستراتيجية بايدن الجديدة للأمن القومي مغلقة

الكاتب : كريستوفر.إس. تشيفيز

الناشر : carnegieendowment

ترجمة : هبه عباس محمد علي

عرض وتحليل : م.م.حوراء الياسري

أوضح الكاتب أنَّ هناك نموذجاً مثالياً لإستراتيجية الأمن القومي، وهناك الحقيقة، فمثل أي عمل أوإستراتيجية عسكرية، يجب أن لا تكون إستراتيجية الأمن القومي لـ(بايدن) خريطة طريق مفصلة لصنّاع السياسة في الولايات المتحدة، ناهيك عن العديد من القيود، مما يضطر صنّاع السياسة إلى التكيف والارتجال عندما تواجههم موجة من التحديات العالمية والأزمات غير المتوقعة، فضلاً عن أخطائهم، لكن مايزال رأي الرئيس بشأن الإستراتيجية الأمنية الوطنية مهماً ومختصراً،فيمكن أن تساعد الإستراتيجية المنظمة صنّاع السياسات في تخطي الصعوبات المستقبلية، ويجب أن يكون هدفهم هو تحقيق هذا النموذج .  

لذلك سيطبق البيت الأبيض قريباً إستراتيجية الأمن القومي داخل أروقة الحكومة وخارجها، والتي سيعدّونهامجرد ممارسة بيروقراطية أخرى، ليس لها تأثير يذكر فيموجة القضايا التي يواجهها الرئيس جو بايدن وفريقه الرفيع المستوى، ومن جانبهم يأمل مسؤولو الإدارة أن تؤدي رئاسة بايدن، إلى تعافي النظام بعد أربع سنوات من الفوضى في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ومن الممكن أن يتم إغراء البيت الأبيض لكي يعدّالإستراتيجية، كأداة من أدوات السياسة الداخلية،ويستبعد مجموعة التحديات الدولية المألوفه وغير المنتهية،مقترنة بمجموعة مألوفة من ردود الحكومة الأميركية ونهجها. لكن مايقوله الرئيس في إستراتيجية الأمن القومي يعدّ أمراً مهماً للغاية، فالإستراتيجية التي تفتقر إلى الواقعية، بشأن القيود التي تعاني منها الولايات المتحدة الآن ستكون غير مجدية، لذا قد يتمثل النهج الأفضل ببيان واقعي يركز في الأساسيات، لمساعدة صنّاع القرار على تجاوز الصعوبات المقبلة، مع تمهيد الطريق لإستراتيجية الدفاع الوطني وغيرها من الأمور الاستراتيجية المهمة. فمن دون التحذير منها أو عدم تحقيقها؛ يمكن أن تكون هذه الإستراتيجية صريحة،بشأن كيفية تغير المصالح الأمريكية الأساسية. وأثارت هذه التغييرات على السياسة الخارجية والأمنية للولايات المتحدة، ضرورة التجديد المحلي الأمريكي، والعلاقة بين الرفاهية في الداخل ومكانة الولايات المتحدة في الخارج،إذ يمكن الاستفادة من التقليل من المشكلات التي تواجهها الأمة، أو المضي قدماً كما لو أنَّ العمل لتجديدالسلطة الأمريكية واستعادتها، يمكن أن يكتمل في فترة رئاسية واحدة أو اثنتين فقط. كما يتعين على إدارة بايدن أن تقاوم التلميحات التي تدعو إلى الشعور بالارتياح،والتي مفادها أنَّ الأمن القومي للولايات المتحدة ينبغي أن يوضع في إطار معركة مفتوحة من الوصايا مع الصين على نحو متزايد، أو أن يُعرض على أنَّه نضال الديمقراطية ضد السلطوية .

