هل تعيد الإمارات حساباتها بعد التصعيد مع الحوثيين؟

      التعليقات على هل تعيد الإمارات حساباتها بعد التصعيد مع الحوثيين؟ مغلقة

أ.م.د. حمد جاسم محمد

قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء

24 كانون الثاني 2022

قرابة الثماني سنوات من الحرب المستمرة في اليمن، بين ما يسمى بالتحالف العربي والحوثيين، بدون أي نتائج سوى عشرات الآلاف من الضحايا والجرحى والمشردين، وتدمير البنى التحتية في اليمن، إذ لم يحقق التحالف، ومنه الامارات العربية المتحدة، أي من أهدافه المعلنة، بتدمير قوة الحوثيين، واستعادة الشرعية برئاسة الرئيس المستقيل (عبد ربه منصور هادي)، وإبعاد الخطر عن دول التحالف وأهمها السعودية، فقد توسعت مديات الحرب عن طريقاستخدام الحوثيين لأسلحة جديدة، مثل: الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، والتي طالت أماكن بعيدة، غيرت مجريات المعركة على الأرض، عن طريق تقدمهم وسيطرتهم على أغلب محافظات الشمال، ولم يتبقَ سوى مأرب، التي تعد السيطرة عليها مفتاح التقدم نحو محافظات الجنوب، لهذا ومن اجل مواجهة الخطر، أعادت الإمارات وجودها في اليمن، ودعمها ما يسمى بألويةالعمالقة، بالأسلحة المختلفة والمتطورة والغطاء الجوي،ومساعدتها في السيطرة على أجزاء من محافظة شبوة الجنوبية، وتحاول الوصول الى جبهة مأرب ووقف تقدم الحوثيين في المحافظة.

   وتهدف الإمارات من دعمها ألوية العمالقة، الإبقاء على نفوذها في جنوب اليمن، وعلاقاتها مع فصائل الجنوب الانفصالية، وضرب حزب الاصلاح المحسوب على خط الاخوان المسلمين، وصد الحوثيين من التقدم نحو الجنوب، وضرب أي مبادرة للسلام في اليمن، والتي بدأت تظهر في تصريحات المسؤولين من الامم المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوربي، والتأكيد على الحل السلمي لازمة اليمن، لأنَّ أي تقارب يمني يمني يعني ضرب أهداف أبو ظبي في اليمن ومصالحها، التي هي مصالح أطراف اقليمية أخرى، يضاف إليه تأسيس قوات عسكرية مؤهلة ومدربة، لاسيما أنَّ لواء العمالقة كان من قوات النخبة اليمنية الجنوبية، لتكون قوات موازية لقوات الشرعية المدعومة من السعودية، ومن ثمَّ منافسة السعودية في اليمن.

 إنَّ استهداف الحوثيين في مساء الاثنين 17 كانون الثاني 2022، للإمارات العربية، والذي استهدف منشآت نفطية،ومقتل العديد من العاملين، وتدمير حوضيات لنقل النفط، وعلى الرغم من أنَّ هذا الاستهداف جاء لوقف دعم ابو ظبي لألوية العمالقة، ووقف تقدمهم على مأرب، إلا ان نتائج هذه الضربة ستكون لها تداعيات مؤلمة على ابو ظبي، وقد تعيد حساباتها العسكرية في اليمن، لأسباب عديدة منها:

1- سبق أن تعرضت الامارات العربية للعديد من الخسائر بالجنود والمعدات في اليمن، عن طريق مواجهاتها مع الحوثيين، فضلا عن استهداف معسكراتها القتالية، ووصول الاستهداف الى داخل اراضيها، واسباب اقليمية اخرى، وهو ما اجبرها على اعلان الانسحاب من اليمن عام 2019، وتحولها إلى استراتيجية جديدة، وهي دعم الانفصاليين في الجنوب لتحقيق مصالحها، لهذا فان هذه الضربة الكبيرة ستغير استراتيجية الامارات في اليمن، ومن المرجح أن تقطع دعمها للقوات التي تحارب الحوثيين في مأرب.
2- من المعلوم إنَّ الإمارات العربية ولاسيما دبي، تعتمد اعتمادًا كبيرًا على التجارة والسياحة والأعمال، وإنَّ أي توسعبالاستهداف، والذي قد يشمل المنشآت الصناعية والموانئ اوالابراج، ستكون له تداعيات على الاقتصاد الإماراتي، ويقود إلى هجرة معاكسة ستكون لها – مع جائحة كورونا والازمة العالمية- تداعيات على الاقتصاد الاماراتي.
3- إنَّ دولة الامارات مكونة من اتحاد سبع إمارات، ولكل منها حاكمها الخاص وسياساتها الداخلية، وعلى الرغم من أنَّ ابو ظبي تعد أكبر هذه الإمارات السبع وأغناها، وتتحكم في مفاصل السياسية الخارجية، وتتحمل التكاليف المالية للإمارات الأخرى، إلا إنَّ ذلك لا يعني أنَّ كل سياسات أبوظبي مرحب بها في هذه الامارات، إذ إنَّ بعضها، مثل: دبي والشارقة، هي إمارات تعتمد على التجارة وسوق الأعمال والسياحة بدرجة أساسية، ولها علاقات تجارية مميزة مع ايران حليف الحوثيين في اليمن، ومن ثَمَّ ليس من مصلحتها أن تتوسع الحرب أو تتعرض مدنها للاستهداف، لاسيما ان الحوثيين اعلنوا انهم قد يستهدفون الابراجوالمطارات في الضربة القادمة، وهو ما تسبب في هلع، ليس بين أوساط المستثمرين فقط، بل الإماراتيين أنفسهم، وقد تقود إلى انقسام داخلي().  
4- التشتت الخليجي حيال الازمة اليمنية، فمنذ انطلاق ما تسمى بعاصفة الحزم عام 2015، فإنَّ الخلافات كانت حاضرة على طريقة التعامل مع الازمة اليمنية، فقد نأت عمان عن التدخل فيها، فضلا عن أنَّ كلا من قطر والكويت لم يكونوا متوافقين تماما على هذه العملية، ثم بعد طول مدة القتال، وعدم تحقيق نتائج تذكر، اصبحت السعودية والامارات وحيدتين في المعركة، ثم جاء تراجع الامارات المباشر عن الحرب عام 2019، لهذا فان الامارات تدرك جيدا ان هذه الحرب لا تحقق نتائجها، وان خسائرها ستكون كبيرة عليها.
5- دور الامارات الاقليمي، تحاول ابو ظبي أن تأخذ دورًايفوق حجمها وما هو مرسوم لها، إذ إنَّ تدخلها في اليمن، لم يأتِ دعمًا للتحالف العربي وأهدافه، بل تحقيق مصالح خاصة بالإمارات، لاسيما دعمها للفصائل الجنوبية الانفصالية، والتنافس مع السعودية، ثم جاء بعد ذلك التطبيع مع اسرائيل، وفي الآونة الاخيرة تحسين علاقاتها مع إيران،وهو ما اغضب حلفاءها الصهاينة، الذين رفضوا بيع الامارات منظومة دفاع جوي متطورة، وربطوها بقطع العلاقات مع إيران، وبالرغم من وجود قاعدة أمريكية فيها، إلّا إنّهم لم يتحركوا لصد الضربات الحوثية، أو في الاقلاعطاء معلومات عنها، وهو ما يوضح أنَّ بعض حلفاء ابو ظبي قد تغير موقفهم منها، وعليها مراجعة حساباتها.
6- ظهور دعوات لحل القضية اليمنية سلميا، لاسيما بعد الخسائر الكبيرة بين المدنيين، نتيجة القصف العشوائي من طيران التحالف العربي. فقد استنكرت الامم المتحدة والاتحاد الاوربي وحتى الولايات المتحدة، استهداف طيران السعودية سجنا في صنعاء، الذي جاء ردا على استهداف ابو ظبي، وهو ما يوضح حقيقة أنَّ هذه الحرب تجري لمصلحة أطراف إقليمية ودولية كبيرة، لا يسع أبو ظبي أن تكون طرفا معها.
7- أخيرا إنَّ الإمارات على الرغم من إمكاناتها المادية، إلا إنّها لا تملك القوة العسكرية والبشرية، التي يمكنها أن تستمر في المواجهة في اليمن، فضلا عن رفض اليمنيين ما تقوم به الامارات من دعم اطراف على حساب اطراف اخرى داخل حكومة الشرعية نفسها، عن طريق دعمها للانفصاليين في الجنوب، وهو ما حرك معارضة لها داخل اليمن، ولا سيما في عدن، يضاف اليه وجود تذمر اماراتي داخلي،يريد انهاء تدخلهم في اليمن، للحفاظ على الاستقرار الامني والرفاه الاقتصادي.

   إنَّ تاريخ اليمن ولا سيما شماله، معروف بالصراعات القبلية والسياسية والاقليمية على طول تاريخه، كذلك عدم تمكن أي قوة خارجية من تحقيق أي انتصار عسكري فيها، ودول الخليج تعلم ذلك، إلّا إنّ الارادات الدولية التي تتحكم بالسياسة الخليجية، هي من تفرض عليهم التدخل، ولاسيما الصراع الايراني الامريكي، لهذا فإنّ دول الخليج ولاسيما ابو ظبي، سوف تدرك عاجلا أم آجلا، أنّ الحرب ستنتهي الى توافق سياسي بين أطراف اقليمية ودولية، وأنَّ التوافق الداخلي بين اطراف الصراع هو الحل لهذه الازمة، وأنَّ تحقيق الأمن لدول الخليج، هو انتهاء الازمة بين اطراف اقليمية ودولية متنافسة في المنطقة، وأنَّ الإمارات سوف تنهي وجودها في اليمن مثلما انتهى في سوريا.