أ.م.د. حمد جاسم محمد
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
14 كانون الأول 2021
كانت اسرائيل وما زالت تراقب البرنامج الإيراني وتحاول ايقافه بكل السبل، لاعتقادها أنَّ إيران الدولة الوحيدة في المنطقة التي لديها القدرة والامكانات والإرادة السياسية المستقلة في الاستمرار بمشروعها النووي، وحتى بعد إجراء المفاوضات بين إيران ومجموعة (5+1) وقت الاتفاق النووي عام 2015، ثم انها استغلت مجيء إدارة الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب)، وضغطت باتجاه انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، والذي جرى فعليا عام 2018، وأعاد الرئيس الأمريكي العقوبات الاقتصادية الشديدة، وكان الهدف منه الضغط على إيران من أجل تقديم تنازلات على قضايا ثانوية لم تدرج سابقا في الاتفاق النووي، مثل: الصواريخ البالستية ونفوذها في الشرق الاوسط، ودعمها فصائل المقاومة ولاسيما في فلسطين، هذه الاجراءات الأمريكية والضغط الاسرائيلي قابلته اجراءات ايرانية رادعة، مثل: زيادة انتشارها العسكري في البحر الاحمر والوصول إلى البحر المتوسط وفي دول المنطقة، وتنشيط مفاعلاتها النووية، وزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات وصلت إلى (60%)، وهو أعلى من المستوى المحدد في الاتفاق النووي، والذي يقدر بـ(3.6%)، ومع تغيير إدارة الرئاسة الأمريكية، وانتخاب (جو بايدن) رئيساً عام 2020، وانتخاب (ابراهيم رئيسي) رئيساً لإيران عام 2021. إنَّ بقاء اجراءات الطرفين وزيادة التوتر في المنطقة، دفع بعض دول الاتحاد الاوربي وروسيا والصين إلى الدفع لإعادة المفاوضات بين الطرفين: (ايران والولايات المتحدة)، من أجل الوصول إلى حلّ لهذه الأزمة، وجرت أولى هذه المفاوضات في فيينا في نيسان 2021 بين إيران ومجموعة (4+1)، ولكن بصورة غير مباشرة بين ايران والولايات المتحدة، إذ يتم عرض وجهات النظر بينهم عن طريق أطراف الاتفاق النووي الأخرى، وقد استمرت المفاوضات ست جولات، للوصول إلى حلّ وسط لأزمة البرنامج النووي الايراني، ورفع العقوبات قبل أن تتوقف وتستأنف من جديد في 29 تشرين الثاني 2021.
وبالرغم من سعي الأطراف إلى حلّ الازمة والوصول إلى اتفاق يرضي الجميع، إلا إنّ اسرائيل استمرت في اطلاق التهديدات العسكرية باستهداف المنشآت النووية الإيرانية، وهذه الفكرة طرحت منذ اكتشاف البرنامج النووي الايراني عام 2003، وهي الآن تتخذ الاستعدادات لذلك، حتى أنَّ زيارة وزير دفاع اسرائيل (بيني غانتس) إلى الولايات المتحدة، ولقائه وزير الدفاع الأمريكي تندرج ضمن هذا الاتجاه، وصرحوا بأنَّ إيران تشكل خطراً على استقرار المنطقة، إلا إنه مع كل التهديدات الامريكية الاسرائيلية باستهداف ايران وتعطيل برنامجها النووي، فإنَّ هناك حقائق على الواقع تقف بالضد من هذه الاجراءات، ومنها:
- إنَّ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي ، وبدفع من الحكومة الاسرائيلية، أصبح حجر عثرة بوجه أي تشدد ضد إيران، وأصبحت نظرة أغلب دول العالم بأنَّ الولايات المتحدة هي من أخلَّ بالاتفاق النووي وليست إيران، وهذا جعل تكوين اجماع دولي ضد ايران يواجه صعوبات ولا سيما من دول الخليج العربي القريبة منها، والتي تضم قواعد أمريكية عديدة.
- إنَّ انسحاب الضغط الاسرائيلي على الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق النووي والتهديد بالضربة العسكرية، جاءت بنتائج عكسية للموقف الايراني، والذي رفع من سقف نسبة التخصيب إلى مستويات عالية، كما أنَّ بعض التقارير ذكرت أنّ ايران ربما وصلت إلى مرحلة تطوير أسلحة نووية، وبهذا فان ما كان ممكناً خلال الاتفاق النووي أصبح الآن بعيداً بعد انسحاب الولايات المتحدة منه، وهو مأزق لإسرائيل وخططها ضد ايران.