التغيير المحلي اولاً

بيَّن الكاتب أنَّه تم تفويض إستراتيجيات الأمن القومي الأمريكي من قبل قانون نيكولاس غولدووتر لعام ١٩٨٦،ومنذ ذلك الحين كان لإستراتيجية كل إدارة رسالة جوهرية يتم التذكير بها أكثر من غيرها، إذ كان للولايات المتحدة دور موسع في إستراتيجية جورج دبليو بوش وبيل كلنتون،ومنها الدعوة لتطبيق سياسات تضمن رفع شأن الولايات المتحدة، وتعزز انتشار الديمقراطية وتضمن تحقيق الأمن العالمي، ففي عهد رئاسة جورج دبليو بوش قسمت إستراتيجية الأمن القومي لعام ٢٠٠٢م العالم إلى دول حرة وغير حرة، وشددت على الحاجة للحرب على الإرهاب،وتأييد استخدام القوة العسكرية الوقائية. وفي اعقاب الركود العظيم عندما اتضحت أوجه القصور في التدخلاتالأمريكية في العراق وأفغانستان، سعت إدارة الرئيس أوباما إلى تحديد مجموعة من الأهداف الأقل طموحاًبالنسبة للولايات المتحدة، على الرغم من وعودها بتحقيق الأمن العالمي. أمّا في الآونة الأخيرة فقد ركزت إستراتيجية ترامب تركيزاً كبيراً في السيادة الأمريكيةولاسيما في أمن الحدود، وتقليل أهمية التحالفات الأمريكية. وأكَّد الكاتب على أنّه إذا ما أرادت إدارة بايدن إرسال رسالة، فيجب أن يكون مفادها أنّ التجديد في الداخل الأمريكي ليس فقط غاية مهمة، لكنه شرط أساسي للسياسة الخارجية الناجحة، والتجديد أمر ضروري لعدة أسباب تتعلق بالأمن الوطني، ولاسيما في حال اعتبار الاقتصاد الأمريكي هو المصدر الرئيس للقوة العالمية للأمة، وإنَّ الاستقطاب المحلي يقوض تماسك السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ومن جانبهم يعتقد أصدقاء أمريكا أنَّ البلاد قد لاتخرج من مأزقها السياسي على المدى القريب، وهو اعتقاد يؤثر في مكانة الولايات المتحدة العالمية ونفوذها في الوقت الحالي. كما تُعدّ استثمارات الولايات المتحدة في التعليم والتكنولوجيا والبنية التحتية ومجالات أخرى، مهمة لمساعدة الولايات المتحدة على مواجهة التحديات الأمنية القادمة، ويتمثل التحدي الأكبرفي أي مناقشة لإحداث تغيير محلي، في الكيفية التي تضع بها إدارة بايدن إطار العلاقة بين هذا التجديد وأولوياتها المباشرة، فيما يتعلق بسياستها الاقتصادية الخارجية. وبيَّن الكاتب إدراك الإدارة الامريكية تماماًمدى مساهمة انعدام الأمن الاقتصادي في الاستقطاب المحلي، وإنَّ تأكيدها على جعل سياسة الولايات المتحدة تخدم الطبقة الوسطى من الأمريكيين، ولاسيما ما يتعلق بالسياسة التجارية، واعتماد الدولة المفرط على القوة العسكرية.

ومن ثم عرَّج الكاتب على القلق الأمريكي حيال التأثير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للعولمة في السياسة الداخلية للولايات المتحدة، والذي يعدُّ أمراً جيداً من نواحٍكثيرة، لكن من المهم عدم إتباع الحمائية. كان بايدن محقاًفي انتقاده لترامب خلال حملته الانتخابية عام ٢٠٢٠م،وهناك العديد من أسباب الاستقطاب في الولايات المتحدة،وتشير الأبحاث إلى أبرزها، والتي تتمثل بـ :

1- ضعف العلاقة بين العولمة الاقتصادية، والاستياء السياسي المحلي.
2- ضعف الروابط بين صعود الصين، وفقدان الوظائف في الولايات المتحدة .

وعليه من المهم أن تعترف إستراتيجية بايدن للأمن القومي،بمدى تعزيز قوة الولايات المتحدة ونفوذها، واتساع الوجود الاقتصادي والمالي الأمريكي في الخارج، وأن تبرز الطرق العديدة التي يستفيد بها الأمريكيون من اقتصاد دولي حر ومفتوح، إذ سيساعد ذلك في نشر اعتقاد الحكومة الأساسي، بأنَّ مثل هذا الاقتصاد يتماشى مع الانتعاش المحلي للولايات المتحدة .

التركيز في الأساسيات

أثار الكاتب اهتمام القارئ والباحث السياسي عن طريقضرورة التركيز في الأساسيات الآتية:-

