https://www.cmess.ir/Page/View/2022-01-10/4965
الكاتب: سيد حامد حسيني
المترجم: م. خالد حفظي التميمي
تحليل: م.م.عبير مرتضى حميد السعدي
مركز الأبحاث العلمية والدراسات الإستراتيجية في الشرق الأوسط
كان للعراق، المعروف أيضًا في الكتب التاريخية بالأرض الواقعة بين النهرين (بلاد ما بين النهرين)، وصول وفير إلى المياه منذ فجر الحضارة. ومع ذلك، فإنَّ معظم موارد العراق المائية إما أن تأتي من البلدان المجاورة أو تمر عبرها. وقد أدت السياسات المائية للبلدان المجاورة إلى تقلص إمدادات المياه في العراق، مما أثر في القطاع الزراعي من ناحية، وزاد من تلوث المياه في معظم أنحاء البلاد من ناحية أخرى. فضلا عن ذلك ، أثرت الزيادة السكانية في العراق، وسوء إدارة الحكومة للمياه، وتغير المناخ تغيرًا سلبيًا، في وصول العراقيين إلى الموارد المائية. إنَّ الاتجاهات الحالية للأمن المائي في العراق لا تبشر بخير، وقد تزرع المنافسة على المياه بذورًا مهمة في العراق ستشتد في المستقبل.
أفعال الجيران:
المصدران الرئيسان للمياه العراقية، هما نهرا: دجلة والفرات، اللذان يمدان (98٪) من المياه السطحية للبلاد. ينبع كلا النهرين من تركيا، ويتدفق نهر الفرات عبر سوريا، وبعض الروافد الأخرى تتدفق عبر إيران. كان العراق حتى السبعينيات يعدّ دولة غنية بالمياه، ولكن منذ أن بدأت تركيا في بناء السدود على النهرين، قللت بشكل كبير من موارد العراق المائية. إذ بدأت الحكومة التركية مشروع جنوب شرق الأناضول، ببناء (22) سداً و (19) محطة طاقة هيدروليكية للمقاطعات النامية في الجنوب الشرقي، وكانت مترددة في التفاوض بشأن صفقة مياه مع العراق وسوريا. تركيا لديها القدرة على قطع تدفق المياه في اتجاه مجرى النهر على المدى القصير، مع تقليل إمدادات المياه الإجمالية في العراق. على سبيل المثال، في التسعينيات، رفعت تركيا مستوى المياه في سد أتاتورك دون علم سوريا والعراق.
كما أدت سياسات قطاع المياه في إيران إلى تقليص إمدادات المياه في العراق. إذ إنَّ الروافد التي تنبع من إيران توفر (40٪) من مياه شط العرب (نهر الوند) في العراق، وكان لبناء السد تأثير مدمر في تدفق المياه إلى المحافظات الشرقية من العراق. ومع بناء (600) سد في إيران والمزيد من التخطيط، تم تحويل مياه الأنهار مثل كارون والكرخة للبقاء في إيران، ولم تعد تتدفق إلى العراق. هذه الانحرافات في المسار لم تقلل من تدفق المياه إلى العراق فحسب ، بل أدت أيضًا إلى زيادة ملوحة المياه. ففي محافظة البصرة وحدها، تم إدخال (118) ألف شخص إلى المستشفى في صيف 2018، بسبب مشكلات صحية تتعلق بجودة المياه. بالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن يجف نهرا: دجلة والفرات داخل العراق بحلول عام 2040 بسبب سياسات المياه لجيرانه، ويبدو أنَّ حكومة بغداد، بدولتها الضعيفة، ليس لديها نفوذ كبير للتفاوض مع إيران وتركيا، على إمدادات المياه الخاصة بها.
