العنف ضد المرأة بين الاعراف الاجتماعية والمسؤولية الجزائية

      التعليقات على العنف ضد المرأة بين الاعراف الاجتماعية والمسؤولية الجزائية مغلقة

م.د. حوراء رشيد الياسري

قسم الدراسات القانونية

     تعدّ المرأة جزءًا لا ينفصل، بأي حال من الأحوال، من كيان المُجتمع الكلي، كما أنّها مُكون أساسي وفعّال في المجتمع، بل تتعدى ذلك لتكون الأهم بين كل المكونات، ونحن لانغالي بهذا الوصف، لكونها شغلت عبر العصور – قديمًا وحديثًا – أدوارًا مهمة اثبتت فيها قدرتها وفاعليتها وجدارتها في ادارتها، ووضع القوانين والسياسات المنظمة للعمل والادارة .

لقد كانت المرأة وماتزال مغبونة الحق والمكانة داخل مجتمعاتنا، ونادرًا ما نلاحظ وجود نساء حصلنَ على أبسط حقوقهنَّ، سواء في التعليم والدراسة أو في العمل والوظيفة، إذ مازالت بعض العوائل تمارس العنف ضد بناتها، ولايقتصر هذا العنف على الجسد فقط، بل يتعداه للجانب النفسي. ويعد الأخير أكثر وقعًا وتأثيرًا في الانسان بصورة عامة ولاسيما المرأة، لكونها تتصف بالعاطفة أكثر من قرينها الرجل، الذي يوصف بالصلابة والقوة والخشونة في التعامل.

يعرف العنف ضد المرأة بأنه: سلوك عنيف متعمد موجه نحو المرأة، ويأخذ عدة أشكال سواء كانت معنوية أم جسدية. وحسب تعريف الأمم المتحدة فإنَّ العنف ضد المرأة، هو: (السلوك الممارس ضد المرأة والمدفوع بالعصبية الجنسية، مما يؤدي لمعاناة وأذى يلحق بالمرأة في الجوانب الجسدية والنفسية والجنسية). وايضاً يعدّ التهديد بأي شكل من الأشكال، والحرمان، والحد من حرية المرأة في حياتها الخاصة أو العامة، من ممارسات العنف ضد المرأة.

لا ينحصر العنف ضد المرأة في شكل واحد بل يأخذ عدة أشكال منها:

  • العنف الجسدي: يعد العنف الجسدي من أكثر أنواع العنف انتشاراً ضد المرأة، ويشمل هذا النوع من العنف أي أذى جسدي يلحق بالمرأة، سواء كان اعتداء بالضرب أم باستخدام آلة، إذ يترتب على ذلك مخاطر صحية ونفسية كبيرة للضحية، وقد يتسبب في بعض الأحيان بوفاة الضحية، نتيجة القوة المفرطة والضرب المبرح الذي تعرضت له المرأة، وهذا منتشر بشكل كبير في مجتمعاتنا، ولاسيما في المناطق التي تتميز بطابع ريفي متأخر، لأنهم مهما بلغوا من التقدم تبقى نظرتهم للمرأة كما هي .
  • العنف النفسي: وهو النوع الأكثر تأثيرًا في الصحة النفسية للمرأة، ويمكن أن يكون عنفًا لفظيًا أو غير لفظي؛ إذ يكون العنف اللفظي بشتم المرأة بألفاظ بذيئة، وجرح كرامتها أمام الآخرين، كما يكون العنف النفسي بالسخرية منها وتحقيرها، وعدم إبداء أي اهتمام بها، وهذا أشد أنواع العنف كما ذكرنا سابقاً.
  • العنف الجنسي: يأخذ هذا العنف أشكالًا عديدة، منها: التحرش الجنسي أو أي تهديد جنسي، أو أي علاقة تفرض بالإكراه أو الاغتصاب، وهذا النوع بدأ يأخذ منحًى خطيرًا في مجتمعاتنا الاسلامية المعروفة بالتحفظ والتدين.
  • العنف اللفظي: وهو من أكثر انواع العنف تأثيرًا في الصحة النفسية للمرأة، وهو منتشر كثيرًا في مجتمعاتنا، وقد يكون عن طريق شتم المرأة بألفاظ بذيئة، أو إحراجها امام الآخرين أو السخرية منها أو الصراخ عليها.
  • العنف الاقتصادي: يتمثل هذا النوع من العنف بالسيطرة والتحكم بالموارد المادية التي تستحقها المرأة بهدف إذلالها، وقد يكون بحرمانها أو إجبارها على العمل، أو أخذ حقها من الإرث، وهذا النوع من العنف ما يزال موجودًا في مجتمعاتنا. فعلى الرغم من حق المرأة الشرعي في الميراث الذي خصصه الله تعالى لها في القرآن الكريم، ومع العلم التام بذلك من قبل الآخرين، إلا إنّهم يتغاضون عن اعطاء المرأة حقها الشرعي في الميراث.
  • العنف السياسي: يحدث هذا العنف من قبل شخص أو مجموعة اشخاص، ضد النساء اللواتي يمارسْنَ دورًا سياسيًا، عن طريق أفعال جسدية أو نفسية أو عدوانية، ويكون الهدف من هذا العنف، هو منع النساء من ممارسة حقوقهنَّ، أو مهام منصبهنَّ، أو الزامهنَّ بالقيام بأفعال لا يتقبلْنَ القيام بها او تنفيذها.
  • العنف التشريعي: هو العنف القائم على التمييز التشريعي السلبي اتجاه النساء، وقد يتضمن عدم مراعاة النوع الاجتماعي عند إعداد صياغة التشريعات المنظمة للحياة العامة، ويشمل هذا العنف عدة مستويات منها القوانين والأنظمة والتعليمات.
  • العنف السيبراني (الإلكتروني): وهو العنف الاكثر شيوعًا في الوقت الحالي، نظرًا لانتشار استخدام التكنولوجيا وسهولته، ويشكل هذا النوع من العنف تحديًا أمام النساء، لما قد يتركه من أثر نفسي واجتماعي واقتصادي عليهن، ويشمل ذلك الاساءة للنساء عن طريق التنمر عليهن في مواقع التواصل الاجتماعي، والابتعاد عن النقد الايجابي، وتعميم الأخطاء على النساء بشكل عام، فضلا عن القرصنة والتهكير باستهداف الصفحات والحسابات الخاصة بالنساء واختراقها.