1) الأمن الداخلي للوطن: إذ يمثل منع الهجمات الكارثية على الولايات المتحدة مصلحة حيوية. وبفضل بعدها الجغرافي عن الخصوم الرئيسيين، تعد الولايات المتحدة أكثر أماناً من الدول الأخرى، كما أدت جهود مكافحة الإرهاب، التي استمرت عشرين عاماً، إلى الحد من التهديد الناتج عن الإرهاب الخارجي،وستكون الإستراتيجية مقصرة في حال عدم اعترافها بهذه الحقائق. وعلى الرغم من الموقع الجغرافي للولايات المتحدة إلّا إنَّ هناك احتمالية تعرضها للهجمات الإلكترونية على البنى التحتية الخاصة بها،وهذا يشمل أيضاً الأوبئة والكوارث الطبيعية .
2) إبقاء آسيا مفتوحة: يبدو أنَّ إستراتيجية إدارة بايدن بشأن الصين، لاتزال قيد التطور على الرغم من تقدم الولايات المتحدة بعناصر مهمة، مثل: الاتفاق الأمني الثلاثي الجديد بين: أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، والحوار الأمني الرباعي بين: أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة. واذا كانت الإستراتيجية قيد التنفيذ فسيبقى الوصول إلى الاقتصادات الآسيوية مصلحة حيوية ووطنية للولايات المتحدة، إذ يجب أن تكون الإستراتيجية الوطنية صريحة بشأن الطريقة التي تهدد بها الصين هذا الوصول بمرور الوقت، وينبغي أن يشدد على أسباب الولايات المتحدة وبقية دول المنطقة لتثبيط النزعه القومية الاستبدادية الصينية، وفي الوقت ذاته، في ظل السخط المتصاعد في واشنطن بشأن السلوك الصيني في جميع انحاء العالم؛ ستحتاجالإستراتيجية إلى إيجاد طرق لتجنب السخط،وتكون مستعدة لاستيعاب بعض مصالح الصين، من دون تشجيع بكين أو إغضاب الكونغرس .
3) ترتيب أولويات المشاعات العالمية: أشارت إستراتيجية بايدن إلى الحاجة إلى تكاتف الجهود،والعمل الجماعي من أجل حماية المشاعات العالمية،ومن أكثر المشكلات التي تتطلب عملاً جماعيا،ً هي تعزيز الاستجابات الدولية للأوبئة، والعمل على معالجة تغير المناخ، لكن من الصعب على الولايات المتحدة التغلب على مشكلات العمل الجماعي،بسبب قلة الموارد، وضعف المناورة في السياسة الداخلية، ومن هنا قد توفر واشنطن قيادة دبلوماسية،لكنّها تحتاج إلى التركيز في مايمكنها تحقيقه في السنوات القليلة المقبلة.
4) تعزيز التحالفات الأمريكية: أكدت إستراتيجية بايدن المرحلية على أهمية التحالفات والشراكات الأمريكية، فالفكرة ليست بالعودة إلى الماضي بلفي التركيز في إصلاح نظام يتناسب ومصالح الولايات المتحدة وتفعيله في المستقبل، ومن ثَمَّ ينبغي أن تحرص الصيغة النهائية للإستراتيجية، على عدم الإشارة إلى أنَّ الولايات المتحدة سوف تكفل، ولأجل غير مسمى، أمن الحلفاء الذين لديهم الوسائل للقيام بذلك بأنفسهم، أو الذين لايرتبط دفاعهم بشكل واضح بمصلحة أمريكيا وحيويتها، وإنَّ مخالفة ذلك سيديم مشكلات تقاسم الأعباء طويلة الأمد، ويضلل الحلفاء بشأن حقائق السياسة الداخلية للولايات المتحدة والمصالح الامريكية المتغيرة. ومن المحتمل أن تؤديالضجة السياسية المتعلقه بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان إلى الضغط من أجل خطاب أقوى بشأن التزامات الولايات المتحدة تجاه الحلفاء، مما تسوغهالضرورات الإستراتيجية، ولكن إذا لم تشِر المعلومات الاستخبارية إلى حدوث تحول كبير في مستويات التهديد الحالية، فعلى واضعي إستراتيجية الأمن القومي مقاومة هذا الضغط.وتعرّف الإستراتيجية بأنها: وثيقة تحديد الأولويات التي يجب أن تتجنب القلق اللحظي ذا الأهمية الإستراتيجية المحدودة. وإذا حدث شيء فإن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، يقوي قدرة أمريكا على الدفاع عن حلفائها.

كما ذكر الكاتب أنَّ الوصول للاقتصاد الأوربي يعد أمراًمهماً بالنسبة للولايات المتحدة أيضاً، لكن يجب أن لا تبالغ الإستراتيجية بالتهديدات الأمنية لقلب الاقتصاد الأوربي،في حين تعد روسيا نظيراً نووياً للولايات المتحدة، ولها تأثير ملحوظ بسبب ميلها إلى التهويل، ولابد أن تكون إستراتيجية فريق بايدن حذرة بشأن تأييد حملة غير مركزةوممتدة على نطاق العالم، لمواجهة أي نفوذ روسي، وفي الواقع يجب أن تفعل الإستراتيجية عكس ذلك، وتوضح أنَّالولايات المتحدة لا تنوي القيام بمثل هذه الحملة، لكنها ستركز في المجالات التي تهدد فيها الأنشطة الروسية المصالح الأمريكية الحيوية تهديداً مباشراً.

التحليل: في ضوء ماتقدم وضع الكاتب الخطوط العريضة التي يجب على إدارة بايدن اتباعها في وضع الإستراتيجية الأمريكية لولاية رئيس جديد يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار ماكانت وماسوف تكون عليه الولايات المتحدة، عن طريق وضع إستراتيجية متكاملة البنيان سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بسبب الدور المحوري الذي تؤديه الولايات المتحدة على المستوى الدولي والعالمي، مع ضرورة الانتباه إلى ماوصلت إليه الصين اليوم، والتي تعدُّالمنافس الوحيد والمعلن عنهُ على الساحة الدولية،ومنافستها للدول الكبرى ذات التأثير الكبير والواضح في ميزان القوى العالمي، كما أكدَّ الكاتب على وضع مجموعة من الأمور والقضايا الاساسية، التي يجب أن تأخذها إدارة بايدن بنظر الاعتبار عند صياغة إستراتيجيتها الوطنية.

https://carnegieendowment.org/2021/11/10/biden-s-forthcoming-national-security-strategy-making-it-real-pub-85734