سوء إدارة الحكومة:
على الرغم من الوضع المتدهور، فإنَّ استجابة الحكومة العراقية لأزمة المياه كانت غير كافية، بسبب ضعفها المتأصل ومحدودية الخيارات. كما أدت العديد من المشكلات الداخلية إلى تحويل انتباه الحكومة عن وضع إستراتيجية مناسبة لمعالجة ندرة المياه، إذ كان تركيز الحكومة العراقية خلال العقدين الماضيين، في محاربة الإرهاب والتعامل مع الميليشيات المتطرفة من جهة، ومحاربة الفساد الحكومي من جهة أخرى، وأهملت أولويات أخرى. على سبيل المثال، يتخلف العراق عن الركب في قطاع الزراعة، ولم تفعل الحكومة ما يكفي لتحديث أساليب الري. أخيرًا، هددت الحكومة العراقية بتفاقم أزمة المياه عن طريق تقديم شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة إذا استمر الجيران في تقييد تدفق المياه، لكن الحكومة لم تتابع ذلك ولم تجد أي بديل عملي لسلوك الجيران.
تغير المناخ:
كان العراق من أكثر البلدان تأثراً بتغير المناخ، إذ ارتفع متوسط درجات الحرارة السنوية بين: (1و2) درجة مئوية، بين عامي: 1970 و 2004، مما أدى إلى تفاقم الجفاف. ووفقًا لمسؤولين في الحكومة العراقية، كان متوسط هطول الأمطار السنوي أقل قابلية للتنبؤ به منذ سبعينيات القرن الماضي، وانخفض بنسبة (10%) في العشرين عامًا الماضية، مقارنة بالعقود الثلاثة الماضية. يقدر الباحثون أن هطول الأمطار في العراق سينخفض بنسبة (25%) بحلول عام 2050، مما سيؤدي إلى تفاقم التصحر ونقص المياه. أدت زيادة درجة الحرارة أيضًا إلى زيادة مستوى التبخر وتقليل كمية المياه المتاحة بشكل أكبر. في كثير من الحالات، يعتمد العراق على إدارة الفيضانات في المناطق الزراعية، وقد أقام عدة سدود لحماية المدن الكبيرة من الفيضانات، مما يجعل المياه عرضة للتبخر.
النمو السكاني:
ترافق هذا الانخفاض في إمدادات المياه مع زيادة حادة في عدد السكان خلال العقود القليلة الماضية، ومن ثَمَّ زيادة في الطلب على المياه. فبحسب وزارة التخطيط العراقية، تضاعف عدد سكان العراق بين عامي: 1970 و2007، ثلاث مرات ليصل إلى (30) مليون نسمة. وتجاوز عدد السكان بحلول نهاية عام 2020، (40) مليون نسمة، وذكرت الوزارة أنَّ النمو السكاني السنوي بلغ (2.6٪). على الرغم من تباطؤ معدل النمو في السنوات العشر الماضية، إلا أن الوزارة أشارت إلى أنه لا يزال مرتفعًا مقارنة بالعديد من الدول الأخرى. في الوقت نفسه، دعمت الحكومة العراقية سعر المياه، مما أدى إلى استهلاك مفرط وإهدار من قبل المواطنين العراقيين، إذ يستهلك العراقيون ما معدله (392) لترًا من المياه للفرد في اليوم، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ (200) لتر للفرد. ومع هذا الوضع وبدون اعتبار، ومن دون إصلاح السياسات في تسعير الاستهلاك الزائد للمياه، ونقص الإمداد، سيستمر بشكل شبه مؤكد وسوف تتسع الفجوة بين العرض والطلب.
تزايد الصراعات:
كان لتدهور الجودة وانخفاض الوصول إلى المياه في العراق، آثار سلبية في المجتمع العراقي، فقد أفادت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) في عام 2019، أنَّ (21،314) عراقيًا أجبروا على الهجرة، بسبب نقص مياه الشرب في المحافظات الجنوبية والوسطى من العراق، فضلا عن ذلك، حذر الرئيس العراقي برهم صالح من أنَّ العراق قد يواجه عجزًا سنويًا قدره (10.8) مليار متر مكعب بحلول عام 2035، مع تهديد (54%) من الأراضي الصالحة للزراعة في العراق بارتفاع نسبة الملوحة. في الواقع ، سيتضرر القطاع الزراعي العراقي بشدة في المستقبل بسبب انخفاض منسوب المياه. على الرغم من أن الزراعة تمثل أقل من (5%) من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنها توظف حوالي ثلث العراقيين الذين يعيشون في المناطق الريفية ويعتمدون على الزراعة.
