الكاتب: أ.م. مؤيد جبار حسن / قسم الدراسات الدولية / مركز الدراسات الاستراتيجية
ينقسم الخبراء والمتابعون للشأن العراقي الدولي، فيما يخص الانسحاب الأمريكي من العراق، على مجموعتين: الأولى ترى فيه منفعة عامة، والثانية ترى أنَّه مصيبة مسلطة. لكن هناك توجه فكري ثالث يتبناه الكاتب، يفترض وجود سيناريو ثالث: الحالة الحرجة (بين الاستقرار والفوضى)، ومن أهم الأركان فيه:
- أمنيا: الجانب الايجابي في الانسحاب هنا، هو أن يصبح القرار الأمني عراقيا خالصا (100%)، وهذا في حد ذاته يعد ايجابية وقوة تضاف إلى عزم قواتنا الأمنية البطلة واندفاعها وتخطيطها بأنواعها كافة. في حين يكشف الانسحاب ظهور القوات العراقية من دون الدعم الاستخباراتي، الذي توفره التقنيات المتقدمة التي يمتلكها الجانب العسكري الأمريكي .
- اقتصاديا: النموذج الاقتصادي العراقي ليس له نظير، فهو خليط من التدخل الحكومي والحرية الاقتصادية. والانسحاب الأمريكي سيضعف بالضرورة الحرية الاقتصادية، فالصراع الدولي على السوق والموارد العراقية على أشده، ولن تهبط حدته في حال انسحاب الولايات المتحدة، بل سيستعر بين الأطراف الباقية.
- سياسيا: يظهر جليا التأثير الواضح للقوى الاقليمية في تشكل القوى السياسية في العراق، فضلا عن الولايات المتحدة التي تضع شروطها خلف الكواليس، وتضغط على الجانب العراقي بصورة مباشرة، كتصريحات المسؤولين لديها أو غير مباشرة بالتلويح برفع الغطاء السياسي عن العملية السياسية العراقية، التي لا تلقى قبولا كاملا من جميع الفئات في المجتمع العراقي .
- العلاقات الدولية : لا يخفى على أحد أنَّ قبول العراق مرة أخرى، كعضو في المجتمع الدولي، وحتى في دائرته العربية الضيقة، تم بضوء أمريكي أخضر. والانسحاب سيفقد بغداد الراعي الرسمي للقبول العالمي، وفي الوقت نفسه سيعيد القرار السياسي بيد العراقيين مرة أخرى، دون أي تأثير من أي طرف، قد يضر تدخله بالمصلحة العليا للعراق.
مؤشرات تحقق هذا السيناريو :
- الانسحاب الأمريكي ضرورة ومخاطرة في الوقت نفسه، ضرورة، لأنَّه ليس من المنطقي بقاء القوات الامريكي إلى الأبد فوق الأراضي العراقي، من ناحية التكلفة المادية (أمريكيا)، وفقدان شرعية الوجود (دوليا)، ورفض العراقيين له (داخليا)، ومخاطرة، لأنَّ العراق مازال مطمحا لباقي القوى العالمية، وفي الوقت نفسه هو أضعف من أن يدافع عن نفسه بالاعتماد على قواه الذاتية الخالصة.
- الانسحاب الأمريكي سيضر بتوازن المعادلة الدقيقة للقوى وتوزيع المصالح والثروات داخل البلاد، ويفتح المجال أمام تغول طرف على حساب طرف آخر، قد يكون وطنيا، وليس بصاحب أجندات خارجية.
- الانسحاب الأمريكي قد يكون رغبة موجودة لدى الرئيس جورج بايدن، لكن في الوقت نفسه هو مقيد باستراتيجيات طويلة الأمد، بعض انعكاساتها على الواقع، حجم السفارة الامريكية في بغداد، والتي تعد الأكبر في العالم، وتمثل حجم المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة عموما، والتي لا تعد سفارة فقط بل قاعدة عسكرية استخباراتية متقدمة، في مواجهة القوى الاقليمية، كتركيا وايران، والقوى الدولية، كروسيا والصين.
توصيات للتعامل مع هذا السينايو :
- الاستقلال ليس هبة أو صدقة، بل استحقاق ينتزعه شعب ممثل بقيادته الحكيمة، من باقي الدول والقوى المتسلطة، لذا يجب أن يكون العراق: (شعبا وحكومة) أهلا لنيل استقلاله، وانسحاب القوات الأمريكية، وإنهاء النفوذ الأجنبي، الذي لا يصب في مصلحة الوطن .
- الخوف من الانسحاب الامريكي ليس مسوغا، كما أنَّ الاستهانة بهذا الأمر ليس واقعيا، وإنَّ الأمر يتطلب من العراق إصرارا وحكمة ودراية حول كيفية إدارة الموضوع، ووضع الحدود للعلاقة مع قوات الاحتلال سابقا، لتكون قوات صديقة، مرورا بجعلها قوات دولة أخرى.
- المطالبة بالانسحاب الأمريكي الكامل يجب أن يتواكب مع تطوير تدريجي للقدرات العراقية في الجانب الأمني والسياسي والاقتصادي، لتكون على مستوى المسؤولية والتحدي، ولضمان تحقق الأهداف والمصالح الوطنية العليا.
- من الطبيعي أن تسعى بعض القوى الدولية الفاعلة إلى التعجيل بالانسحاب، بالرغم من عدم نضج البديل العراقي، وذلك لأسباب تتعلق بطبيعة المنافسة وإزاحة الخصوم لتفرغ الساحة لهم، وهذا ليس في مصلحة العراق، فعلى الرغم من أهمية الانسحاب، لكن التوقيت الصحيح له هو أهم منه.