تتراوح الأسباب الرئيسة للعنف ضد المرأة، ما بين أسباب ودوافع اجتماعية ونفسية واقتصادية:

  • الأسباب الاجتماعية: تعد هذه العوامل من أبرز الدوافع لارتكاب العنف ضد المرأة، وتتمثل بتدني مستوى التعليم، وتفشي الجهل بين أفراد المجتمع، وضعف الوازع الديني لأغلب افراد المجتمع، وانعدام الاحترام بين الطرفين. وتنتشر هذه الأسباب بصورة كبيرة بين أغلب الطبقات الاجتماعية، وما يعيشه البلد اليوم من أزمة بسبب اجراءات الحجر المنزلي نتيجة فايروس كورونا، واحد من أسباب تنامي هذه الظاهرة. واذا ما سحب على واقعنا الاجتماعي نلاحظ بروزه ووضوحه للعيان.
  • الأسباب النفسية: إنّ العوامل النفسية التي تشكلت في شخصيات مرتكبي العنف ضد المرأة في الصغر، تؤثر تأثيرًا كبيرًا في سلوكياتهم، والتي تظهر على شكل سلوك عدائي في الكبر؛ ومن أبرز هذه العوامل النفسية: تعرض مرتكب العنف للإيذاء، بأي شكل من الأشكال في طفولته، أو وجوده في بيئة أسرية تنتشر بها حالات تعنيف الأبوين، أو اعتداء الأب على الأم بأي شكل من الأشكال، إلى جانب اضطرابات الشخصية التي قد تُؤدي إلى خلق شخصية معادية للمجتمع، بمعنى أن الفرد أو الشخص مريض نفسيًا ولم يحاول ايجاد الحلول أو معالجة نفسه، مما ينعكس بالسلب على شخصيته مستقبلاً.
  • الأسباب الاقتصادية: تعد هذه الاسباب من أكثر دوافع العنف ضد المرأة التي تشهدها عدة مجتمعات في وقتنا الحالي؛ والسبب في ذلك يعود إلى الضغوطات الاقتصادية التي تعاني منها شريحة واسعة من المجتمع، وتدني المستويات المَعيشية، وتفشي البطالة والفقر، إذ تشكل هذه الأسباب مجتمعة ضغوطات نفسية كبيرة على معيلي الأُسر، قد تؤدي في بعض الاحيان إلى أن يلحق الشخص الاذى حتى بنفسه، ويعود به إلى الانتحار. وعلمًا أخذت هذه الظاهرة تنتشر كثيرًا في مجتمعنا، بسبب تدني المستوى الاقتصادي للافراد .

وحسب احصاءات منظمة الصحة العالمية والمنظمات ذات العلاقة، نلاحظ ارتفاع عدد حالات العنف الممارس ضد المرأة سابقًا وحاليًا، وإنْ كانت تتفاوت مابين دولة وأخرى أو مجتمعًا وآخر، لكن تأثيرها ووقعها يؤثر مستقبلًا تأثيرًا كبيرًا في مستوى البناء الشخصي للمرأة، لكونها تتحمل العبء الاكثر جراء الضغوطات التي تتعرض لها، والتي تتحول فيما بعد لعنف يمارس ضدها، يمنعها من ممارسة حقوقها الطبيعية التي انيطت بها، من أجل بناء الفرد والمجتمع. وهناك من خصص يوم 25/تشرين الثاني، يومًا عالميًا لمناهضة العنف ضد المرأة، من أجل اعطائها بعض حقوقها التي سلبت منها، بسبب اعراف وتقاليد اجتماعية بالية، تحاول الانتقاص او الاقلال من شأنها ومكانتها، التي خصها الله سبحانه وتعالى بها، فضلا عن القوانين الوضعية التي منحتها هذه المكانة. ولكن بعض ضعيفي التفكير والمنطق يحاولون الاستهانة والتقليل من هذه المكانة، ولاسيما نحن نعيش في مجتمعات مهما بلغت من التطور تبقى متخلفة ذهنيًا وفكريًا.