بسبب هذا الضغط، تتزايد التوترات حول المياه. إذ يعد نقص المياه في المحافظات الجنوبية، مثل: ميسان وذي قار، والجفاف المتكرر، سببًا رئيسًا للصراعات المحلية. وتفيد تقارير الأمم المتحدة بأن حوادث ونزاعات متفاوتة الخطورة والضعف، سجلت بشكل شبه يومي، تتعلق بقضايا المياه بين العرب والأكراد والتركمان. على سبيل المثال، أعرب مسؤولون في محافظتي: ميسان والمثنى عن استيائهم من محافظاتهم الشمالية، قائلين إنهم يستهلكون كميات من المياه أكثر من حصتهم. فضلا عن ذلك، حاول العراقيون ممارسة السيطرة على إمدادات المياه المحلية، وهددت حكومة إقليم كردستان، الواقعة في شمال البلاد، وتسيطر على معظم تدفق المياه إلى أجزاء أخرى من العراق، بخفض إمدادات المياه في عام 2016، بسبب الخلافات السياسية مع الحكومة المركزية في بغداد.
استنتاج:
أسهمت الانقسامات السياسية، والفساد في الحكومات العراقية المتعاقبة، وكذلك الانقسامات الاجتماعية في العراق، في إهمال قضايا مهمة، مثل: المياه. لسوء الحظ، إنَّ الوضع الحالي للحكومة العراقية يحد من قدرتها على المناورة لمعالجة انعدام الأمن المائي. ولأجل عكس أو في الأقل تصحيح الاتجاهات السلبية الحالية، يجب على الحكومة العراقية ليس فقط الاتفاق مع جيرانها على حقوق المياه، ولكن يجب عليها أيضًا الالتزام بعملية سياسية واقتصادية واجتماعية محلية طويلة الأمد، وإعطاء الأولوية لسياسة الإصلاح، بما في ذلك استهلاك المياه والتسعير. مع استمرار الاتجاهات الحالية، ستعمل الحكومة العراقية، التي تواجه العديد من القضايا الملحة الأخرى، بجدية أكبر لمعالجة أزمة المياه، ونتيجة لذلك، لن يكون مرور الوقت في مصلحة الحكومة العراقية.
تحليل:
من المتوقع أن يواجه العراق خلال السنوات القادمة، أزمة كبيرة في نقص المياه، جرّاء العديد من التحديات المشار إليها آنفًا، ومن المتوقع أن يواجه العراق على اثرها العديد من المشكلات الاقتصادية والبيئية الخطيرة، منها: تمدد التصحر، وتحول العديد من الأراضي الزراعية التي كانت صالحة للزراعة، إلى أراضٍ صحراوية، نتيجة للاستخدام غير المنظم للأساليب الزراعية، ونظم الري التي تسببت في تملح التربة، ومن ثَمَّ سيواجه العراق أزمة أمن غذائي كبيرة، والتي غالباً ما ستعالج من استيرادات خارجية لسد الطلب المحلي، كما سيواجه العراق موجة كبيرة من النزوح وهجرة الفلاحين من الريف إلى المدن، مما يعني ضغطًا إضافيًا على المدن، التي تواجه اليوم ارتفاع أعداد السكان ارتفاعًا كبيرًا، مما تسبب بالضغط على البنية التحتية في المدن ولاسيما المياه. ومع افتقار اغلب المواطنين في العراق إلى ثقافة ترشيد المياه والحفاظ عليها، ستواجه المدن العراقية انقطاعات مستمرة في المياه ولاسيما في وقت الذروة في فصل الصيف. إذ تتوقع وزارة الموارد المائية العراقية، انخفاض مياه العراق لـ (30%) خلال (13) سنة القادمة، مؤكدة أنَّ هناك دراسة إستراتيجية لمواجهة الأزمة لغاية 2035، عن طريق تحديث المشاريع الاروائية وإعادة تعديلها، وتغيير أنظمة الري المستهلك الرئيس للمياه في العراق، والتي تحتاج إلى توفر تخصيصات مالية تصل إلى (50- 70) مليار دولار، لغرض الحفاظ على المساحات التي تزرع حاليا.