- إنَّ أغلب المنشآت النووية الايرانية تم بناؤها في أماكن محصنة تحت الارض، يصعب في بعض الاحيان اكتشافها ناهيك عن استهدافها، فهي تقع في جبال شديدة التحصين، وبعيدة عن القواعد العسكرية في الخليج العربي.
- إنَّ اسرائيل بعيدة نسبيا عن ايران، ولا تمتلك أي حدود مع ايران أو قواعد عسكرية خاصة بها، وإنَّ امكانية الوصول للمفاعلات الايرانية واستهدافها والعودة قد تبدو صعبة وغير ممكنة، كما أنَّ استخدامها للقواعد الامريكية في الخليج أو أجواء دول الخليج العربي بهذه الضربة العسكرية، هو أمر غير ممكن عمليا، ويعرض هذه القواعد ودول الخليج لردة فعل انتقامية من جانب ايران، والتي هي تقع تحت مرمى الصواريخ الايرانية.
- تأخذ اسرائيل بنظر الاعتبار رد الفعل الايراني ضدها، وهناك تصريحات لمسؤولين إيرانيين مدنيين وعسكريين بأنَّ الصواريخ الايرانية، والتي تصل إلى مديات بعيدة، سوف تمطر اسرائيل من كل جهة، وهذا معناه انها لا يقتصر انطلاقها من الاراضي الايرانية فقط، بل من دول جوار اسرائيل ولا سيما الدول التي تضم وجوداً إيرانياً مباشراً أو غير مباشر فيها.
- على الرغم من أنَّ أغلب المصادر تضع التهديدات الاسرائيلية في خانة الضغوط النفسية على ايران، لدفعها لتقديم تنازلات في المفاوضات، أو دفعها لافتعال مواجهة مع اسرائيل، وتكون دولة معتدية امام المجتمع الدولي، إلا إنَّ الواقع اثبت عكس ذلك، إذ أصبحت اسرائيل هي من عرقل الاتفاق النووي ويعرقله، كما أنَّ ايران أصبح لها نفوذ اوسع من قبل، وشمل مناطق لم توجد فيها سابقا، سواء على حدود اسرائيل أو بالمياه المحيطة بها، وبهذا فان التهديدات أصبحت معوقاً امام المفاوضات اكثر مما هي، لإيجاد حل للازمة النووية الايرانية.
إنَّ رغبة كل الاطراف: ايران والاتحاد الاوربي وروسيا والصين وحتى دول المنطقة، بالوصول إلى اتفاق نووي ينهي هذا الملف، ويرفع العقوبات الاقتصادية عن ايران، لما تمثله من ثقل اقتصادي في المنطقة، وبوابة مهمة للشركات الاستثمارية الغربية، إلا إنَّ كلاً من الولايات المتحدة واسرائيل لها أهداف أخرى تريد تحقيقها بعيداً عن هذه الأزمة، فالولايات المتحدة واسرائيل تعدان ايران ونظامها السياسي الاسلامي ومنذ عام 1979 تهديداً لمصالحهما في المنطقة، ثم ما شهدته ايران من تطور سريع ولا سيما بالجانب العسكري، وتوسع نفوذها في منطقة الشرق الاوسط وابعد منها حتى وصل إلى أمريكا اللاتينية قد زاد من تحمسهما لاستهداف إيران، وبما إنَّ الوسائل العسكرية وحدها لها مخاطر كبيرة وربما لا تؤدي الغرض المطلوب، فإنّها تبحث عن وسائل اخرى، ومنها: الضغوط والعقوبات الاقتصادية وتشديدها لانهاك الاقتصاد الايراني ومن ثم اجبارها على التراجع، وتنفيذ ما تريده منها الولايات المتحدة، ومن ثم ينسحب ذلك على تنفيذ خطط اسرائيل, لهذا ومع كل خطوات المفاوضات وجدية الاطراف الاخرى ولاسيما ايران، فإنَّ الولايات المتحدة وبتحريض من اسرائيل غير جادة في إبرام اتفاق نووي مع ايران ورفع العقوبات عنها، لهذا فهي تماطل وتفرض شروطاً أخرى وعقوبات مستمرة من اجل انتظار نتائج العقوبات على ايران وتراجعها.
بهذا فإنَّ مستقبل البرنامج النووي الايراني والاتفاق النووي، لا يتأثر بالتهديدات العسكرية الاسرائيلية، ومدى امكانية تنفيذها من عدمه، بل يتأثر بالسياسة الامريكية والتحريض الاسرائيلي، وعدم رغبتها في عقد أي اتفاق مع ايران، وإنَّ هدفهما الاساس هو تدمير المشروع النووي الايراني تدميراً نهائياً سواء كان للأغراض السلمية أو غيرها، وهو ما يواجه بادراك ايران لهذا المخطط، والعمل على تسريع البرنامج من أجل فرض أمر واقع عليهم.